مملكة
السويد
من الدول القليلة التي لعبت دورا حاسما في مسار القضية
الفلسطينية. فبعد ثورة البراق
في القدس سنة 1929، قررت عصبة الأمم أن ترسل لجنة تحقيق للفصل بقضية "حائط المبكى"
كما يسميه الصهاينة، أي الحائط الغربي للمسجد الأقصى. وكانت في هذه اللجنة المكونة
من ثلاثة أشخاص بينهم وزير العدل السويدي السابق اليل لوفغرن؛ قد أصدرت قرارها بأن ما يسمى حائط المبكى
هو الحائط الغربي للمسجد الأقصى.
وفي سنة 1947 قررت
الأمم المتحدة ‘رسال لجنة إلى فلسطين لإيجاد حل سلمي للصراع، وكانت هذه اللجنة
برئاسة القاضي السويدي إميل ساندستروم الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية
وعربية، مع تدويل القدس وبيت لحم. هذه الخطة الظالمة أدت إلى حرب 1948 بين الجيوش
العربية والثوار الفلسطينيين من جهة والقوات الصهيونية من جهة أخرى.
في هذه الأثناء أرسلت
الأمم المتحدة الوسيط الدولي السويدي الكونت فولكه برنادونت لإيجاد حل للمشكلة،
لكن إرهابيي عصابات شتيرن قتلته قبل أن يقدم مقترحاته. بعد قرار وقف إطلاق النار
تم تعيين الجنرال السويدي كارل فون كمسؤول عن خط الهدنه بين العرب والصهاينة.
ولم يقتصر الأمر
على هؤلاء السويديين، بل أصبح غونر يارنغ الوسيط الدولي لتطبيق قراري مجلس الأمن
242 و338 واللذين طالبا دولة الاحتلال الانسحاب إلى حدود سنة 1967.
لم ينته دور السويد في القضية الفلسطينية هنا، بل أخذ
منح جديدا بعد تواصل رئيس الوزراء السويدي أولف بالمه مع الرئيس الفلسطيني الراحل
ياسر عرفات، خصوصا أن بالمه أبدى تفهما كبيرا لمأساة الشعب الفلسطيني وأصبح من أكبر
المدافعين في الغرب عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وكان بالمه من أوائل القادة الغربيين الذي دعوا الرئيس
عرفات إلى بلادهم، بالرغم من اعتراضات المؤيدين لدولة الاحتلال. ولم يوقف اغتيال
بالمه في ستوكهولم تطور العلاقات السويدية الفلسطينية، بل حمل الراية وزير
الخارجية الراحل ستين اندرشون الذي أدار عملية السلام في بداية مراحلها الأولى،
وانتقلت منه إلى وزيرة الخارجية مارغوت فالستروم التي كان لها دور في اعتراف
السويد بدولة فلسطين.
الموقف السويدي المؤيد للقضية الفلسطينية تبدل كليا بعد فوز الأحزاب اليمينية المدعومة من الحزب العنصري ذي التاريخ النازي؛ "ديمقراطيو السويد"، فبدأت المطالبة بسحب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ووقف المساعدات إلى السلطة الفلسطينية. وجاءت عملية طوفان الأقصى ليتماهى الموقف السويدي مع موقف دولة الاحتلال
الموقف السويدي المؤيد للقضية الفلسطينية تبدل كليا بعد فوز الأحزاب
اليمينية المدعومة من الحزب العنصري ذي التاريخ النازي؛ "ديمقراطيو السويد"،
فبدأت المطالبة بسحب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ووقف المساعدات إلى السلطة
الفلسطينية. وجاءت عملية طوفان الأقصى ليتماهى الموقف السويدي مع موقف دولة
الاحتلال وتصبح سردية دولة الاحتلال هي السائدة في السويد.
الموقف السياسي:
دافعت الحكومة السويدية والحزب العنصري عن حق دولة الاحتلال بالدفاع عن
نفسها واستعمالها لكل الوسائل التي تمكنها من ذلك، وللأسف تماهى الحزب الاشتراكي
واليساري مع هذا الموقف، لكن سرعان ما تغيير موقف الحزب اليساري ليدعم كليا الموقف
الفلسطيني. وفي النقاشات السياسية في البرلمان السويدي رفض رئيس الوزراء أولف
كريستنسون ووزير خارجيته توبياس بيلستروم طلب الحزب اليساري بالدعوة إلى وقف إطلاق
نار فوري والسماح بدخول المساعدات إلى سكان القطاع المحاصرين، كما رفض الاثنان
اعتبار ما تقوم به دولة الاحتلال خرقا للقانون الإنساني ولقوانين الحرب، ورفضا
كليا توصيف ما يجري بأنه إبادة جماعية. بل وصل الأمر برئيس الحكومة ووزرائه باتهام
المشاركين بالمظاهرات بأن الكثير منهم يرفعون شعارات ضد السامية، ومنها فلسطين
ستتحرر من النهر إلى البحر. وعندما حاولت البروفيسورة في جامعة يوتبوري هيلينا
ليندهولم توضيح الشعار وأن ما جرى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو نتيجة احتلال
إسرائيلي
عمره 76 سنه، تم اتهامها بأنها منحازة إلى الفلسطينيين
أما وزير التعليم ماتس بيرشون فقد طالب الجامعات بمنع أي احتجاجات لمساندة
غزة،
خصوصا جامعة يوتبوري التي تتعاون مع شركة صناعة الأسلحة في دولة الاحتلال "إل
بيت"، لكن الاحتجاجات الغاضبة جعلته والجامعة يتراجعان عن موقفيهما.
أما عن مقاطعة بعض الناشطين المؤيدين لفلسطين لخطاب رئيس الوزراء ووزيرة
الصناعة، فقد وُصف من قام بالعمل بأنهم ليسوا حضاريين ومعادون للديمقراطية، مما
حدا بالهيئة التعلمية في جامعة لوند لكتابة مقال تتهم فيه الحكومة بالسير بالسويد
نحو النظام الفاشي.
كذلك لم تسلم الناشطة البيئية المعروفة عالميا غريتا ثونبيرى من الهجوم
عليها لدفاعها عن غزة وأهلها في كل مظاهرة شاركت بها في المدن الأوروبية.
الحزب الاشتراكي والذي كان من أشد الداعمين للشعب الفلسطيني لم يتخذ للأسف
موقفا حاسما ضد دولة الاحتلال. أما الحزب اليساري فاختار المشاركة في كل النشاطات
الداعمة للشعب الفلسطيني، وطالبت رئيسة الحزب نوشي دادغوستار بإلقاء القبض على
رئيس وزراء دولة الاحتلال.
الموقف الاعلامي:
تبنت قنوات التلفزة والجرائد الليبرالية والمحافظة سردية دولة الاحتلال دون
أي نقد، بل وصل الأمر في كثير من الأحيان إلى الاعتماد فقط على ما يقوله الناطق باسم
جيش الاحتلال، وتم تغييب الصوت الفلسطيني بالمطلق، مما حدا بالكثيرين لتقديم شكاوى
بحق القناتين الأولى والثانية الممولتين من رسوم ترخيص التلفزيون السنوية إلى لجنة
التحقيق الإعلامية التي تلقت أكثر من 110 بلاغات منذ بدء عملية طوفان الأقصى. وقد
تمت إدانة القناتين لعدم موضوعيتهما وعدم حياديتهما في تغطيتهما لما يحدث في الشرق
الأوسط. فمثلا، لم تذكر هذه القنوات أن الجولان السوري محتل، وأعطت مساحات كبيرة
للمستوطنين في البؤر الاحتلالية دون وجود طرف فلسطيني ينقل وجهة نظره.
أما القناة الرابعة فقد كانت أكثر حيادية وأجرت مقابلة مع الناطق باسم حركة
حماس أسامة حمدان، وعرضت الكثير من التقارير عن انتهاكات دولة الاحتلال بحق الشعب
الفلسطيني.
الموقف الشعبي:
لم تتوقف
المظاهرات شبه اليومية في السويد تقريبا، وشملت المظاهرات والنشاطات الداعمة لنضال
الشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة كل المدن السويدية. ومن الامثلة المضيئة مدينة
مالمو في جنوب السويد والتي تشهد نشاطا يوميا، من اعتصامات ليلية واعتصامات في
محطات القطارات، إلى جانب تظاهرتين كبيرتين كل يوم سبت وأحد، إضافة إلى جمع
التبرعات.
إن ما يجري في غزة أظهر الهوة بين الشعب والقيادة السياسية عندما يتعلق الأمر بالتضامن ودعم الشعب الفلسطيني، وفضح كل ادعاءات السياسيين وكلامهم عن حقوق الإنسان واحترام الاتفاقيات الدولية، كذلك فضح الإعلام السويدي الذي انحاز جزء كبير منه إلى سردية دولة الاحتلال
الصمود الأسطوري
لشعبنا ومقاومته في غزة وهذه النشاطات أجبرت الحكومة على البدء بتغيير موقفها،
فأصبحت تطالب بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات للمحاصرين في غزة، وأعلنت صراحة
على لسان وزير خارجيتها توبياس بيلستروم أن السويد تعارض تحت أي مسمى وظرف دخول
جيش دولة الاحتلال إلى غزة. كذلك أجبرت الحكومة على إعادة الدعم لمنظمة الأونروا، والذي
أوقفته بعد اتهامات دولة الاحتلال الكاذبة بمشاركة موظفين بطوفان الأقصى.
الفنانون
والمغنون السويديون لهم دورهم كذلك في نصرة الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف
المذابح الجماعية في غزة. فلأول مرة يوقع أكثر من 1100 فنان سويدي على عريضة تطالب
بمنع دول الاحتلال من المشاركة في مهرجان الأغنية الأوروبية، أسوة بما جرى مع
روسيا بعد احتلالها لجزء من أوكرانيا. ولم يقتصر الأمر على توقيع العريضة، بل شمل
انسحاب أكثر من عشرين في المئة من المشاركين بالمهرجان الموسيقي الموازي الذي
تقيمه بلدية مدينة مالمو، حتى أصحاب المراكز التي كان ستقام بها هذه الحفلات رفضوا
أن تقام أي حفلة وذلك اعتراضا على مشاركة دولة الاحتلال.
إن ما يجري في غزة
أظهر الهوة بين الشعب والقيادة السياسية عندما يتعلق الأمر بالتضامن ودعم الشعب
الفلسطيني، وفضح كل ادعاءات السياسيين وكلامهم عن حقوق الإنسان واحترام الاتفاقيات
الدولية، كذلك فضح الإعلام السويدي الذي انحاز جزء كبير منه إلى سردية دولة
الاحتلال.
لقد أصبحت فلسطين
جزءا من الحياة اليومية في السويد. وهنا لا بد من القول إن الشباب الفلسطيني والعربي
والمسلم إضافة إلى المناصرين من السويديين، رغم الغياب تقريبا الكلي للسلطة
الفلسطينية وسفارتها، لعب دورا كبيرا في استمرار التضامن اليومي مع غزة وشعبها.
وأخيرا، المطلوب من
أجل غزة أن نشارك بفعالية في انتخابات الاتحاد الأوروبي، لنوصل نوابا يدافعون عن
فلسطين وعن شعب فلسطين وعن قضية فلسطين.