أكد رئيس حركة
حماس في الخارج، خالد
مشعل، أن ما يجري في
غزة عدوان "غير متكافئ"، أحدث دمارا غير مسبوق، مشيرا أن المستقبل لـ"حماس"، وأنها قادرة على التعافي بسرعة.
جاءت تصريحات مشعل في مقابلة مطولة أجرتها صحيفة إن زيد زيد (
NZZ) السويسرية الناطقة بالألمانية، تناولت فيها العدوان على غزة، ومستقبل الحركة، والخلافات داخلها.
وقال مشعل للصحفيين دانيال بوهم وفوريست روجرز اللذين أجريا المقابلة، إنه موقن من أن المستقبل هو لحركة حماس، وإن الحركة تعرضت لتحديات كبيرة سابقا واستطاعت البقاء رغمها.
تاليا مقتطفات ترجمتها "عربي21" من تقرير نشرته الصحيفة عن المقابلة:
تقاتل "حماس" من أجل البقاء في غزة، فبعد مضي ستة أشهر على هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فإنه قضى الآلاف من
الفلسطينيين في الحرب التي تدور رحاها مع "الجيش الإسرائيلي".
في هذه الأثناء، يتحصن عناصرها المحليون داخل الأنفاق، وتعيش "حماس" في عزلة دولية، وقد تحول معقلها في غزة إلى حقل من الركام، ومع ذلك، لا يريد خالد مشعل – أحد أهم قادة الحركة في الخارج– اعتبار ذلك هزيمة.
يقول مشعل من قطر: "بالطبع، ميزان القوة غير متكافئ، ولكن ’حماس’ لديها القدرة على التعافي، والمقاومة تمر في مراحل مختلفة، تتراوح بين جزر ومد.". ويضيف أن الرأي العام العالمي يتحول بشكل متزايد ضد "إسرائيل"، بالنظر إلى وقوع عشرات الآلاف من الضحايا في غزة، مؤكداً أن ذلك "يثبت أن العالم بات يقر بأننا على حق".
"جولة مهمة في القتال ضد الاحتلال"
ينأى مشعل بنفسه عن الظهور الإعلامي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقلما استقبل صحفيين، وخاصة إذا كانوا ممن يعملون في مؤسسات إعلامية غربية، وبعد أسابيع من الانتظار، تم أخيراً ترتيب لقاء حصري معه.
لم يلبث أن أكد لنا مباشرة، من وجهة نظره، أن "الهجوم يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان مبرراً تماماً".
وكما لو أن الهجوم على قواعد "الجيش" والمواقع في "جنوب إسرائيل" كان انتفاضة شعبية عفوية وليس عملية فدائية خططت لها "حماس" سراً، يقول: "لقد كان السابع من أكتوبر جولة مهمة في القتال ضد الاحتلال، أثبتت أن الشعب الفلسطيني لا يقبل بالاحتلال وأنه عازم على التخلص منه".
محرك خيوط ودبلوماسي كبير
ينفي مشعل أن "حماس" قتلت مدنيين إسرائيليين، وإن كان يقر بأنه نتيجة للهجوم غدت غزة الآن حطاماً وفقد عشرات الآلاف أرواحهم هناك، مؤكداً أن الدمار يحيق بكل الشعوب التي تناضل من أجل الانعتاق من نير الاحتلال "فنفس الشيء حصل في فيتنام وأفغانستان والعراق، ولكن ذلك لن يكسر إرادة شعبنا وتطلعه إلى الحرية".
كان مشعل لسنوات طويلة العقل المدبر والدبلوماسي الأول في نفس الوقت، وبلغ من نفوذه أن الإسرائيليين تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حاولوا قتله في عام 1997، ولكن الهجوم، الذي قام من خلاله عملاء الموساد بحقن السم في أذنه في وسط العاصمة الأردنية عمان، فشل وغدا ذلك محرجاً للمخابرات الإسرائيلية، وفي نفس الوقت عزز من وضع مشعل وزاده تمكيناً.
هل كان مشعل يعرف عن الهجوم؟
لا بد أن مشعل كان يعرف ما هي التداعيات التي ستجنيها حركة حماس من الهجوم الذي وقع يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لكن هل كان مقرا له، ويعلم به؟
لا يرغب مشعل في التعليق على ذلك، ويكتفي بالقول إنهم في "قيادة الحركة لديهم آلية محددة لاتخاذ جميع القرارات، بما في ذلك القرارات العسكرية، أما كيف يتم اتخاذ هذه القرارات، فهو أمر يخص الحركة ويخص القيادة وحدها".
كتائب القسام تزداد قوة ونفوذاً
يصعب معرفة من هو الذي يمسك بمقاليد الأمور داخل "حماس" ومن هو الذي يحرك الأمور فيها، هناك مكتب سياسي، وهناك مجلس شورى، بالإضافة إلى لجان أخرى، جميع الأعضاء فيها معروفون ويتم تعيينهم من خلال انتخابات داخلية.
يبدو قادة "حماس" للناظر من الخارج موحدين وعلى قلب رجل واحد، ولكن فيما وراء الكواليس، هناك تيارات مختلفة تتنافس على النفوذ، إلا أن مشعل يؤكد أن جميع أجنحة الحركة تعمل معاً بانسجام تام، ويقول: "داخل ’حماس’، القادة السياسيون لهم تأثيرهم، وكذلك الجناح العسكري." ويصر على أن جميع القرارات تُتخذ دائمًا في إطار المؤسسة الواحدة.
تقول الإشاعة إن مشعل والسنوار لا يطيقان بعضهما البعض، إلا أن مشغل لا يرغب في الخوض في هذا الأمر أثناء حديثه معنا، وعندما سئل، اكتفى بالابتسام، ثم قال إنه "من الطبيعي أن اختلاف البيئات يؤدي إلى اختلاف التجارب ووجهات النظر، وفي كل حركة هناك تنوع واتجاهات مختلفة، ومع ذلك، فإن ’حماس’ تمتاز بقوة المؤسسة وتماسكها، كما تمتاز بأنها ديمقراطية في أدائها الداخلي وفي طريقة إدارتها للقرار".
لا تحقق المفاوضات الكثير من التقدم
يقول مشعل: "نحن لا نلزم أحداً بشيء لدعمنا، لكننا ندعو الجميع في العالم العربي والإسلامي وأصدقاءنا في العالم إلى أن يبادروا لدعمنا والوقوف إلى جانبنا، كما ندعو حلفاءنا والجميع إلى مزيد من الدعم.
لا يبدو مشعل ساخطاً أو مستغرباً، فلعله كان مدركاً لما هو آت، والحقيقة هي أن مشعل لم يكن يوماً من المناصرين المتحمسين لإيران، وأثناء الحرب السورية، عارض نظام الأسد وأنصاره الإيرانيين، الأمر الذي نجم عنه حدوث شقاق وتباعد ما بين "حماس" وإيران، استغرق علاجه أعواماً.
من خلال تموضعه ذاك، أبقى مشعل على خياراته مفتوحة في الخليج، ومع ذلك فإنه لن يكون يسيراً عليه كسر العزلة المفروضة على "حماس"، فهي ليست مكروهة في الغرب فقط وإنما في العديد من الممالك الخليجية كذلك، في نفس الوقت لا يتحقق تقدم ملموس في المفاوضات التي تجرى مع "إسرائيل" حول تبادل الأسرى وإبرام هدنة طويلة المدى في غزة، وهو في الواقع ما تحتاجه "حماس" بشكل ملح من أجل إعادة تنظيم نفسها.
ترفض "حماس" إطلاق سراح من تبقى من محتجزين إسرائيليين إلا مقابل وقف إطلاق نار دائم وانسحاب تام لـ"الجيش الإسرائيلي" من قطاع غزة. إلا أن مشعل، في لقائنا في الدوحة، وجه اللوم إلى "إسرائيل"، وقال إن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب، كما أن التعقيد يشوب المحادثات مع حركة فتح، وهي محادثات بالغة الأهمية في مسعى "حماس" للبقاء على قيد الحياة.
وذلك أنه بدون مصالحة مع الحزب الذي يتزعمه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فسوف يصعب على "حماس" أن يكون لها قول في المفاوضات القادمة حول نظام ما بعد الحرب، ولكن "فتح" لم تنس كيف طردتهم "حماس" بالقوة من غزة في عام 2007، ومن هنا فهم لا يرغبون كذلك في إتاحة المجال أمام منافسهم المنهك.
"ظن الكثيرون أن ’حماس’ انتهت"
إلا أن كل ذلك لا يفت في عضد مشعل، الذي يقول إن "حماس" مرت بظروف صعبة من قبل، مذكراً بأنه "في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1992 طردت ’إسرائيل’ المئات من أبناء شعبنا وقيادات الحركة إلى لبنان، حينها ظن الكثيرون أن ’حماس’ انتهت، لكنها عادت أقوى"، ويضيف أن "حركة حماس ليست مجرد مجموعة مقاتلة، بل هي حركة وطنية متجذرة في عمق الشعب الفلسطيني".