مازالت أصداء نتائج
الانتخابات المحلية البريطانية، مسيطرة على الشارع
الإنجليزي، بعد الهزيمة
المدوّية التي مني بها
حزب المحافظين ونجح
حزب العمال في الحصول على فوز كبير،
خصوصا في لندن التي فاز رئيس بلديتها صادق خان بولاية ثالثة.
وكان للناخب المسلم دور كبير في الانتخابات المحلية خاصة مع الاحداث
الجارية، والحرب الواقعة على قطاع
غزة التي وصلت شهرها الثامن وسط دعم كبير من الحكومة
البريطانية، ضاربة بعرض الحائط غضب الشعب الإنجليزي من ذلك الدعم، مما جعل الناجب البريطاني فى التوجه إلى المستقلين الداعمين للقضية الفلسطينية.
موقع
"
ميدل إيست آي" نشر مقالا للصحفي والمعلق بيتر أوبورن شكر فيه الناخبين المسلمين في
بريطانيا لحقنهم مبادئ وأخلاق في الديمقراطية البريطانية، وقال إن المسلمين تحولوا
من كونهم "أعداء من الداخل" كما يحب الإعلام البريطاني الترويج، إلى
وطنيين يستحقون الثناء لرفضهم النظام العفن القائم على حزبين.
وقال إن الإعلام
الرئيسي في بريطانيا والنخبة السياسية ظلوا وعلى مدى سنين يصورون المسلمين بأنهم
"أعداء من الداخل" يرفضون المشاركة في الديمقراطية البريطانية ولديهم
أجندة انفصالية، وكانت الفرضية دائما غير صحيحة وثبت في الأسبوع الماضي أنها خطأ.
وقال إن المسلمين
البريطانيين تدخلوا وبشكل حاسم في انتخابات أيار/مايو وتخلوا عن حزب العمال،
وصوتوا بدلا من ذلك لأحزاب مستقلة تدعم وقف إطلاق النار وشجبت جرائم الاحتلال الإسرائيلي
في غزة.
وبعملهم هذا،
فقد أرسلوا رسالة إلى زعيم العمال، كير ستارمر الذي قد يكلف انسياقه وراء رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين نتنياهو، حزبه خسارة كثير من المقاعد في الانتخابات العامة التي
تلوح بالأفق، بحسب أوبورن.
وتابع "ربما اعتقدت أن
موقف المسلمين ومشاركتهم القوية في الانتخابات ومشاركتهم المبدئية في السياسة
البريطانية تستحق الثناء".
وأضاف "لو كان هذا هو
الحال، فإنك مخطئ بهذا التفكير، فمنذ نهاية الأسبوع، جيش أعداؤهم في السياسة
الرئيسية والإعلام الجماهيري جهودهم للهجوم على المسلمين وأن هؤلاء يمثلون تهديدا
مميتا على الديمقراطية البريطانية وأنهم دعاة طائفية".
وأردف "عنوان صحيفة
"ديلي ميل" "انتخاب عشرات من المؤيدين لغزة"، ووصف كريس دويل،
رئيس مجلس التفاهم العربي- البريطاني العنوان بأنه "أسوأ وأخطر عنوان على
الصفحة الأولى ينشر أبدا في نشرة بريطانية".
ويعلق أوبورون
أنه يعرف كيف توصل كريس دويل إلى رأيه، فما فشلت ديلي ميل ذكره في عنوانها أن أكثر
من 34,700 فلسطينيا ذبحوا خلال الأشهر السبعة الماضية، حسب وزارة الصحة في غزة،
وفي كل الاحتمالات، وبعدد كبير من الجثث لا تزال تحت الأنقاض، فالعدد أكبر،
بالإضافة إلى 15,000 طفلا ماتوا في الحرب، وبالنظر للمعدل في غزة ومقارنته مع حرب
استنزاف مماثلة في بريطانيا، فسيكون عدد الضحايا البريطانيين أكثر من مليون وجرحى
بالملايين.
وفي ظروف رهيبة
كهذه، فمن الطبيعي أن ينتفض المسلمون البريطانيون ضد كير ستارمر ورئيس الوزراء
ريشي سوناك وائتلاف الحزبين الدعم لرئيس الوزراء نتنياهو وتحالفه من المتطرفين.
وعلينا تذكر أن الائتلاف
العمالي- المحافظ الداعم للحرب يدعم استمرار إمداد إسرائيل بالسلاح ويرفض الحديث
عن جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي ويقطع الدعم عن أونروا ويرفض تحقيق محكمة العدل
الدولية في إبادة جماعية ممكنة ارتكبتها إسرائيل، بحسب أوبورن.
وبالطبع لا يشعر
المسلمون وحدهم بالرعب من الموقف الذي اتخذه زعيمي الحزبين الرئيسين بل وأعداد لا
تحصى من البريطانيين، بمن فيهم اليهود، وفي هذه اللحظة الرهيبة من تاريخ الشرق
الأوسط، فلا حرج أن تكون "ناشطا مؤيدا لغزة" لو استخدمنا عبارة ديلي ميل
الخرقاء، وفي الحقيقة فهذا هو التعبير مرادف بالتأكيد للأدب الإنساني والمعارضة
المبدئية للذبح العشوائي الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي. وبالنسبة لديلي ميل، فهذا
النشاط، هو "شرير"، وهو ما توافق عليه معظم الصحافة البريطانية. فقد
أعطت بي بي سي مقابلتها المهمة بعد الانتخابات صباح الأحد إلى سويلا بريفرمان،
وزيرة الداخلية السابقة والتي طردت من منصبها بعد وصفها المظاهرات المؤيدة لفلسطين
بـ "مسيرات الكراهية".
وهو موقف واضح
من الساسة، نجد رد فعل حزب العمال السريع على تخلي الناخب المسلم عنه في الأسبوع
الماضي، وأخبر مصدر في الحزب بي بي سي في الأسبوع الماضي أن مرشح حزب المحافظين،
في ويست ميدلاندز، أندي ستريت في طريقه للفوز قائلا: "الشرق الأوسط ليس بعيدا
عن ويست ميدلاندز" ووصف حماس بأنها "الشرير الحقيقي"، وسارعت قيادة
الحزب للتخلي عن تصريحاته والتلميحات التي لا تقوم على دليل بأن الناخبين الغاضبين
على موقف الحزب من غزة هم من المتعاطفين مع حماس، لكن هذا التعليق الذي جاء خارج
السياق الرسمي، هو تكرار لإحاطة عمالية أخرى أشارت للمسلمين الذي يتركون حزب
العمال بأنهم مثل عملية "التخلص من البراغيث" وهو تعبير قبيح وعنصري.
ويضيف أوبورن: "لا تنس أن الإسلاموفوبيا مستشرية في حزب ستارمر، وأكد على هذا الواقع على ميلاني، المرشح
العمالي الذي نافس رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في دائرة أوكسبريدج عام 2019،
وكشف تحقيق قريب لقناة الجزيرة "ملفات العمال" عن ملف سري استخدم لحرمان
حوالي 5,000 عضو مسلم في الحزب في نيوهام- شرق لندن المتنوعة عرقيا".
وأكد تحقيق
المحامي مارتن فورد، في العنصرية داخل حزب العمال، أن إسلاموفوبيا مشكلة خطيرة في
الحزب، لكنها ليست بحجم المشكلة في حزب المحافظين. وكشف أوبورون في سلسلة من
التحقيقات لموقع "ميدل إيست آي" أن حزب المحافظين يشَهِر وبشكل دائم
بالمسلمين البريطانيين ويعمل دائما بالتنسيق مع الإعلام الجماهيري المعادي
للمسلمين. وهو ما يثير سؤالا ملحا: كيف يمكن للمسلمين التصويت في وقت انقلب
الحزبان الرئيسان ضدهم وبقوة؟
وقال أوبورن إنه "ربما كان
مفهوما تماما لو انقلب المسلمون على النظام الديمقراطي الذي عاملهم بازدراء
واحتقار".
وتابع "وما يدعو للسرور، أنهم لم يفعلوا هذا، ولم يرفضوا الديمقراطية
البريطانية، وبدلا من ذلك أداروا ظهورهم لنظام الحزبين العفن الذي اختار احتقارهم
بدلا من منحهم صوتا".
وقال إنه "بالمحصلة صوت المسلمون بطريقة وطنية، فعلى مدى الأشهر
القليلة الماضية، طالب معظم الناخبين البريطانيين، باستثناء الطبقة السياسية
والإعلام، بوقف إطلاق النار في غزة. وفي الأسبوع الماضي، قدم المسلمون لغير
المسلمين البريطانيين طريقا وأرسلوا تحذيرا للمؤسسة السياسية".
وخلص إلى أن "الأهم من كل هذا،
فقد كان صوتهم مؤثرا، غير ستارمر الذي ظل يعتبر نفسه رجل الاتصال لنتنياهو في
البرلمان، من نبرته يوم الإثنين. وطالب بأن يغير نتنياهو خططه لاجتياح رفح ودعا
لوقف فوري للنار. وهذه لغة جديدة من ستارمر لم تكن لتظهر أبدا لولا الناخبين
المسلمين الأسبوع الماضي".