تشهد
أرمينيا احتجاجات ضد عملية ترسيم الحدود ونقل عدة قرى إلى أذربيجان في منطقة تافوش. ومع ذلك، هناك سبب للاعتقاد بأنها سوف تهدأ قريبا، وسوف يتصالح المجتمع الأرمني مع منطق باشينيان "الانهزامي"، بحسب وصف المعارضين له.
وقالت صحيفة "فزغلياد" الروسية، في التقرير الذي ترجمته "عربي 21"؛ إن الاحتجاجات ضد نقل الأراضي إلى أذربيجان تحركت ببطء في أرمينيا؛ فعلى ما يبدو، لم يسمح السكان المحليون ولا المعارضة لفترة طويلة بفكرة أن عملية نقل الأراضي إلى أذربيجان ستبدأ في الواقع. وذلك على الرغم من أن رئيس الوزراء نيكول باشينيان زار قريتي فوسكيبار وكيرانتس عدة مرات (هما اللتان يتم نقلهما)، وأجرى محادثات عاطفية مع السكان المحليين، موضحا رؤيته حول ضرورة تسليم الأرض.
وبعد أن بدأت عملية ترسيم الحدود بين أرمينيا وأذربيجان بالفعل، طالب سكان القرية أولا بعقد اجتماع مع حاكم منطقة تافوش، هايك غالوميان، ثم حضرت السياسة إلى كل منزل في تافوش، وبدأت الاحتجاجات تأخذ منحى عنيفا، حتى إلى حد قطع الطرق السريعة.
وأفادت الصحيفة أن الأحداث تصاعدت بعد أن بدأ حرس الحدود الأرمني بقياس المنطقة، وإزالة الألغام في المنطقة المحيطة، وإقامة أعمدة حدودية؛ فتبين أنه سيتم نقل بعض الأراضي الزراعية وأراضي الكنيسة. واتضح، على سبيل المثال، أن المرور إلى كنيسة فوسكيبار لأم الرب المقدسة في القرنين السادس والسابع، يمكن أن يتم من خلال الذهاب إلى أذربيجان، الأمر الذي تسبب في رد فعل حاد من كل من السكان المحليين ورئيس أساقفة تافوش باغرات جالستانيان؛ حيث وصل رئيس الأساقفة بملابسه الكاملة إلى فوسكيبار، وطالب الشرطة التي طوقت منطقة إزالة الألغام، بالسماح له ووفد المؤمنين بالدخول إلى الكنيسة.
ونتيجة لذلك، أصبح رئيس الأساقفة باغرات جالسستانيان أحد "وجوه الاحتجاج" وزعيمها غير الرسمي، وأعطى الرئيس الأعلى للكنيسة الأرمنية كاثوليكوس كاريكين الثاني، في أثناء زيارته لتسيتسيرناكابيرد، تعليمات للسلطات الأرمنية "بعدم الخلط بين الشجاعة والجبن"، وبالنظر إلى ثقل الكنيسة الرسولية الأرمنية في المجتمع، فإن هذا عامل مهم.
وبينت الصحيفة أنه بالإضافة إلى إغلاق الطرق، اقتصرت طبيعة الاحتجاجات على عرض لافتات انتخابية مؤقتة في يريفان وعلى بعض الطرق السريعة، فضلا عن مناوشات على شبكات التواصل الاجتماعي وتوزيع المقابلات، وحدث إغلاق الطرق بشكل عفوي في مناطق مختلفة من أرمينيا. لكنها، مثل محاولات إغلاق الشوارع المركزية في يريفان، تم القضاء عليها بسرعة من قبل الشرطة. وفي 26 نيسان/أبريل، منع السكان المحليون عمل رسامي الخرائط الذين كانوا سيقيسون المنطقة. وفي يوم آخر، كانوا ينتظرون قيام خبراء المتفجرات بتطهير المنطقة.
وذكرت الصحيفة أنه تم تشكيل الاعتصام الأكثر إثارة للإعجاب في قرية كيرانتس، عند الجسر الوحيد على الطريق الاستراتيجي المؤدي من أرمينيا إلى جورجيا ثم إلى
روسيا والعالم الخارجي؛ حيث لا تزال حالة هذا الجسر غير واضحة. ومن المفترض أنه بعد نقل الأراضي، سيتعين أن تحرسه القوات الأرمينية. ومع ذلك، من وجهة النظر العسكرية والحياة اليومية، فإن هذا لا معنى له.
وفي ليلة 27 نيسان/أبريل، شوهد عشرات الأشخاص يرتدون الزي العسكري في اعتصام في كيرانت، وزأ لهم هذا المتظاهرون، الذين قرروا أن الوحدات العسكرية ستأتي إلى جانبهم. بحلول الصباح، تبين أن هؤلاء كانوا 16 ضابطا من وحدة عسكرية مجاورة لفوسكيبار، الذين جاؤوا إلى الاعتصام دون أسلحة بهدف بسيط، هو معرفة ما كان يحدث. وعادوا إلى الوحدة، وهناك تقارير عن فتح قضايا جنائية ضدهم. وتنشر القنوات الموالية لباشينيان على تلغرام مقاطع فيديو تتضمن توضيحات ومبررات واعتذارات من قبل أحد هؤلاء الضباط، الذي تعرض أكثر من غيره خلال زيارة ليلية للاعتصام في كيرانتس.
وذكرت الصحيفة أن منطق باشينيان، هو أن الذين يعارضون نقل أي أراض إلى أذربيجان يريدون جر أرمينيا إلى حرب جديدة، حيث إن باكو مصممة وستذهب إلى النهاية في مطالبها -على سبيل المثال، باشينيان عند زيارته لقرى تافوش، هدد السكان المحليين بالحرب "في غضون أسبوع"-، فلن تنجو أرمينيا من هذه الحرب، وستخسر أراضي أكثر مما ستخسره نتيجة لترسيم الحدود سلميّا.
علاوة على ذلك، ووفقا لمنطق دعاية باشينيان، يُزعم أنه سيتم جلب القوات الروسية إلى أرمينيا -أو ما تبقى منها-، وسوف يقوم الروس بتأمين "ممر زانجيزور" وإخضاع يريفان، من خلال ما يسمى بالطابور الخامس، الذي يتألف من المعارضين الموالين لروسيا والمغتربين. والآن، يزعزع هذا "الطابور الخامس" الوضع في البلاد من خلال الاحتجاجات في تافوش.
وتكمن "شجاعة" حكومة باشينيان على وجه التحديد، في تقديم التنازلات لباكو من أجل منع حرب جديدة، لا يستطيع الجيش الأرمني الحالي مقاومتها، وتجنب "احتلال" أرمينيا من قبل الروس. ويرد الكاثوليكي جارجين الثاني بالقول؛ إن هذا في الواقع "جبن"، وهو ما يخلطه البعض مع "الشجاعة".
وباشينيان نفسه من إيجيفان، وليس بعيدا عن تافوش، وهو يعرف جيدا عقلية أرمينيا الريفية، ويمثلها بنفسه بطرق عديدة. وهذا ما يفسر جزئيّا السبب وراء صدى أفكاره الجيوسياسية والفلسفية -حتى الأكثر غرابة منها- في روح أرمينيا "العميقة" للغاية. إنه لا يخاطب الفدائيين الأرمن، أو المقاتل الأرمني، أو البطل الأرمني، المستعد للمخاطرة بحياته من أجل الذاكرة التاريخية وأرض أجداده. لا، فهو يخاطب الطبقة التجارية من الطبقة المتوسطة التي تشكلت في البلاد على مدى العقود الماضية. فتلك الطبقة من الشعب الأرمني، التي كانت كاراباخ والتاريخ والإيمان والشرف مهمة بالنسبة لها، إما ماتت أو تقاعدت.
ولفتت الصحيفة إلى أن الكثيرين في "أرمينيا باشينيان" هذه، يرغبون ببساطة في أن يتخلفوا عن هذه البطولة الأبدية، فقد عانوا كثيرا منذ عام 1991، وليس من الضروري أن يظلوا أبطالا إلى الأبد، وهم يحبون النظرية القائلة بأنه إذا تخلت أرمينيا الآن عن تاريخها وأرضها، بما في ذلك صداقتها التاريخية مع روسيا، فإن العالم من حولها سوف يتوقف عن العدوانية تجاهها، وسيكون من الممكن أن نشغل أنفسنا ليس بالمواجهة، ولا بالحرب، بل بالحياة العادية.
ويمكن فهم ذلك من بعض النواحي؛ فبعد عام 1991، عانت أرمينيا أكثر من أي دولة أخرى في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي من حيث الحياة اليومية. المداخن في نوافذ المباني السكنية في يريفان، والنقص التام في الوقود، والجوع والهجرة؛ كلها أمور سوف تبقى في الأذهان لجيل قادم. وباشينيان يجد الدعم من أرمينيا هذه، وهذا الدعم يفوق احتجاجات المعارضة، وحتى الكنيسة التي تعارض التنازلات الأبدية لأذربيجان.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول؛ إن هذا يعني أن الاحتجاجات الحالية في الشوارع من غير المرجح أن تؤدي إلى الإطاحة بالحكومة الحالية في أرمينيا أو الانقلاب؛ حيث إن التطور الذي يمكن أن يوقظ انتفاضة مناهضة لباشينيان في المجتمع، هو عندما يتعين على أغلبية الأرمنيين منح أراضيهم لنظرائهم الأذربيجانيين، لكن هذا الأمر مفهوم أيضا في باكو، التي تستفيد من المزاج العام الحالي في أرمينيا. لذا فإن أذربيجان، على الأرجح، لن تضغط على المزيد من المطالب الإقليمية بشكل جذري وبسرعة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)