كشف
تحقيق أجرته صحيفة "واشنطن بوست" بالتعاون مع وسائل إعلام عالمية أخرى عن العمليات "السرية" التي تقوم بها 3 دول في شمال أفريقيا مع الشريك الأوروبي الذي وصفته "بالصامت" ضد المهاجرين غير الشرعيين.
واستعرض التحقيق عمليات في
تونس والمغرب وموريتانيا، "وهي ثلاث دول لديها علاقات وثيقة" مع الاتحاد الأوروبي، حيث استند إلى ملاحظات مباشرة لصحفيين، وتحليل للأدلة المرئية، ورسم الخرائط الجغرافية المكانية، والمعلومات الداخلية للاتحاد الأوروبي ومقابلات مع 50 مهاجرا تم الإلقاء بهم في الصحراء، ومسؤولين أوروبيين ومن شمال أفريقيا، وغيرهم من الأشخاص المطلعين على العمليات.
عمليات بتمويل أوروبي
ويكشف التحقيق، عن تمويل الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية منفردة العمليات العنيفة التي تقوم بها الحكومات في شمال أفريقيا لاحتجاز عشرات الآلاف من المهاجرين كل عام، ورميهم في المناطق النائية، التي غالبا ما تكون صحارى قاحلة.
ويعد الاتحاد الأوروبي، ملزما بموجب قوانينه الخاصة، وكذلك المعاهدات الدولية، بضمان إنفاق أمواله بطرق تحترم حقوق الإنسان، لكن المفوضية الأوروبية أقرت بأن تقييمات حقوق الإنسان لا يتم إجراؤها عند تمويل مشاريع إدارة ملفات المهاجرين في الخارج.
وفي كانون الأول/ يناير الماضي، أكدت إيلفا جوهانسون، الوزيرة المكلفة بملف الهجرة تقارير وجود "مكبات صحراوية" في بلد واحد على الأقل هو تونس، قائلة: "لا أستطيع أن أقول إن هذه الممارسة قد توقفت".
ونفت جوهانسون حينها أن يكون الاتحاد يرعى إساءة معاملة المهاجرين أو ترحيلهم من خلال الدعم المالي.
وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية، إن المساعدات المقدمة لمكافحة الهجرة غير الشرعية لدول شمال أفريقيا تهدف إلى مكافحة الاتجار بالبشر و"الدفاع عن حقوق" المهاجرين.
ونفى مسؤولون كبار في تونس والمغرب وموريتانيا التنميط العنصري وإلقاء المهاجرين في المناطق النائية، وأكدوا احترام حقوق المهاجرين، لكن بعض المسؤولين في تونس وموريتانيا قالوا إن بعض المهاجرين أعيدوا، أو تم ترحيلهم عبر حدودهم القاحلة.
عمليات بتمويل أوروبي
من جانبها قالت ماري لور باسيليان غاينش، خبيرة حقوق الإنسان والقانونية في جامعة جان مولان ليون: "الحقيقة أن الدول الأوروبية لا تريد أن تكون هي التي لديها أيد قذرة. إنهم لا يريدون أن يُعتبروا مسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان.. لذا فإنهم يتعاقدون من الباطن على هذه الانتهاكات مع دول ثالثة. لكنني أعتقد، بموجب القانون الدولي، أنهم مسؤولون".
وقدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 400 مليون يورو لتونس والمغرب وموريتانيا، بين عامي 2015 و2021، ضمن صندوق للهجرة.
وحركت أوروبا العام الماضي شراكاتها في شمال أفريقيا لمواجهة موجة الهجرة غير الشرعية، حيث قدمت 105 ملايين يورو إضافية لتونس العام الماضي فقط.
وبين عامي 2015 و2023، نشرت الشرطة الفيدرالية الألمانية 449 موظفا وأنفقت أكثر من مليون يورو لتدريب ما يقرب من 4000 من الحرس الوطني التونسي.
ومع استمرار عمليات إلقاء المهاجرين في الصحراء، في تشرين الأول/ نوفمبر 2023، فإنه تم افتتاح مركز تدريب على إدارة الحدود بقيمة 9 ملايين يورو في تونس، بتمويل من النمسا والدنمارك وهولندا.
وتم شراء العديد من المركبات التي تستخدمها السلطات الموريتانية لاحتجاز وترحيل المهاجرين بأموال إسبانية، وفقًا لمسؤول أوروبي كبير تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
ومؤخرا وافق الاتحاد على خطة تهدف إلى تشديد سياسات الكتلة إزاء الهجرة، وإرسال المزيد من الوافدين إلى دول ثالثة تعالج طلباتهم، وفق فرانس برس.
وأثارت القوانين الجديدة انتقادات من جانب الجمعيات المعنيّة بحقوق المهاجرين.
إجراءات صارمة
وذكرت السلطات الأمنية التونسية، أن عمليات اعتراض المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط باتجاه السواحل الإيطالية ارتفعت بنسبة 22.5 في المئة في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من 2023.
وقام خفر السواحل التونسيون إجمالا "باعتراض أو إنقاذ" 21545 شخصا بين 1كانون الثاني/ يناير و30 نيسان/ أبريل الماضي، مقارنة بـ17576 خلال الفترة نفسها من عام 2023، خلال 756 عملية اعتراض، وفقا لوكالة فرانس برس.
وأصبح المهاجرون بطريقة غير نظامية المتواجدون في تونس يواجهون ظروفا معيشية صعبة.
وطُرد الكثير من هؤلاء من منازلهم ووظائفهم في الأشهر التي أعقبت خطابا ألقاه الرئيس التونسي، قيس سعيد، في شباط/ فبراير 2023.
وأدان سعيد خلال الخطاب وصول "جحافل من المهاجرين غير الشرعيين" من دول أفريقيا جنوب الصحراء في إطار "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية" للبلاد.
إشراف إسباني
وتظهر السجلات والمقابلات التي أجريت أثناء التحقيق أن الأموال الأوروبية استخدمت لتدريب الأفراد وشراء المعدات للوحدات المتورطة في توقيف المهاجرين، وتم إرجاع المهاجرين إلى مناطق أكثر خطورة دون طعام أو ماء، ما يعرضهم للاختطاف، والابتزاز، والاتجار بهم، والتعذيب، والعنف الجنسي، وفي أسوأ الحالات الموت.
وقامت قوات الأمن الإسبانية في موريتانيا بتصوير ومراجعة قوائم المهاجرين قبل نقلهم إلى مالي رغما عنهم، وتركتهم لعدة أيام في منطقة تنشط فيها الجماعات المسلحة العنيفة، وفقا لشهادات ووثائق.
وفي موريتانيا والمغرب وتونس، قامت مركبات من نفس النوع والطراز كتلك التي قدمتها الدول الأوروبية لقوات الأمن المحلية بجمع المهاجرين السود من الشوارع أو نقلهم من مراكز الاحتجاز إلى المناطق النائية، بحسب لقطات مصورة وصور تم التحقق منها، وشهادات مهاجرين ومقابلات مع مسؤولين.
وفي تونس، وثق التحقيق إلقاء 90 مهاجرا في الصحراء بالقرب من الحدود مع ليبيا والجزائر.
وأفادت تقارير بمقتل ما لا يقل عن 29 شخصا، وفقدان العشرات بعد إلقائهم أو طردهم من تونس على الحدود الليبية، وفقا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومنظمات إنسانية.
شهادات صادمة
وأثبت التحقيق من خلال شهادة الشهود ومقاطع الفيديو التي التقطها الصحفيون واللقطات التي تحققت منها الـ"واشنطن بوست"، أن العمليات في البلدان الثلاثة غالبا ما تتضمن مداهمات عشوائية في الشوارع على أساس التنميط العنصري.
ونقل التحقيق شهادة لامين، وهو شاب من غينيا يبلغ من العمر 25 عاما، بأنه تعرض للاحتجاز والضرب بشكل متكرر في الرباط، مضيفا أنهم "عندما يرون رجلا أسود، يأتون".
ووصفت وزارة الداخلية المغربية في بيان لها تقارير التمييز العنصري في عمليات ترحيل المهاجرين بأنها "لا أساس لها من الصحة".
وقالت إن المهاجرين تم نقلهم فقط لحمايتهم من "شبكات الاتجار" ومن أجل "زيادة الحماية".
من جانبها شددت وزارة الخارجية التونسية، في بيان لها، على أنها تدعم حقوق المهاجرين، ورفضت الوزارة جميع الادعاءات الواردة في هذا التقرير التي قدمها المهاجرون ضد قواتها الأمنية ووصفتها بأنها تحريضية.
وفي موريتانيا، قالت الصحيفة إن المسؤولين الإسبان شاركوا في تعقب المهاجرين، حيث قاموا بتوفير المركبات لنقل المهاجرين، والمساعدة في الاعتراضات البحرية، وشن مداهمات على المهاجرين ومهربي البشر، وتمويل مراكز احتجاز جديدة.
وذكرت الصحيفة أن السلطات الإسبانية يبدو أنها شاركت أيضا في نقل المهاجرين إلى الصحراء.
ونشرت "واشنطن بوست"، قصة امرأتين من غينيا تم نقلهما إلى مركز احتجاز في العاصمة الموريتانية نواكشوط، بعد محاولة فاشلة للعبور بحرا إلى ليبيا.
وأصبح المركز نقطة عبور يستخدمها المسؤولون الموريتانيون قبل نقل المهاجرين إلى الحدود البعيدة مع مالي التي مزقتها الحرب، وغالبا ما يكون ذلك دون طعام أو ماء، وفقا لمقابلات مع محتجزين وعمال إغاثة.
وقال شخص مطلع على حبس المرأتين إن اثنين من مسؤولي الشرطة الإسبانية قاما بتصويرهما أثناء احتجازهما ومراجعة قائمة السجناء. وقالت المرأتان إنهما حُرمتا من الإجراءات القانونية الواجبة.
ولم تؤكد وزارة الداخلية الإسبانية أو تنفي علمها بإلقاء المهاجرين في الصحراء، أو استخدام مركبات تم شراؤها بأموال إسبانية في تلك العمليات، أو أن ضباطها كانوا في مركز احتجاز يوثقون ترحيل المهاجرين قسرا، وفقا للصحيفة.
وأقرت الوزارة بأن إسبانيا نشرت قوة قوامها حوالي 50 ضابطا من الشرطة والحرس المدني في موريتانيا “للتحقيق وتفكيك مافيا الاتجار بالبشر”.
وقالت الوزارة إن تلك القوات تعمل "باحترام كامل" لـ"حقوق الإنسان والحريات" للمهاجرين.
ويقول الكاميروني فرانسوا الذي ألقت السلطات التونسية القبض عليه وآخرين وانتهى بهم المطاف إلى حدود
الجزائر، إنهم تجولوا لتسعة أيام في البلدات الحدودية النائية، وكانوا يتوسلون للحصول على الخبز والماء، وتعرضوا لاعتداء في إحدى القرى.
وأضاف للصحيفة، أنه "وسط الصحراء، تنظر يمينا ويسارا. لا يوجد شيء... أعتقد أن تونس ليست مسؤولة عما يحدث. الاتحاد الأوروبي لا يحبنا".
ويتساءل: "لماذا يُنظر إلى الرجل من جنوب
الصحراء الكبرى على أنه قمامة؟".
وتابع: "قال لنا مسؤول أمني تونسي، اذهبوا إلى الجزائر، إذا رأيتكم هنا، فسوف يتم إطلاق النار عليكم".
وعلى الفور، قفز فرانسوا، وهو كاميروني يبلغ من العمر 38 عاما، من فوق شاحنة صغيرة بالقرب من الحدود الجزائرية المقفرة، ليتجول في الصحراء بلا طعام أو مياه برفقة زوجته وابن زوجته البالغ من العمر 6 سنوات.
وفي اليوم السابق، كان خفر السواحل التونسي قد أوقف القارب المتهالك الذي كان يحاول نقله وغيره من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى إلى أوروبا، ليتحول طريقهم من البحر إلى الصحراء القاحلة.
وتعكس محنة هؤلاء المهاجرين الممارسات "الصارمة" التي تتبعها تونس، ودول أخرى في شمال أفريقيا، من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية.