لا
تزال معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة تترك تداعياتها على كل الأوضاع في
العالم اليوم، فإضافة للتداعيات العسكرية والأمنية والاجتماعية والإنسانية، فها هي
هذه التداعيات تصل إلى داخل
الجامعات في أمريكا وأوروبا وتتحول إلى أحد أهم عوامل
ثورة الطلاب والأساتذة في هذه الجامعات، وفي الوقت نفسه نحن نشهد معركة جديدة
مستمرة حول مستقبل
الأفكار والقيم في العالم في مواجهة كل المحاولات لضرب القيم الإنسانية
ونشر قيم جديدة تتنافى مع القيم الدينية التي كانت سائدة في العالم، وخصوصا فيما
يتعلق بالأسرة ودور الإنسان والعلاقات بين البشر.
فما
هي دلالات ثورة الجامعات في أمريكا وأوروبا اليوم؟ وكيف يمكن التفاعل مع هذه
الثورة على الصعيد العربي والإسلامي؟ وماذا عن معركة القيم الإنسانية والأفكار
التي انتشرت في العالم في موازاة معركة طوفان الأقصى والحرب على
فلسطين وتداعياتها
المختلفة؟
بداية،
ماذا عن الثورة الاحتجاجية التي انطلقت في جامعات أمريكا وأوروبا ووصلت إلى أستراليا؟
وأي تأثير لها في عالمنا العربي والإسلامي؟ وكيف يمكن مواكبتها في المرحلة
المقبلة؟
رغم أنه
قد يكون من السابق لأوانه تحديد مستقبل الثورة الجامعية التي انطلقت في أكثر من
بلد أمريكي وأوروبي ووصلت إلى دول أخرى، فإنه لا يمكن تجاهل أهمية هذا الحدث
ودلالاته، خصوصا أنه انطلق من عنوان التضامن مع الشعب الفلسطيني ومواجهة حرب الإبادة
الصهيونية وتحول إلى معركة للدفاع عن الحريات وحماية حق الاعتراض والتحرك، في ظل
الإجراءات القاسية التي اتخذتها بعض إدارات هذه الجامعات ضد هذه التحركات وتدخل الأجهزة
الأمنية والشرطة والجيش لمواجهة هذه الاحتجاجات وفض الاعتصامات.
لا يمكن تجاهل أهمية هذا الحدث ودلالاته، خصوصا أنه انطلق من عنوان التضامن مع الشعب الفلسطيني ومواجهة حرب الإبادة الصهيونية وتحول إلى معركة للدفاع عن الحريات وحماية حق الاعتراض والتحرك، في ظل الإجراءات القاسية التي اتخذتها بعض إدارات هذه الجامعات ضد هذه التحركات
ورغم محاولة بعض
المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين تشويه هذه التحركات والادعاء بأنها تستهدف
السامية أو الطلاب اليهود، فإن المشاركين فيها من طلاب يهود ومن الفئات الأخرى
ردوا على هذه الاتهامات وأكدوا أنها دفاع عن الحريات ولدعم الشعب الفلسطيني، ومن أجل
اتخاذ إجراءات ردعية ضد الحكومة الإسرائيلية بسبب الجرائم التي ترتكبها ضد الشعب
الفلسطيني.
وحسب
العديد من الخبراء بالشأن الأمريكي والمواكبين للتحركات الطلابية والشعبية، نحن أمام
حدث كبير ستكون له تداعياته المستقبلية على الأوضاع في أمريكا وأوروبا، وحتى في حال
لم ينجح حاليا في وقف العدوان على الشعب الفلسطيني فإنه يفتح الباب أمام بروز حالة
اعتراضية على السياسة الأمريكية والإسرائيلية على الصعيد العالمي، وهذا يتطلب
المزيد من التحرك العربي والإسلامي لملاقاة هذه التحركات ورسم رؤية جديدة في كيفية
مخاطبة الرأي العام العالمي وحشد الطاقات من أجل دعم القضية الفلسطينية. ولقد
بدأنا نشهد انعكاس ذلك على التحركات في الجامعات العربية والإسلامية، وإن كانت
المعركة طويلة المدى وسنكون أمام متغيرات عالمية جديدة. وكل ذلك بفضل تداعيات
معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة.
وفي
موازاة ذلك لا تزال معركة الأفكار والحرب على القيم الإنسانية تشغل بال العلماء
والمفكرين في العالم وعلى الصعيد العربي والإسلامي، فقبل انطلاقة معركة طوفان الأقصى
كان العالم مشغولا بالمعركة الدائرة من أجل الترويج للشذوذ أو معركة الدفاع عن
المثلية ونشر مفهوم الجندر الاجتماعي، وضرب أسس العائلة والأسرة، والتمهيد لإنتاج
نوع جديد من الكائنات من خلال الذكاء الاصطناعي، والخروج من كل منظومات القيم الإنسانية
والدينية التي عاشها العالم منذ بدء الخلق إلى اليوم، لكن معركة طوفان الأقصى أعادت
النقاش مجددا إلى كل هذه الأفكار، وطرحت مجددا المعركة العالمية حول كل ما قدّمته
الحضارة الغربية من أفكار وإلى أين وصلت هذه الأفكار اليوم وماذا قدّمت للبشرية من
نتائج على صعيد دور الإنسان وقيمته.
تداعيات معركة طوفان الأقصى والحرب على فلسطين لا تزال مستمرة، وأن دماء الشهداء لن تذهب هدرا، وأن نتائج وآثار هذه المعركة لن تقتصر على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بل هي تطال العالم أجمع، وأن هناك مسؤولية كبرى على العلماء والمفكرين ومراكز الدراسات والأبحاث والجامعات في العالم العربي والإسلامي لمواكبة ما يجري وتقديم أفكار ورؤى جديدة قادرة على مواكبة هذه المعركة الكبرى
ولقد
شهدنا في بيروت مؤخرا عقد مؤتمر هام من قبل جامعة المعارف حول معركة تمكين الأسرة
ودورها في التأسيس للحضارة الإنسانية، وشارك في المؤتمر عدد كبير من المفكرين
والعلماء من دول عدة، وكان نموذجا مهما للمعركة الفكرية والحضارية التي ينبغي
متابعتها اليوم على الصعيد الإنساني والعالمي. وبموازاة ذلك تزداد النقاشات
والحوارات في كافة أنحاء العالم، ومن ضمنها ما يجري في العالم العربي والإسلامي
حول كل ما قُدّم لنا من أفكار وطروحات خلال العقود الماضية، ولا سيما على صعيد
ثقافة حقوق الإنسان وأفكار الثورات الأوروبية، والدعوة إلى تجاوز الأديان والقيم
الإنسانية وفرض رؤى جديدة على العالم تتجاوز القيم الدينية والإنسانية.
كل
هذه النقاشات والحوارات، إضافة لما يجري اليوم من تحركات احتجاجية في جامعات أمريكا
وأوروبا، تؤكد أن تداعيات معركة طوفان الأقصى والحرب على فلسطين لا تزال مستمرة، وأن
دماء الشهداء لن تذهب هدرا، وأن نتائج وآثار هذه المعركة لن تقتصر على القضية
الفلسطينية والشعب الفلسطيني بل هي تطال العالم أجمع، وأن هناك مسؤولية كبرى على
العلماء والمفكرين ومراكز الدراسات والأبحاث والجامعات في العالم العربي والإسلامي
لمواكبة ما يجري وتقديم أفكار ورؤى جديدة قادرة على مواكبة هذه المعركة الكبرى؛ كي
لا تضيع دماء الشعب الفلسطيني والشهداء وكل التضحيات التي بذلت في هذه المعركة.
نحن
اليوم أمام مخاض جديد يشهده العالم ومسؤوليتنا
مواكبة هذا المخاض، والبحث بعمق عن أي دور وأية مسؤولية علينا لمواكبة ما يجري. فهل
سنكون بمستوى هذه المسؤولية؟ أم تضيع هذه الفرصة الجديدة مجددا؟
twitter.com/kassirkassem