صحافة دولية

تحذير أمريكي من اتفاق محتمل بين واشنطن والرياض.. "بلا قيمة ويقوض أهدافنا"

اعتبر الكاتب أن الصفقة المحتملة "يمكن أن تشكل مخاطر سياسية خطيرة على بايدن"- "واس"
شدد مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، على أن الاتفاق المحتمل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية هو "مهمة حمقاء وبلا قيمة جيوسياسية"، مشيرا إلى أن الصفقة هذه من شأنها أن "تقوض الأهداف الاستراتيجية الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط".

وقال أستاذ التاريخ المساعد في جامعة نورث كارولينا، ديفيد إم وايت، في مقاله الذي نشرته المجلة وترجمته "عربي21"، إن "إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على وشك الدخول في اتفاقية ثنائية غير حكيمة مع السعودية، توفر واشنطن بموجبها ضمانات أمنية للرياض وتساعد في تطوير برنامجها النووي المدني".

وأضاف أن "هذه الصفقة يمكن أن تشكل مخاطر سياسية خطيرة على بايدن، وأن تتسبب في  تقويض الأهداف الاستراتيجية الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط والنظام العالمي".

ولفت الكاتب إلى أن "مؤيدي هذا الترتيب يؤكدون أنه سيعزز الأمن الإقليمي من خلال تعزيز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضد إيران، وكبح نفوذ الصين المتزايد في العالم العربي، وتسهيل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. ومع ذلك، فإن هذه الفوائد المزعومة إما مبالغ فيها أو كاذبة بشكل واضح".

وشدد على أن "الأضرار المحتملة للصفقة السعودية الأمريكية - التي تشمل إحياء المغامرات العسكرية السعودية، وانتشار الأسلحة النووية في الخليج، وضرب مصداقية واشنطن العالمية، والمزيد من الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية - تفوق أي فوائد محتملة لإدارة بايدن أو أمن المجتمع الدولي".


وذكر أن "أنصار الاتفاقية الأمنية المعززة المرتقبة يقولون إنها ضرورية لردع العدوان الإيراني. ولا يزال مدى الترتيبات الأمنية قيد التفاوض، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أنه من المرجح أن يشمل ضمانات دفاعية أمريكية رسمية وإمكانية حصول السعودية على أسلحة أمريكية أكثر تقدما، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز F-35. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الاتفاق لن يرقى إلى مستوى اتفاق على غرار اتفاق الناتو".

وبغض النظر عن تفاصيلها، فإن الصفقة الأمنية السعودية الأمريكية الجديدة، وفقا للكاتب، "ذات قيمة جيوسياسية مشكوك فيها بالنسبة للولايات المتحدة".

وتابع ديفيد إم وايت بالقول إن "السعودية استفادت، ولا تزال، من عقود عديدة من مبيعات الأسلحة الأمريكية بالإضافة إلى المساعدات العسكرية والدبلوماسية. ولدى الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار من المبيعات العسكرية الأجنبية النشطة للمملكة، وفقا لوزارة الخارجية. ويضع الدعم الأمريكي الحالي للسعودية قيودا كبيرة على التصرفات الإيرانية. وتعرف طهران أنها إذا انخرطت في حرب مفتوحة مع الرياض، فمن المرجح أن تواجه رد فعل يهدد النظام من واشنطن. وببساطة: إن الرادع موجود أصلا".

ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن "ما ستفعله الاتفاقية الأمنية الأمريكية الجديدة هو مكافأة السلوك المتهور لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية. لقد انتهك محمد بن سلمان الأعراف الدولية وزعزع استقرار الشرق الأوسط من خلال (من بين أفعال أخرى) تدخله العسكري الكارثي في اليمن، والاحتجاز المؤقت لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والحصار المفروض على قطر المتحالفة مع الولايات المتحدة، وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي".

وقال الكاتب إنه "من الممكن أن يؤدي الدعم الأمريكي غير المسبوق إلى تشجيع ولع محمد بن سلمان بالمغامرات العسكرية المتهورة. بعد سنوات من التوترات المتصاعدة بين بلاده وإيران، والتي تغذيها جزئيا دعمهما للفصائل المتعارضة في الحرب الأهلية اليمنية، تفاوضت الحكومة السعودية على وقف إطلاق النار مع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن في عام 2022 وتطبيع العلاقات مع طهران بعد سنة. وعلى الرغم من استمرار الانفراج الفاتر بين البلدين حتى الآن، إلا أن الرياض لا تزال تشعر بالقلق إزاء الأنشطة العسكرية لإيران وحلفائها. اتفاقية سعودية أمريكية جديدة قد تشجع ولي العهد على مهاجمة حلفاء إيران مرة أخرى باستخدام الأسلحة الأمريكية".

وأضاف أن "من شأن اتفاقية سعودية أمريكية جديدة أن تزيد أيضا من فرصة انجرار القوات الأمريكية إلى أعمال العنف في المنطقة، خاصة إذا وقعت الرياض وواشنطن اتفاقية دفاع".

ولفت إلى أن "المدافعين عن صفقة سعودية أمريكية جديدة يحتجون بأن الجمع بين العلاقات الأمنية المعززة والمساعدة الأمريكية لتطوير الطاقة النووية المدنية في السعودية من شأنه أن يساعد في منع انتشار الأسلحة النووية. ويقولون إن الجزرة الأولى من شأنها أن تهدئ المخاوف الأمنية للحكومة السعودية، وبالتالي شعورها بالحاجة إلى الأسلحة النووية والجزرة الثانية تضع المنشآت النووية السعودية تحت إشراف الولايات المتحدة".

و"مع ذلك، فإن مثل هذه الخطوات من شأنها أن تزيد من إدراك إيران للتهديد، وبالتالي زيادة حوافزها لتطوير سلاح نووي كوسيلة للردع. وبمجرد امتلاك الطاقة النووية، فمن المرجح أن تتمكن الرياض من تطوير سلاح نووي خاص بها إذا كانت مصممة على القيام بذلك. ولذلك فإن خطط السعودية والولايات المتحدة هذه تزيد من خطر حدوث سباق تسلح نووي في الخليج العربي من خلال تأجيج المخاوف الإيرانية وتزويد السعودية بالمكونات الرئيسية للأسلحة النووية"، وفقا لكاتب المقال.

وذكر الكاتب أن "أنصار التحالف السعودي الأمريكي يؤكدون أن الاتفاق سيكبح النفوذ المتزايد للصين في السعودية والعالم العربي الأوسع. قد يكون هناك قدر ضئيل من الحقيقة في هذا الاقتراح: فقد أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن الصفقة ستشمل تعهدات سعودية بتجميد مشتريات الأسلحة الصينية والحد من الاستثمارات الصينية في المملكة".

و"مع ذلك، فإن مثل هذا الاتفاق لن يغير حقيقة أن الصين ظلت لسنوات أكبر شريك للتصدير والاستيراد للسعودية. كما أنه لن يمنع أفراد العائلة المالكة السعودية من التعامل دبلوماسيا مع بكين كما يرون أنه مناسب لتحقيق المصالح الوطنية السعودية. وبينما قد تؤدي اتفاقيات الدفاع الإضافية إلى توسيع نفوذ واشنطن في السعودية، فإنها ستعزز أيضا النظام السائد، حيث تقع الولايات المتحدة في مأزق بسبب التكاليف الباهظة للحفاظ على الأمن المتعثر في الخليج بينما تتمتع الصين بذلك مجانا"، حسب ما أورده المقال.


ورأى ديفيد إم وايت، أنه "تم تقديم الصفقة السعودية الأمريكية، كجزء من صفقة كبرى محتملة مع إسرائيل، حيث تقدم الولايات المتحدة المساعدة الدفاعية والنووية للرياض مقابل تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية. وهذا من شأنه أن يعزز الأهداف الأمريكية طويلة الأمد المتمثلة في الانفراج العربي الإسرائيلي وتعزيز التحالف المناهض لإيران في المنطقة".

و"مع ذلك، ليست هناك حاجة ملحة لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الإسرائيلية السعودية. لقد استمر السلام الفعلي والتحالف المناهض لإيران بين البلدين لسنوات عديدة، واستمر في مواجهة الحرب الإسرائيلية ضد حماس في غزة. على المدى القريب، يبدو التطبيع الإسرائيلي السعودي بعيدا على نحو متزايد، حيث لا تبدي الحكومة الإسرائيلية اهتماما كبيرا بالسعي إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين، في حين أيدت الرياض الحاجة إلى الدعم الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية كعنصر من عناصر أي اعتراف سعودي بإسرائيل"، وفقا للكاتب.

وأشار إلى أن "أنصار التحالف السعودي الأمريكي يتجاهلون فكرة أن الدعم الأمريكي للديكتاتورية السعودية يقوض قدرة واشنطن على حشد الدعم الدولي لقضايا حيوية مثل الدفاع عن أوكرانيا ضد العدوان الروسي".

واعتبر الكاتب أن "محمد بن سلمان تصرف كنسخة مصغرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي اليمن، غزا ولي العهد السعودي جارته عسكريا وأخضع المدنيين لسنوات من التفجيرات القاتلة والمجاعة. وفي الخارج، اغتال معارضين أيديولوجيين أو تسبب باختفائهم القسري. وفي الداخل، قام بقمع الحقوق المدنية للمواطنين السعوديين وقام بإعدامات جماعية للسجناء السياسيين".

وقال إنه "مع ذلك، تُغدق الولايات المتحدة على النظام الملكي السعودي بالأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة. العديد من الناس في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الجنوب العالمي، يتحفظون بشأن الانضمام إلى الولايات المتحدة في قضايا عادلة مثل مساعدة أوكرانيا بسبب التفاوت في دعم الولايات المتحدة لتقرير المصير وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط".

وأضاف أن "من شأن اتفاق سعودي أمريكي أن يساعد حملة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على العودة إلى البيت الأبيض فيما يُتوقع أن يكون سباقا متقاربا ضد بايدن هذا الخريف. لقد زعم بايدن وحلفاؤه، بشكل مبرر، أن ترامب يهدد النظام العالمي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة. على سبيل المثال، أشار ترامب في شباط/ فبراير إلى أنه قد لا يهب للدفاع عن بعض أعضاء الناتو إذا لم يدفعوا مستحقاتهم للحلف".

وذكر أنه "من أجل منع هذا التهديد، يحتاج بايدن إلى الفوز بإعادة انتخابه. لكن دعم الرياض هو الخاسر في السياسة الأمريكية. لأكثر من عقدين من الزمن، كان لدى غالبية الأمريكيين وجهة نظر غير مواتية للسعودية، وفقا لاستطلاعات الرأي، ويعارض حوالي 3 من كل 5 أمريكيين إلزام جنود أمريكيين بالدفاع عن السعودية مقابل تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية. سيحصل بايدن على القليل من الأوسمة المؤثرة لصفقة سعودية أمريكية. لكنه قد يواجه معارضة كبيرة من الأمريكيين المعادين للسعودية لأسباب تتراوح بين حرب اليمن وأسعار النفط إلى حقوق الإنسان والادعاءات المحيطة بهجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية".


وتابع بالقول: "إذا كانت موافقة مجلس الشيوخ مطلوبة لعقد صفقة سعودية أمريكية. إذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن الانقسامات بين الديمقراطيين سوف تتعمق أكثر وتظهر علنا. عندما ترشح بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي للترشح للرئاسة في عام 2019، أعلن علنا أنه سيجعل السعودية "منبوذة"، مع العلم أن هذا التعهد سيحظى بشعبية لدى الناخبين. وقد شعر العديد من الديمقراطيين بالفزع من التقارب اللاحق بين بايدن والمملكة، ومن المحتمل جدا أن يعارض بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين إبرام اتفاق دفاعي ونووي مع الرياض. وسيكون لدى الجمهوريين أيضا فرصة لإحراج بايدن، حيث أن التصويت الناجح ليس مضمونا. ومن شأن المحاولة الفاشلة لتمرير الصفقة أن تساهم في تعزيز رواية الحزب الجمهوري بأن بايدن زعيم غير فعال".

واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه "في حال تم إقرار الاتفاق - ومكافأة الاستبداد والعسكرة في النظام الملكي السعودي - فسيكون ذلك بمثابة عقبة إضافية أمام بايدن في جهوده لتأمين دعم الكتل التصويتية الديمقراطية المهمة، بما في ذلك العرب والمسلمون واليساريون والأمريكيون الأصغر سنا. خاصة إذا بدا أن الصفقة تفيد إسرائيل على حساب الفلسطينيين. في المنافسة المتقاربة، كل صوت - وكل تبرع للحملة - مهم. ومن أجل النظام الدولي الذي تسعى إلى دعمه، ينبغي لإدارة بايدن أن تتخلى عن المهمة الحمقاء المتمثلة في التوصل إلى اتفاقية ثنائية سعودية أمريكية جديدة"، حسب قوله.