يعمل
الاحتلال الإسرائيلي على تعزيز فصل شمال قطاع
غزة عن جنوبه، عبر ممر "
نتساريم" وذلك بحسب ما أظهرته صور الأقمار الصناعية، وذلك لتسهيل توغلاته في القطاع، وتقييد حركة الفلسطينيين في القطاع.
ونشر موقع "
ريسبونسيبل ستيت كرافت" الأمريكي
تقريرًا، تحدّث فيه عن الغزو المحتمل لرفح من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهدد
بتشديد سيطرته على الفلسطينيين، وإطالة أمد وجوده في المنطقة عبر ممر نتساريم.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"،
إن "إسرائيل" تعمل على تسريع تطوير طريق استراتيجي من شأنه أن يقسِم قطاع
غزة لقسمين، وذلك وفقًا لما أظهرته صور جديدة التقطتها الأقمار الصناعية، التي كشفت
عمل القوات الإسرائيلية على تحديث موقعين عسكريين على مفترق الطرق الرئيسية التي استخدمها
الفلسطينيون للفرار جنوبًا في المراحل الأولى من الحرب.
وذكر الموقع أن هذا الطريق، وهو جزء مما يسمى "ممر نتساريم"، يمتد من الشرق إلى الغرب من الحدود بين غزة و"إسرائيل"
إلى البحر الأبيض المتوسط جنوب مدينة غزة مباشرة. وبدأ سلاح الهندسة التابع للجيش الإسرائيلي
العمل على تطوير هذا الممر بعد وقت قصير من هجمات حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وحسب المسؤولين الإسرائيليين، فإن الهدف الاستراتيجي
للممر هو تسهيل استهداف الجيش الإسرائيلي لشبكات أنفاق حماس الواقعة تحت الأرض. وقال
أفراد من الجيش الإسرائيلي أيضًا إن الممر من شأنه أن يسهّل التوغلات العسكرية في أي
من الاتجاهين، ويعزّز السيطرة الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين، ويمنعهم من التحرك بحرية
من الشمال إلى الجنوب.
وأشار الموقع إلى أن الخبراء يحذّرون من أنه مع اقتراب
غزو رفح، تهدد قبضة "إسرائيل" المشددة على تدفق الأشخاص والمساعدات إلى شمال
غزة بتفاقم الأزمة الإنسانية المأساوية بالفعل. وقال ليكس تاكنبرغ، المسؤول السابق
في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى (الأونروا)، إن القوات
العسكرية الإسرائيلية تمكنت بالفعل من السيطرة على جميع تحركات الأشخاص والمواد الغذائية
في كلا الاتجاهين منذ أن بدأت إجلاء الناس من شمال غزة في تشرين الأول/ أكتوبر".
وأضاف تاكنبرغ: "يبدو أن ما تفعله هذه الخطوة
هو تعزيز سيطرة إسرائيل على الفصل الفعلي لقطاع غزة".
وأوضح تاكنبرغ، الذي عمل في غزة لمدة عقد من الزمن
باعتباره مسؤولًا رفيع المستوى في الأونروا، أن اختيار موقع الممر يسهّل تلك السيطرة،
فهو يمر عبر وادي غزة الذي يصعب على الناس عبوره، ويعمل كحدود طبيعية بين شمال غزة وجنوبها،
فضلا عن كونه الجزء الأكثر ضيقًا في القطاع.
وقال تاكنبرغ، الذي يعمل الآن مستشارًا كبيرًا في
منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، إنه " من السهل نسبيًا السيطرة على
الممر من منظور عسكري".
وأضاف الموقع أن سيطرة الجيش الإسرائيلي ستكون أقوى
مع تقدمه في "المنطقة العازلة" للممر. وأورد أفراد من الجيش الإسرائيلي أنه
من خلال تطهير الأراضي وهدم المباني في المنطقة المحيطة شدّدت القوات الإسرائيلية قبضتها
على الممر.
لكن هذا المستوى العالي من السيطرة يُثير مخاوف بشأن
الأزمة الإنسانية المستمرة بالفعل. فقد نزح مئات الآلاف من سكان شمال غزة منذ أن أمرتهم
"إسرائيل" بالتحرّك جنوب وادي غزة في تشرين الأول/ أكتوبر من السنة الماضية،
وهم يواجهون الآن ظروفًا معيشية قاسية في جنوب غزة، وسوف تسوء الأوضاع أكثر في حالة
قيام "إسرائيل" بغزو رفح كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ونقل الموقع عن دانييل ديفيس، الخبير العسكري وزميل
في "ديفينس برايوريتيز"، أنه إذا حدث غزو فهناك مساحة محدودة للفلسطينيين
إذا لم يُسمح لهم بعبور ممر نتساريم. وأضاف أنه "إذا كانت لدى إسرائيل خطة حقيقية
لنقل ما يزيد على مليون نسمة قبل الهجوم، فليس من الواضح إلى أين سترسلهم".
في كانون الثاني/ يناير، قال وزير شؤون الشتات الإسرائيلي،
عميحاي شيكلي، إنه لن يُسمح لسكان شمال غزة بالعودة حتى يتم تدمير البنية التحتية التابعة
لحماس تحت الأرض. كما أن سيطرة "إسرائيل" المشددة على الممر يمكن أن تشكل
خطرًا على سكان شمال غزة الذين يواجهون نقصًا في الغذاء والمساعدات. وحسب تاكنبرغ، فإنه
إذا كان لـ"إسرائيل" السيطرة الكاملة على ما يدخل إلى الشمال، فإن ذلك يمنحها
الفرصة لمنع دخول المساعدات.
وأورد الموقع أن شحنات المساعدات من خارج غزة -التي
تشرف عليها كل من مصر و"إسرائيل"- كانت قبل بدء الحرب تمثّل حوالي ثلثي
إمدادات الغذاء المستهلكة في القطاع. والآن، يعتمد جميع السكان تقريبًا على المساعدات
الغذائية للبقاء على قيد الحياة، وذلك وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي. وقد أدى النقص
والتأخير في تسليم المساعدات في الأشهر الأخيرة إلى دفع غزة إلى حافة المجاعة.
قد تتمكن المساعدات من دخول شمال غزة وجنوبها عبر
رصيف تبنيه الولايات المتحدة يقع قبالة النقطة التي يلتقي فيها ممر نتساريم بالساحل.
ولكن يبقى أن نرى كيف سيتم توزيع هذه المساعدات من هناك. وبالأمس فقط، تعرّضت منطقة
تجمع الرصيف لقصف بقذائف الهاون، ما زاد من المخاوف من أن هذه الخطة قد تجُرّ القوات
الأمريكية إلى القتال.
وحسب الموقع، ذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن المنشآت
التي يجري بناؤها على طول ممر نتساريم ليست دائمة. مع ذلك، تخطط "إسرائيل"
لإبقائها في مكانها في المستقبل المنظور لتنفيذ عمليات ضد حماس. وبغض النظر عما إذا
كانت البؤر الاستيطانية ستبقى في مكانها، يستبعد ديفيس أن تنسحب القوات الإسرائيلية
بشكل كامل من غزة، وهو يرجّح أن "تكون حركة الفلسطينيين في غزة ما بعد الحرب مقيدة
بشكل أكبر بما يتجاوز مجرد حدود هذا الممر".