برزت العديد من التساؤلات عن تداعيات قرار مجلس
الأمن الدولي، بإنهاء بعثة
الأمم المتحدة لمساعدة
العراق "
يونامي" نهاية
عام 2025، وذلك في ظل الوضع السياسي غير المستقر في البلاد، وانتشار
السلاح المنفلت.
ولا يزال يعاني العراق من استشراء الفساد المالي، وتردي
واقع حقوق الإنسان، فضلا عن اتهامات تطال عمليات الانتخابات بالتلاعب والتزوير،
وعدم إنهاء القضايا العالقة بين بغداد وأربيل، ولا سيما المناطق المتنازع عليها،
والكثير من الملفات التي تتطلب دورا أمميا.
وجاء قرار مجلس الأمن، الجمعة، على إثر رسالة وجهها
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى مجلس الأمن الدولي في 10 أيار
الماضي، دعا فيها إلى إغلاق بعثة الأمم المتحدة "يونامي" التي تأسست عام
2003 نتيجة للاحتلال الأمريكي للبلاد.
وبموجب القرار الأممي الذي تشكلت وفقه
"يونامي"، فإن عمل هذه البعثة يختص في تقديم المشورة للحكومة العراقية
بشأن الحوار السياسي والمصالحة بين المكونات والفعاليات السياسية، فضلا عن
المساعدة في الانتخابات وإصلاح القطاع الأمني.
"وجود
غير مؤثر"
تعليقا على تداعيات قرار إنهاء البعثة الأممية في
العراق، قال المحلل السياسي العراقي، مخلد حازم، إن "المواطن العراقي لم يشعر
يوما أن بعثة يونامي فاعلة أو كانت الفيصل في الأحداث العراقية، سواء السلاح
المنفلت أو هجمات المجاميع المسلحة أو إجراء الانتخابات".
وأضاف حازم لـ"
عربي21" أن "البعثة
نقلت واقعا سيئا لدى العراقيين، لأنها كانت تتعامل مع الكتل السياسية وفق تبادل
المصالح وتحقيق الأهداف الخاصة، لأنه كنا نرى مسؤولة البعثة جينين بلاسخارت تتنقل
بين قادة القوى والأحزاب، وهي تعلم أن العملية السياسية في العراق عرجاء تسيطر
عليها جهات نافذة تمتلك سطوة على الكثير من مفاصل الدولة".
وأشار إلى أن "بلاسخارت كانت تتغاضى عن الكثير
من الأمور عند تقديم إحاطتها أمام مجلس الأمن، لذلك لم تكن بعثة يونامي لها أي دور
قد يأسف عليه المواطن العراقي عند انتهاء مهمتها".
أما ما يتعلق بموضوع الانتخابات، يضيف حازم، فإن "البعثة الأممية رغم أنها تأسست عام 2003 لمراقبة ما يحدث داخل العراق وتوفير
الحماية والأمن لكثير من المفاصل العراقية، لكنها لم تقم بهذا الواجب الحقيقي على
مدار المدة التي قضتها في البلاد، ومن ضمنها العملية الانتخابية".
ولفت إلى أن "البعثة الأممية كان دورها غير
إيجابي في العراق، خصوصا المبعوثة الأخيرة، جينين بلاسخارت، فكأنها كانت تشعر
أحيانا بأنها لا بد أن تكون قريبة من الحكومة والفصائل، ولا نعرف السبب هل لحماية
نفسها أم لمسك العصا من الوسط؟".
ورأى حازم أن "تاريخ البعثة مخزٍ طوال مدة
تواجدها في العراق، لأنها لم تحقق أي غاية يبحث عنها المواطن العراقي، إضافة إلى
أنها وقفت بالضد في كثير من الأحداث سواء مع احتجاجات تشرين وغيرها، فكانت تتحدث
ظاهرا بشيء وفي الباطن شيء آخر".
وتابع: "حتى في إحاطات المبعوثة الأخيرة أمام
مجلس الأمن كانت أشبه بالمد والجزر، فالخطابات لم تجعل من المجتمع الدولي يولي
اهتماما بما يحصل في العراق، لذلك أوضاع البلد باقية كما هي وتسير بخطوات نحو
الأمام".
وخلص حازم إلى أن "وجود هذه البعثة لم يكن
مؤثرا، وتأثيرها في رحيلها لن يغير شيئا لأن وجودها كعدمه، فالانتخابات كانت
تزوّر في العراق ولا تعمل أي شيء، إضافة إلى الملفات الأخرى التي لم تحرك ساكنا
حيالها".
حاجة فعلية للمراقبة
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق، معتز
النجم، في حديث لـ"
عربي21" إن "بعثة يونامي تشكلت بقرار أممي، وكان
عملها طيلة المدة الماضية يحمل أبعادا إنسانية أكثر منها سياسية".
وأوضح النجم أن "مفهوم الدولة لا يزال غير
متبلور داخل الطبقة السياسية الحاكمة للبلد منذ عام 2003، ولا سيما ما يتعلق
بالمواطنة والدولة، ولو كانت هذه القوى السياسية تفهمها لما كنا نحتاج إلى بعثة
أممية تقيّم العمل في مجال حقوق الإنسان أو غيرها من المجالات".
وأشار إلى أن "عمر البعثة في العراق تجاوز الـ
20 عاما، وحتى اليوم دورها راع أو مراقب، وهذا دلالة على أن المجتمع الدولي فاقد
الثقة بالحكومات العراقية، وبالعملية السياسية بالكامل".
وتابع: "لا يزال العراق بحاجة فعلية إلى مراقبة
أممية في ظل عدم وجود رؤية حقيقية للقائمين على العملية السياسية بالبلد من شأنها
أن تنهض بالواقع السياسي المتردي".
ولفت إلى أن "البعثة الأممية نفسها - سواء بضغط
من الولايات المتحدة أم لا- ترى باستمرار أن العراق بحاجة لمراقبة سياسية وإدارة
وتدخل دولي، كونها لم تحصل على عنصر الثقة بين العملية السياسية القائمة والمجتمع
الدولي، بل حتى مع المواطنين العراقيين أصبحت مفقودة".
وشدد النجم على أن "العراق يحتاج إلى راع دولي
يراقب ويقيّم العملية السياسية في البلد، وأن إحاطات بلاسخارت، وخصوصا الأولى
والثانية كانت ناقدة بشكل لاذع للحكومة العراقية، لكنها كانت مجرّد تهديد ووعيد،
ولم ينتج عنها أي إصلاح على أرض الواقع".
وبحسب الخبير السياسي، فإن "المواطن العراقي
اليوم لا يرغب بخروج يونامي، كونه يعتبرها فيها بارقة أمل توصل صوته إلى المجتمع الدولي عمّا يجري على أرض الواقع في البلاد".
ولم يستبعد النجم أن "يتراجع مجلس الأمن عن
قرار إنهاء البعثة الأممية في نهاية 2025، لأن الواقع السياسي متغير ولا يمكن ضمان
استقراره في بلد مثل العراق، خصوصا أنه لا يزال جزءا من قوات التحالف الدولي ضد
تنظيم الدولة ولم يصوّت على إنهاء المهمة هذه".
وأكد الخبير العراقي أن "خروج العراق من شرنقة
البعثة الأممية يراد منه إعطاء نوع من الطمأنينة وإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي
بأن العراق ليس بحاجة إلى إدارة أو مراقبة، وهذا ضرب من الخيال، لأن الأحزاب
السياسية المهيمنة لا تؤمن بالمواطنة، والعمل لصالح الدولة".
وكان رئيس الوزراء العراقي، أوضح، الأحد، خلال لقائه
المبعوثة الأممية، جينين بلاسخارت، أن سبب طلب بغداد إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة
لمساعدة العراق (يونامي) في البلاد، يأتي بناء على ما يشهده العراق من استقرار
سياسي وأمني، وما حققه من تقدم في مجالات عدة".