غضب واسع بين جماهير الكرة
المصرية مع ظهور منتجات شركتي "
كوكاكولا" و"ليبتون" كرعاة لفريق الكرة بالنادي
الأهلي المصري، رغم أنهما من الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي والتي تمت مقاطعة منتجاتها منذ بداية العدوان على قطاع غزة.
وتداول نشطاء صورة لمنتج شركة "كوكاكولا" وهو يحمل شعار الأهلي، وأخرى للاعبي الأهلي مع المنتج، وذلك بعد نحو 200 يوم من حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، والتي أدت إلى استشهاد حوالي 35 ألفا وإصابة أكثر من 76 ألفا آخرين، ما أثار غضب الكثيرين في مصر.
ودشن ناشطون في مصر هاشتاغ تحت عنوان "#قاطع_الأهلي".
ولكن بعض المتابعين أكدوا أن الصور المنشورة لبعض لاعبي الأهلي في إعلان "كوكاكولا" تعود لمطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قبيل "طوفان الأقصى"، فيما أشاروا إلى أن العلاقة التسويقية بين النادي وشركة المشروبات الغازية، تاريخية.
وبحسب الإعلامي الرياضي هاني حتحوت، عبر فضائية "صدى البلد" مساء الثلاثاء، فإن تعاقد الأهلي مع "كوكاكولا" جرى منتصف 2023، بقيمة 12 مليون دولار سنويا ولمدة 4 سنوات.
إلا أن تصريحا لرئيس شركة الكرة في النادي الأهلي الكابتن عدلي القيعي الثلاثاء خلال حفل الإعلان عن راع جديد لفريق الكرة بالنادي، أثار الكثير من اللغط وزاد حدة الغضب، حين دعا جماهير النادي إلى الإقبال على منتجات الشركات الراعية للأهلي، ما اعتبره البعض دعاية لـ"كوكاكولا" و"ليبتون".
ورعاة فريق الكرة بالنادي الأهلي يتمثلون في شركة "اتصالات مصر"، بصفتها الراعي الرئيسي والشريك التكنولوجي من تشرين الأول/ أكتوبر 2022، و"بنك أبو ظبي الأول مصر"، وشركة "shell"، وشركة "GLC" للدهانات، وشركة المراسم الدولية للتطوير العمراني.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي أعلنت شركة الأهلي لكرة القدم، عن عقد رعاية شركة "ليبتون تي أند إينفيوشن" للنادي مدة ثلاث سنوات.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت شركة الكرة في الأهلي أن شركة "بروميتيون للإطارات" أصبحت الراعي الرسمي للنادي الأهلي لمدة 3 سنوات مقبلة.
وانهالت الاتهامات على إدارة الأهلي خاصة من جماهير غريمه التقليدي وشريكه في الجماهيرية والبطولات نادي
الزمالك، الذي رفضت جماهيره في شباط/ فبراير الماضي التعاقد مع شركة "كوكاكولا" لرعاية فريق الكرة.
على الجانب الآخر، برر البعض موقف الأهلي بأن التعاقد سبق حرب غزة، وأن تصريح القيعي بروتوكول يقال في كل حفل رعاية.
وبينما يطالب البعض إدارة الأهلي بفسخ التعاقد مع "كوكاكولا" و"ليبتون"، دعما لفلسطين ورفضا لدور تلك الشركات في دعم الاحتلال وقتل الأبرياء العزل، يرى آخرون أن الأهلي بتنفيذ العقد يحافظ على اسمه في أوساط التعاقدات الدولية.
وعبر صفحته على "فيسبوك"، قال البرلماني السابق طلعت خليل، إن "عقد رعاية كوكاكولا مع النادي الأهلي مُوقع قبل الحرب على غزة، وفسخ العقد سيكلف النادي خسائر مالية ضخمة"، ملمحا إلى أن "إدارة النادي في أمور كثيرة لا تمتلك من أمرها شيئا".
ولكن خليل، طالب إدارة النادي بالاستجابة لرغبة الجماهير التي لا تقبل الاستمرار في عقد رعاية لشركة مشاركة في قتل أهل غزة، وفسخ العقد مثلما فعل الاتحاد الجزائري لكرة القدم، مهما كانت الخسائر.
ولفت الكاتب المصري يوسف الدموكي، إلى عقد رعاية بنك أبوظبي الأول للنادي الأهلي، مشيرا إلى أن هذا البنك وقع في أيلول/ سبتمبر الماضي اتفاقات تعاون ضخمة، مع بنك (لئومي)، ثاني أكبر بنك في "إسرائيل"، فضلا على تعاون البنك الراعي للنادي الأهلي أيضا، مع بنك (هبوعليم)، أحد أكبر بنوك الاحتلال.
بل إن البعض ذهب للقول إن الأهلي يقع تحت سيطرة النظام المصري الحالي، وليس صاحب قرار في توقيع تعاقد أو فسخ آخر، مشيرين إلى فرض النظام شركات رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني القريب من نجل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، حق رعاية النادي وعقود الإنشاءات فيه في كانون الثاني/ يناير 2023.
وهو الحديث الذي تواتر منذ آب/ أغسطس 2022، عندما استحوذت الشركة "المتحدة للرياضة" على حقوق تسويق رعاية النادي الأهلي بشكل حصري لمدة 4 مواسم اعتبارا من (2022-2023 وحتى 2025-2026)، ما اعتبره كثيرون حينها قرارا ستتبعه قيود كبيرة على قرارات النادي، خاصة أن التعاقد يشمل رعاية فريق الكرة وحقوق البث، وحقوق الرعاية، والسلع والمنتجات المرخصة، والإعلان خلال المباريات، وملابس الفريق الأول.
المثير أن كل هذا التعاطي الجماهيري والإعلامي مع الأزمة يأتي وسط غياب تام من إدارة الأهلي، والتي لم يصدر عنها أي بيان حتى الآن.
ذلك الجدل الكبير دفع إلى التساؤل عن موقف الأهلي من حملة المقاطعة للمنتجات الداعمة للكيان المحتل، واحتمالات فقدان النادي الأكثر شعبية عربيا وأفريقيا لدوره المجتمعي والعربي وللقب نادي الوطنية المشهور به بين المصريين، بل واحتمالات تراجع شعبيته وسط دعوات المقاطعة.
"مصالح أكبر من الأهلي"
الناقد الرياضي زغلول صيام، قال إن موضوع رعاية الأهلي من شركات داعمة للاحتلال، والحملة المطالبة بالمقاطعة وفسخ عقد الرعاية يقابلها "موضوع بحجم كبير، ويدخل فيه أطراف عديدة، وليس الأهلي أو الزمالك فقط بل واتحاد الكرة، وأندية كثيرة أيضا".
وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى أن "قصة التعاقدات في مجال الكرة لا تراعي مبادئ ولا قيما، والناس تتخيل أنها تخص إدارات الأهلي والزمالك فقط، ولكن القصة أكبر"، مؤكدا أنه "من المفترض أن يتم وقف عقود الرعاية للشركات الداعمة للاحتلال، مهما كان".
واستدرك بقوله: "لكن هنا بيزنس عال، وهناك أشخاص تدخل فيه، ويقومون بالحفاظ على هذا البيزنس سواء في الأهلي أو الزمالك أو اتحاد الكرة".
وحول الحملة في مواقع التواصل الاجتماعي ضد النادي الأهلي، وقول البعض إنها متعمدة لتقزيم النادي العريق وتشويهه وأن التعاقد قديم، يرى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الرياضي، أنها "ليست متعمدة، وأن الشعب بطبيعته مع فلسطين، التي تتقدم لدينا على أي شيء وعلى الانتماء الكروي".
وختم بالقول: "أي شخص لديه ذرة عقل أو فكر يقول بضرورة وقف عقود الرعاية مع شركات نقاطعها لأجل فلسطين".
"نادي الوطنية"
وفي تعليقه، قال المدرب الرياضي السابق بالنادي الأهلي الكابتن حكيم يحيي، إن "مصر جميعها انتفضت مقاطعة لمنتجات الشركات التي اقترن اسمها بدولة أمريكا حاضنة الكيان المحتل، لكن خرج علينا البعض مؤخرا وبكل سوء نية موجها الجماهير تجاه أنجح كيان رياضي في مصر لمحاولة تشويهه وقلب جماهيره عليه، معتقدين أنها تنساق وراء حملتهم المشبوهة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أنهم "لا يعرفون جماهير الأهلي جيدا، ولا يعلمون مكانة الأهلي عند جماهيره، ولا يعلمون مواقف الأهلي الوطنية والتي يعلمها القاصي والداني"، موضحا أن "الأهلي مؤسس الوطنية المصرية والمدافع الأول عن الوطنية المصرية والقومية العربية قولا وفعلا".
وأضاف: "عن عقد رعاية كوكاكولا يرى البعض أنها شركة مصرية على أرض مصرية يعمل بها قطاع كبير من أبناء الشعب المصري، وليست شركة يهودية، وعن أنها شركة تتبع أمريكا الدولة الراعية للكيان المحتل فقد قاطعها المصريون".
وأكد يحيي، أن "تعاقد النادي الأهلي مع كوكا كولا، تعاقد قديم ومنذ سنوات وليس وليد اللحظة، ومع ذلك ومع أن تلك الشركة من أكبر الرعاة الرسميين للنادي الأهلي إلا أن من أوائل المقاطعين لها كان مشجعو النادي الأهلي الذين يزيدون على الـ70 مليون مصري".
وعن الضغوط الجماهيرية والشعبية والإعلامية على النادي الأهلي لإنهاء عقد الرعاية مع "كوكا كولا" و"ليبتون"، قال إن "الأهلي ناد مصري يتبع القوانين واللوائح والنظم التي أقرتها الدولة وعندما يهم باتخاذ خطوة كهذه تكلفه خسائر بملايين الجنيهات، وربما الدولارات، فمن المؤكد أنه سيفكر كثيرا كمجلس إدارة وإدارة قانونية وإدارة تسويق قبل اتخاذ تلك الخطوة".
وختم بالقول: "الأهلي مؤسسة كبيرة تدار بحكمة وبعقل ولا يحركها الجمهور ولا وسائل الإعلام مثل بعض مراكز الشباب، أما الجماهير وأنا منهم فمع المقاطعة التامة".
"نتيجة لسيطرة النظام"
وفي تعليقه، قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري: "لا يخفى على أحد أن التقلبات والأحداث السياسية التي مرت بمصر والمنطقة العربية منذ عام 2011، أثرت على العديد من المناحي ومنها المنحى الرياضي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وقد خضعت النوادي الرياضية لسيطرة النظام ومجموعة قيادات المؤسسة العسكرية، ضمن خضوع باقي مؤسسات الدولة، حتى أضحت فكرة الاستقلالية دربا من الخيال".
وتابع: "رغم تحفظي على مصطلح الدور التاريخي للنوادي الوطنية الكبرى، إلا أن فكرة احترام المؤسسات لنفسها، ومراعاة الشعور العام لجمهور كل ناد، أصبحت من الماضي منذ عام 2013، فقد دهست جنازير السياسة ملاعب كل الأندية والمؤسسات بلا استثناء وخاصة الأهلي والزمالك".
وأوضح أنه "كما دعم النظام وجود مرتضى منصور (رئيس الزمالك السابق) بضجيجه ومعاركه ومخالفاته في الزمالك، فإنه مكن أيضا دخول تركي آل الشيخ (رئيس هيئة الترفيه السعودية) للأهلي، حتى ظهرت قضية الهدايا والساعات الشهيرة، وهو ما هز صورة ورصانة النادي العريق".
ولفت إلى أنه "لم يقف الأمر عند هذا فبعد رحيل تركي آل الشيخ، أصبح إبراهيم العرجاني بسيرته؛ راعيا للنادي التاريخي وظهر بجانبه متهافتا محمود الخطيب (رئيس النادي) أحد أكبر أيقونات الرياضة في مصر".
فخري، يرى أنه "لذلك فما حدث مؤخرا من عدم استجابة إدارة الأهلي لرغبات الجماهير بمقاطعة رعاية الشركات الراعية الداعمة للكيان هو تسلسل طبيعي يعكس سيطرة النظام على النادي وقياداته المنتخبة".
وخلص إلى القول: "والجميع يعلم أن النظام نفسه يرفض فكرة المقاطعة التي يتبناها معظم الشعب، وقد دفع بإعلامييه وكتائبه الإلكترونية لوأد الفكرة دون جدوى".
"منهج ما بعد 2013"
من جانبه قال عضو الجمعية العمومية للنادي الأهلي الدكتور السيد أبوالخير، إن "منهج الانقلاب في مصر من 2013، حتى الآن هدم كل ما هو ثابت وذا قيمة في مصر بجميع المجالات، وهذا دأب الانقلابات العسكرية، وقد حدث ذلك إثر انقلاب تموز/ يوليو 1952".
أبوالخير، أضاف لـ"عربي21"، أن "الانقلاب لم يترك مجالا إلا أفسده حتى الدوري المصري لكرة القدم تم إفساده، وتعرف ذلك لو نظرت إلى الفرق الموجودة به، فالمؤامرة على مصر في كافة المجالات".
ولفت إلى أنه "يتردد أن قيادات الانقلاب زملكاوية (يشجعون نادي الزمالك)، وتلمح ذلك واضحا في كيفية إدارة مباريات فريق الكرة بنادي الزمالك، والتحكيم الذي أصبح وسيلة للحصول على البطولات".
ويرى أن ما يجري من حملة حالية ضد الأهلي هو "ضمن مسلسل هدم الدولة المصرية ورموزها، وتشويه الرموز المصرية فى جميع المجالات"، ملمحا إلى أنه "من تلك الرموز النادي الأهلي، لذلك يجب تشويهه وتم اختيار التوقيت المناسب لهم، وهي فرصة لنزع الوطنية عن النادي الأهلي".
ويعتقد أنه "يتم استغلال معركة (طوفان الأقصى) التي لا تقتصر على ميدان المعركة العسكرية بل هي حرب وجود لكيان الاحتلال والأنظمة العميلة الوظيفية التى تعمل تحت قيادته، ومن التفريط في السيادة إلى بيع مصر قطعة قطعة لبني صهيون، لذا فلا تنتظر من هذا النظام خيرا لمصر".