تشهد الساحة
العراقية بوادر متصاعدة لاستعادة الشد الطائفي، وسط تحذيرات من تكريس الانقسام المجتمعي، وعودة الاقتتال على أساس الهوية الطائفية، الذي عاشته البلاد بين عامي 2006 و2008، وأدى إلى مقتل واختطاف عشرات الآلاف من العراقيين.
وفي حديث مع "عربي21"، أكد مراقبون عراقيون، أن تصعيد الخطاب الطائفي في الوقت الحالي هدفه سياسي، أكثر من ارتباطه بالاختلافات العقائدية، ولاسيما أنه جاء من جهات سياسية متنافسة تنتمي إلى المكون الشيعي.
حدثان متزامنان
بدأ تصعيد الخطاب الطائفي من حدثين متزامنين، الأول هو المطالبة بإزالة تمثال مؤسس
بغداد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور من العاصمة العراقية، والثاني مطالبة قوى شيعية وعلى رأسهم مقتدى
الصدر، بتشريع قانون يعدّ "يوم الغدير" عيدا وعطلة وطنية.
ودعا الصدر إلى إقامة صلاة جمعة موحدة للتيار الصدري في المحافظات العراقية، ولاسيما العاصمة بغداد، وتحديدا في جانب الكرخ ببغداد (ذات الغالبية السنية)؛ من أجل دعم تشريع قانون "عيد الغدير" في البرلمان، المقرر مناقشته بالبرلمان في جلسة يوم السبت المقبل.
لكن المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة)، أصدر بيانا شدد فيه على ضرورة ابتعاد البرلمان عن تشريع أي قانون يغذي الانقسام المجتمعي، ويهدد الهوية الوطنية والقيم الأصيلة، لا سيما أن العراق يشهد استقرارا وازدهارا نسبيا منذ سنوات".
وعلى الوتيرة ذاتها، حذرت العديد من الأحزاب السياسية السنية، ومنها (حزب السيادة، والحزب الإسلامي العراقي، وحزب متحدون، وحركة العدل والإحسان) عن رفضها لتشريع "عيد الغدير"، الذي يمثل السردية الشيعية، مؤكدين أنه يتناقض مع الدستور ومصالح البلد العليا.
وعلى إثر هذا الرفض، خرج النائب علي تركي الذي ينتمي إلى حركة "عصائب أهل الحق"، ولعن الخلفاء الراشدين بشكل علني، خلال برنامج تلفزيوني عرض على قناة "العهد" التابعة لجهته السياسية في 10 أيار/ مايو الجاري، الأمر الذي دفع ديوان الوقف السني إلى رفع دعوى قضائية ضده وضد الفضائية، بتهمة "التطاول على رموز الأمة".
وعاد نائب آخر عن "
العصائب" يدعى فالح الخزعلي، ودعا وزارة التربية العراقية إلى تضمين معركة صفين في المناهج الدراسية، وذكر فيها ما يزعم حادثة "هروب" الصحابي عمرو بن العاص "عاريا" من أمام الصحابي علي بن أبي طالب.
صراع شيعي
وتعليقا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، يحيى الكبيسي؛ إن "هذه الدعوات ليست جديدة وإنما متكررة، سواء موضوع "يوم الغدير" المطروح منذ عام 2008، أو قضية تمثال أبو جعفر المنصور، الذي سبق أن جرى نسفه بشكل كامل في 2006".
وأضاف الكبيسي لـ"عربي21"، أن "من يطرح مثل هذه القضايا في الوقت الحالي، هي الأحزاب العقائدية ذات الطبيعة الطائفية، وأن هذه الدعوات هي جزء من منهجها وسلوكها وفكرها الذي تحمله، لكن المشكلة تتعلق بالدولة، وليس بهذه الأطراف".
وأوضح: "بمعنى عندما تتبنى الدولة مثل هذا الخطاب، فهذه هي المشكلة الحقيقية؛ لأن الفاعل السياسي الشيعي يعتقد أنه أحكم سيطرته على العراق بالكامل، وبات يحتكر القرار السياسي في البلد، ومن ثم هو يستطيع فرض هويته الأحادية على الدولة".
ولفت الكبيسي إلى أن "هناك الآن نزعة لدى صانع القرار السياسي بفرض هوية أحادية على الدولة العراقية، وتبني سردية ذات طبيعة مذهبية، وفرضها على المجال العام في البلاد".
وأكد الخبير العراقي أن "توقيتات طرح مثل هذه القضايا، ترتبط بجملة من الصراعات الدائرة حاليا، ومنها الصراع الشيعي- الشيعي، المتمثل بالإطار التنسيقي والتيار الصدري، إذ يتصارعان على أيهما أكثر تمثيلا والتزاما بالهوية الشيعية، وأيهما أكثر إيمانا بفرض الهوية الشيعية على الدولة العراقية".
وأشار إلى أن الصدر يمهّد إلى عودته للعمل السياسي الذي اعتزله في آب/أغسطس 2022، ومن ثم يحتاج إلى التحشيد، ويعتقد أن استخدام عبارة "التيار الشيعي الوطني" (اسم جديد أطلقته على التيار الصدري)، هو اتهام للآخرين بأنهم شيعة لكن ليسوا وطنيين.
ورأى الكبيسي أن دعوة الصدر إلى إقامة عطلة "عيد الغدير" رغم أنها مدرجة على جدول أعمال البرلمان يوم السبت المقبل، أراد منها أن يحسب الموضوع له وليس للآخرين، لذلك جرى تعطيل سن القانون من غرمائه في الجلسات الماضية، ومن ثم فالقضية سياسية وليست عقائدية.
وأردف، قائلا: "نحن أمام محاولة لصبغ الدولة بصبغة محددة، وهذا سيكرس الانقسام الاجتماعي الحالي الموجود أصلا؛ لأنه لا أحد ينكر وجود مثل هذا الانقسام على أساس ديني ومذهبي وقومي، لكن هناك من يريد تكريسها اليوم بمثل هذه الدعوات".
فشل سياسي
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، أثير الشرع؛ إن "الحديث اليوم بلهجة طائفية، يعد جزءا من الفشل السياسي للأحزاب، وسعيها إلى حرف أنظار الشعب العراقي عن الملفات السياسية التي تهمه، مثل انتخاب رئيس للبرلمان، والخلافات داخل البيوتات: الشيعية والسنية والكردية".
ورأى الشرع في حديث لـ"عربي21"، أن "طرح مثل هذه الخطابات الطائفية غرضها إلهاء المواطن عن قضايا أساسية، لذلك تعمد بعض الجهات السياسي إلى اللجوء إليها، بدلا من تقديم منجزات حقيقة على أرض الواقع يشعر بها الشعب العراقي".
وأوضح المحلل السياسي: "لدينا مشكلات داخلية وخارجية علينا الاهتمام بترتيب الأولويات، بدلا من إثارة ملفات تاريخية مثيرة للجدل، خصوصا أن العراق بلد متعدد الطوائف والأعراق والديانات، وأن طرح مثل هذه المواضيع قد يخلق حربا طائفية جديدة".
وأكد الشرع "عدم الترحيب بإثارة المواضيع الطائفية في العراق؛ لأن هناك ضعاف نفوس تتصيد في الماء العكر. لذلك، من غير المسموح للشخصيات والكيانات السياسية أيا كانت، أن تطرح مثل هذه القضايا".
وتابع: "لا يمكن للسياسي أن يثير الجدل بخصوص التاريخ وبعض الشخصيات، في الوقت الذي لم يقدم هو الكثير للمواطنين، وأن إثارة هذه القضايا الجدلية، جاءت بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق ولقائه بالقيادات السياسي السنّية".
وكان الرئيس التركي، قد زار بغداد في 22 نيسان/ أبريل الماضي، وأبرم العديد من الاتفاقيات، كان أبرزها توقيع اتفاق رباعي بين العراق وتركيا وقطر والإمارات، على مشروع إنشاء "طريق التنمية"، الذي يربط دول الخليج بقارة أوروبا، عبر سكة حديدية تمر بالأراضي العراقية.