قالت صحيفة "
لوموند" الفرنسية
إن
الفضاء هو إحدى المجالات التي تحاول موسكو زعزعة استقرار واشنطن من خلاله بعد استمرار
القوات الروسية في تحقيق مكاسب على الجبهة الأوكرانية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إنه في هذا المجال تتراكم التوترات لا سيما بعد الكشف الأربعاء
22 أيار/ مايو عن نشر "سلاح فضائي" في نفس مدار القمر الصناعي الحكومي الأمريكي.
ونقلت الصحيفة ما جاء على لسان المتحدث
باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر: "أطلقت
روسيا قمرًا صناعيًّا إلى مدار أرضي
منخفض نعتقد أنه سلاح فضائي قادر على مهاجمة أقمار صناعية أخرى في مدار أرضي منخفض".
من جانبه، رفض المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف التعليق على الاتهامات واكتفى بالقول
إن روسيا تمتثل بشكل كامل للقانون الدولي.
وأضافت الصحيفة: "بحسب الخبراء، يعكس
الوضع تجدد المنافسة بين موسكو وواشنطن في مجال الفضاء العسكري".
في هذا الصدد؛ يقول الجنرال ميشيل فريدلينغ،
أول قائد فضاء فرنسي: "في السنوات الأخيرة، في الاجتماعات بين مسؤولي الفضاء العسكريين،
كانت الصين هي مصدر القلق الرئيسي. وبدت روسيا كأنها متخلفة في هذا المجال. ولكن منذ
ذلك الحين، عادت موسكو بشكل قوي وتكثف جهودها حتى اليوم".
"لعبة القط والفأر"
وذكرت الصحيفة أن موسكو اكتسبت معظم المعارف
المتعلقة بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما
كان التنافس مع واشنطن في الفضاء في ذروته. ومع سقوط الاتحاد السوفييتي، تم وضع هذه
البرامج على الرف. ومع ذلك، فإنه منذ سنة 2014 أعادت روسيا تفعيلها وزادت من تطوير الأسلحة
المضادة للأقمار الصناعية. وانتهت هذه المبادرات باستعادة مصداقيتها في مطلع 2019 و2020، ومنذ ذلك الحين، احتدت "لعبة القط والفأر" مع الولايات المتحدة، بحسب
الجنرال فريدلينغ.
في كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2019، أطلقت
موسكو الإنذار الأول لواشنطن، بنجاح إطلاق قمر صناعي يسمى "كوزموس 2543"
قادر على إطلاق قمرين صناعيين صغيرين آخرين، بمجرد وصوله إلى الفضاء، على شكل
"دمى روسية". في الحقيقة، تتعارض هذه المبادرة مع قواعد الاستخدام في المجال
الفضائي حيث تقوم كل دولة أولا بتسجيل أي جسم تعتزم وضعه في المدار لدى الأمانة العامة
للأمم المتحدة من أجل منع تصادم الأجسام. وبعد بضعة أشهر، في حزيران/ يونيو 2020، ذهب
نفس الصاروخ "كوزموس 2543" إلى حد التدرب على إطلاق "طوربيد" فضائي،
في حين يتم عادةً إطلاق النار المضادة للأقمار الصناعية من الأرض.
وأوردت الصحيفة أن موسكو تجاوزت عتبة جديدة
من "العدوانية"؛ ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، قبل ثلاثة أشهر من غزو أوكرانيا،
نفذت روسيا هجوما مضادا للأقمار الصناعية ضد أحد أجهزتها القديمة، وهي المناورة التي
تسببت في حطام كبير. وأعقب استعراض القوة هذا، في آب/ أغسطس 2022، حدث سابق لروسيا
وهو وضع قمر صناعي "مفتش" في مداره، لأغراض التجسس، مباشرة على مسار قمر
مراقبة أمريكي أطلق في الأيام التي سبقت اندلاع غزو أوكرانيا.
تشويش الاستخدامات
ندد البنتاغون علنًا بتركيب قمر صناعي روسي
قادر على التجسس والهجوم، في نفس مدار قمر صناعي أمريكي، وهو ما يمثل مرحلة جديدة.
ووفقًا لواشنطن، فإنه تم إطلاق هذا القمر الصناعي من نوع "كوزموس 2576" إلى الفضاء
في 16 أيار/ مايو باستخدام صاروخ "سايوز" الذي انطلق من ميناء بليسيتسك الفضائي،
الواقع على بعد 800 كيلومتر شمالي موسكو.
ورافق هذه المناورة غير المسبوقة نشر تسعة
أقمار صناعية أخرى للمراقبة "المدنية".
ويعتبر بعض المحللين هذه العملية بمثابة
ازدراء للاستخدام المزدوج المدني والعسكري لمجموعة "ستارلينك" التابعة للملياردير
الأمريكي إيلون ماسك، والتي يستخدمها الأوكرانيون على نطاق واسع.
تتزامن هذه التوترات مع معركة أخرى؛ ففي
20 أيار/ مايو، رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشروع قرار روسي ضد "عسكرة
الفضاء". وفي نهاية نيسان/ إبريل كانت روسيا هي التي استخدمت حق النقض (الفيتو)
ضد مشروع قرار آخر روجت له الولايات المتحدة واليابان، ويدعو إلى "عدم تطوير أسلحة
نووية أو غيرها من أنواع أسلحة الدمار الشامل" في الفضاء الخارجي. وجاء هذا التسلسل
بعد أن أعرب البيت الأبيض علناً عن قلقه في شباط/ فبراير الماضي، بشأن مشروع لتطوير
سلاح فضائي روسي يمكنه من خلال الإشعاع النووي إخراج الأقمار الصناعية الأمريكية من
الخدمة.
وتنقل الصحيفة عن الباحثة في المركز الوطني
للبحث العلمي والمتخصصة في سياسات الفضاء، إيزابيل سوربيس فيرجير: "في مجال الفضاء،
من الصعب تحديد قدرات كل جانب على وجه اليقين، ولكن هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن هناك
تملقا من كلا الجانبين".
وتشير فيرجير إلى أن الولايات المتحدة،
منذ السباق الفضائي في ستينيات القرن الماضي، اكتسبت تفوقًا تكنولوجيا في هذا المجال.
وقد أتقن الأمريكيون تقنية إطلاق النار المضاد للأقمار الصناعية منذ سنة 1959 وأظهروها
للمرة الأخيرة في سنة 2008.
"صورة القوة الاستثنائية"
ونسبت الصحيفة إلى سوربيس فيرجير قولها:
"منذ ذلك الوقت، اعتبرت الولايات المتحدة أنها لا تريد تعريض نفسها للخطر وأنها
بحاجة إلى السيطرة على الفضاء لتكون بمثابة ضامن للسلام". وعلى هذا النحو، تدافع
الولايات المتحدة عن تنظيم الفضاء فقط من خلال "قواعد" سلوكية غير ملزمة،
وهو ما تعارضه روسيا ــ بدعم من الصين ــ التي تعتبر نفسها تحت التهديد الأمريكي. لذلك
بدأت موسكو وبكين في الاستثمار في قطاع الفضاء والضغط من أجل اعتماد معاهدة حقيقية
وملزمة قانونًا بتنظيم الفضاء في تحد صارخ لواشنطن.
وبحسب أحدث التقديرات، فقد بلغت الميزانية المخصصة
للفضاء العسكري في الولايات المتحدة ما لا يقل عن 40 مليار دولار في سنة 2024، في حين
تبلغ هذه الميزانية عند روسيا حوالي 2.5 مليار دولار فقط، وميزانية الصين 7 مليارات
دولار.
وبحسب سوربيس فيرجير فإن الحرب في الفضاء
باهظة الثمن، ولن تتمكن روسيا والصين من اللحاق بالولايات المتحدة لسنوات عديدة. ومع
ذلك، فإن التوترات الحالية تظهر أن موسكو لديها مصلحة في هذه المنافسة الواضحة في الفضاء
مع واشنطن، لأن هذا يمنحها صورة القوة غير العادية.
وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة إلى أن مدير
وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس" توجه في الصيف الماضي للاقتراب من وكالة
الفضاء الأفريقية، المكونة من خمسة وخمسين دولة، من أجل إتاحة الفرصة لهم للانضمام
إلى مشروع المحطة المدارية الروسية، المبادرة التي تهدف بعد الاتفاقيات الفضائية الموقعة
في السنوات الأخيرة مع مالي ونيجيريا وأنغولا، إلى توسيع نفوذ روسيا في الجنوب.