"لم أعرف أين هو بيتي.. كل المنطقة أصبحت رمادية، البيوت، الأشجار، وكل المعالم التي أعرفها"، هكذا وصف أحد المواطنين حال مدينة
خانيونس جنوب قطاع
غزة، من الدمار والخراب بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد مضي أسبوع من شهر نيسان/ أبريل الجاري، أعلن جيش الاحتلال عن سحب قواته بعد عملية استمرت أربعة أشهر، ووصفت من الأعنف خلال الحرب، وانتهت بالقيام بعمليات تفخيخ وتفجير لأحياء كاملة في المدينة.
ورصدت "عربي21" شهادات لمواطنين
فلسطينيين، نزحوا من خانيونس بداية العملية البرية فيها.
نازحون مع نازحين
يقول يحيى (28 عاما) إنه أخلى بيته من عائلته ومن بعض النازحين الذين قدموا من غزة منذ بداية الحرب، وذلك مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهكذا تحوّل لنازح بعدما كان يستضيف النازحين في بيته.
ويؤكد يحيى في حديثه لـ"عربي21": "كان أصدقائي النازحين من غزة يطمئنون علي، وعلى عائلتي، بشكل شبه يومي، بعدما توطّدت علاقتنا خلال الحرب، التي كانت بالسابق صداقة عمل وبعض الزيارات القليلة المتبادلة بين غزة وخانيونس".
ويذكر: "كانت المفارقة أن والد صديقي الذي نزح عندي يعاني من الفشل الكلوي، وكذلك كانت والدتي، وقدر الله أن يتوفى الاثنان بسبب نقص العلاج وتفاقم حالتهم المرضية في رفح بعد نزوحهم إليها".
ويوضح: "عرفنا بتدمر بيتنا الذي تم تشييده حديثا ولم نسكنه بعد، إنما كان أصدقائي النازحون هم أول سكّانه، من خلال صور الأقمار الصناعية، ثم بعد الانسحاب ذهبنا لرؤية ما حصل عن قرب".
ويشير إلى أنه وصل إلى منطقة بيته الذي بات كومة من الركام، ولم يكن وحده المدمّر، إنما كل الشارع الذي يحيط به، مضيفا: "كل شيء راح حتى أشجار النخيل المميزة التي كانت تطرح ثمرها متأخرا، هذه النخيل أكلنا منها الرطب حتى شبعنا عندما لم يكن يوجد في المدينة أي طعام مع بداية الحرب".
ذاكرة المكان
من ناحيتها، تقول سارة (40 عاما) إن زوجها اصطحبها أخيرا لزيارة المنطقة التي كانت تعيش فيها بعد إلحاح طويل، مضيفة: "كان دائما يقول لها بلاش تسمّي بدنك، إيش بدك تروحي تشوفي؟ وكنت أرجع أقول له بدي أروح بدي أشوف إيش اللي صار".
وتوضح سارة لـ"عربي21": "وافق زوجي أخيرا أن يأخذني في زيارة إلى خانيونس، واستطاع تدبير سيارة نذهب بها رفقة سائق أجرة يعرفه، وخانيونس من المفترض أنها قريبة من رفح لكن الطريق كان أطول مما تصورت، كنت أقول لنفسي إن الزحام الشديد هو الذي يؤخرنا عن الوصول".
وتكشف: "بعد مضي ساعة أو أكثر نفد صبري وسألت بتوتر أين نحن متى نصل شارع حارتنا، ليرد زوجي بصوت مكتوم: إحنا في الحارة الآن".
وتضيف: "لم أصدق سألت مرة أخرى وين البيت، وين الحديقة، وين السوبرماركت الذي نشتري منه؟ ليرد بإشارة وكلمات هنا وهنا وهنا، كان يشير إلى أكوام من الركام وساحة جرى تجريفها وتسويتها".
وتسترسل: "صراحة كان معه حق أنه رفض أكثر من مرة زيارتي لما كان بيتنا يوما ما، والآن بعد أن رأيت ما حصل ندمت وتمنيت أني احتفظت بذاكرتي عن المكان لفترة أطول، على الأقل حتى تنتهي الحرب.. هذا لو انتهت".
كل شيء رمادي
بدوره، يقول خليل (30 عاما) الذي كان يتجهّز لحفل زفافه في الأسبوع التالي لانطلاق الحرب في 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "لم أعرف أين هو بيتي.. كل المنطقة أصبحت رمادية حرفيا، البيوت الأشجار وكل المعالم التي أعرفها، بيتي وبيت أهلي وبيت عائلة خطيبتي كلها تضررت أو تدمرت كليا".
ويذكر خليل في حديثه لـ"عربي21": "بيتي الذي جهّزته استعدادا للزفاف وأنفقت عليه سنوات من الادخار والعمل الشاق، ذهب بلا عودة، حتى أنه ليس لدي ذكرى من موعد الفرح المقرر، دعوات الزفاف وبدلة العرس والعطر الذي أحبه، أوراقي وذكرياتي كلها تحت الركام".
ويتابع: "كان العديد من معارفي الذين نزحوا من غزة إلى خانيونس قد نصحوني بأن أحمل معي كل ما أستطيع عندما أنزح، قالوا لي: لا تغلط غلطتنا وخود كل اللي بلزمك وبعز عليك معك. كنت أظن أن الحرب اقتربت من النهاية وسأعود بعد فترة قصيرة، لكن الحرب مستمرة للشهر السابع، الحمد لله كل عائلتي بخير وهذا أهم من أي شيء".
تجدر الإشارة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، يواصل عدوانه الأهوج على كامل قطاع غزة المحاصر، في ضرب بالحائط لكامل القوانين الدولية الإنسانية، وذلك لليوم الـ197 على التوالي، بالتزامن مع اقتحام وعدوان دام ومتواصل في مخيم نور شمس في طولكرم.
وخلّف عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، أكثر من 110 آلاف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ناهيك عن دمار هائل مسّ كامل البنى التحتية، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية.