في خضم الحرب الدائرة على غزة، وحتى يمكن أن نقرأ لماذا كان
"طوفان الأقصى" اسما على مسمى بما حققه من إنجازات لم تتحقق طيلة الصراع
مع العدو، فإن علينا أن نقرأ المبادئ التي تقوم عليها استراتيجية الأمن القومي
الإسرائيلي، وكيف تهاوت هذه المبادئ أمام "طوفان الأقصى" الذي يرسم
بداية النهاية للكيان الصهيوني، ويحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
وفي هذا المقال نقدم عرضا موجزا لدراسة نشرها معهد واشنطن لسياسة
الشرق الأدنى في 2 أكتوبر 2019، عنوانها "المبادئ التوجيهية لاستراتيجية
الأمن القومي الإسرائيلي"، وتعرض العناصر التي تقوم عليها استراتيجية الأمن
القومي الإسرائيلي، وتبحث الخريطة الحالية للتهديدات التي تواجهها إسرائيل، وتقترح
مبادئ لمعالجتها كأساس لاستراتيجية شاملة للأمن القومي.
قام بإعداد
الدراسة إثنان من أبرز الضباط الإسرائيليين العاملين في
المجال السياسي والاستراتيجي، ولهما خبرة واسعة بالجيش الإسرائيلي، وهما:
ـ الجنرال احتياط غادي آيزنكوت: حاليا، هو عضو مجلس الحرب الذي يدير
العدوان على غزة. وقد شغل من قبل منصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي
من عام 2015 حتى عام 2019، وزميل عسكري لمعهد واشنطن.
ـ العقيد احتياط غابي سيبوني: زميل باحث كبير بمعهد دراسات الأمن
القومي INSS جامعة تل أبيب، حيث يدير برامج الشؤون
العسكرية والاستراتيجية والأمن السيبراني.
عرض الدراسة
يقول العديد من المراقبين: إسرائيل هي أقوى دولة في الشرق الأوسط.
لكنها في الواقع، لا تزال تواجه وضع "القلة ضد الكثرة"، وهو واقع لم
يتغير مما دفع إسرائيل دائما إلى تجنب الحروب الطويلة. وتستند قوتها إلى قوة ضاربة
احتياطية مكلفة بسرعة تحويل القتال إلى أرض العدو، وتحقيق النصر بأسرع ما يمكن.
وهذا المبدأ الشامل ينطبق اليوم أكثر من أي وقت مضى. وقد حدد ديفيد بن جوريون
مبادئ أول استراتيجية للأمن القومي لإسرائيل، وتم تكييفها وتعديلها لمواجهة
التحديات التي تواجهها إسرائيل سواء كانت حالية ومستقبلية.
المبادئ الأساسية لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي
في خضم التحديات المختلفة، فإن المبادئ الأساسية للأمن القومي
الإسرائيلي هي: الردع، التفوق الاستخباراتي، الدفاع، والنصر. وعلاوة على ذلك، يجب
أن تستند استراتيجية إسرائيل الأمنية دائما إلى افتراض أن حالة الردع أو معاهدات
السلام يمكن أن تنهار. لذلك، فإن القول المأثور: "إذا كنت تريد السلام فاستعد
للحرب" لا يزال قائما. ويجب على إسرائيل الحفاظ على نطاق أمني واسع واستعداد
مستمر لتصعيد محتمل، وأن تحافظ على قدراتها للوفاء بمسؤوليتها في الدفاع عن الأمة،
وتأمين وجودها، وكسب كل حرب. وفي ضوء ذلك، فإن استراتيجية الأمن القومي التي تقوم
على مجموعة من المبادئ العسكرية والمجتمعية والسياسية:
أولا ـ المبادئ العسكرية:
ـ استراتيجية دفاعية مصممة لضمان وجود الدولة، وخلق فترات طويلة من
الهدوء بالتزامن مع الجهود العسكرية والسياسية الاستباقية لتأخير النزاعات قدر
الإمكان.
لقد استطاعت المقاومة أن تتغلب على كثير من النقاط المهمة في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الردع، المفاجأة، التفوق الاستخباراتي، نقل الحرب إلى أرض العدو، حماية الداخل الإسرائيلي، الوحدة المجتمعية، تقصير أمد الحرب، والحرص على الشرعية الدولية.
ـ التفوق النوعي: بما يضمن التفوق العسكري والتكنولوجي على أعداء
إسرائيل.
ـ نقل المعركة إلى أراضي العدو: لتجنب ضيق الحيز الاستراتيجي
الإسرائيلي.
ـ تقليل مدة القتال: والسعي لتحقيق النصر في الحرب، والحد من الضرر
الذي يلحق بالجمهور والبنى التحتية، وتحقيق الأهداف القتالية في أقصر وقت ممكن.
ـ حدود يمكن الدفاع عنها بما فيها وادي الأردن، وتعتمد فيها إسرائيل
على سيطرتها الأمنية المستقلة.
ـ تغذية الروح القتالية والإيمان بعدالة قضية إسرائيل.
ثانيا ـ مبادئ الأمن المجتمعي:
ـ الجيش جيش الشعب: وهو عامل الاندماج و"بوتقة الانصهار"
القائمة على روح الأمة المقاتلة. ويستدعي قوته الضاربة من السكان المدنيين، أي
الاحتياطيين. وله الحق الأول في اختيار من يجند في صفوفه بناء على احتياجاته.
ـ حرية العمل: هو مبدأ أساسي لمواجهة التحديات بنجاح وتحقيق الأهداف.
ويرتبط ارتباطا وثيقا بالحاجة إلى المرونة المتعلقة بأدوات القوة واستخدامها عن
علم.
ـ الاعتماد على الذات: مبدأ حيوي لحرية العمل، ويعكس الرغبة المستمرة
في زيادة قدرة إسرائيل في مجموعة واسعة من المجالات، وخاصة مجال الأمن، وذلك لضمان
قدرة الدولة على الدفاع عن مصالحها الحيوية دون مساعدة من القوات الأجنبية، أو
موافقة من الدول الأجنبية.
ثالثا ـ المبادئ السياسية:
ـ مفهوم الجدار الحديدي: ويعني بناء القوة العسكرية التي تشكل جداراً
من الحديد، لا توجد فيه أية تصدعات أو شقوق، بحيث كلما حاول العربي والفلسطيني
المقاومة سيصطدم رأسه بهذا الجدار ويتعب وييأس. أو بعبارة أخرى، لا يمكن تحقيق
السلام إلا بعد أن يوقن أعداء إسرائيل أن جهودهم غير فعالة، وتعمل على زيادة
معاناتهم. يجب أن يقتنعوا بأن بإمكانهم تحقيق أكثر من ذلك بكثير من خلال الحوار؛
وليس من خلال العنف.
ـ بناء القوة الداخلية والخارجية: وتستند إلى الأفكار التي نشأت مع
دافيد بن غوريون فيما يتعلق بالعلاقات المتبادلة بين المجتمع والاقتصاد والعلوم
والتكنولوجيا والجيش القوة والمكانة الدولية والسياسة الخارجية.
ـ استخدام القوة إذا فشلت الجهود السياسية: ستفضل إسرائيل دائما
استخدام الأدوات السياسية بدلا من الأدوات العسكرية، ولكن يجب أن مستعدة لواقع أن
الحرب قد تفرض عليها لمواجهة التهديدات لمصالح أمنها القومي الحيوية. لذلك في غياب
وسيلة سياسية للحد من التهديدات، ستستخدم دولة إسرائيل القوة، سواء نفذها الجيش أو
مؤسسات أمنية أخرى.
العوامل المؤثرة في صياغة استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي
هناك عدة عوامل تؤثر على صياغة استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي،
داخلية ودولية وإقليمية، وهي:
أولا ـ العوامل الداخلية:
ـ قيم الدولة: وهي التي تشكل خصائصها على مستوى عميق، وتعبر عن هويتها ورؤيتها، وسبب وجودها، والعامل
المشترك غير قابل للتغيير لجميع السكان. ومنها تستمد إسرائيل قيمها الوطنية.
ـ المصالح الأمنية الحيوية العليا لإسرائيل: وتتمثل في الحفاظ على
سيادتها، وحراسة أصولها الحيوية، وضمان سلامة سكانها.
ـ عامل الجغرافيا: وهو عامل مهيمن في الأمن القومي لإسرائيل. فمعظم
سكان إسرائيل والبنى التحتية الحيوية داخل شريط ضيق من منطقة السهل الساحلي. وهذا
هو الجزء الأكثر أهمية منها، ويتعرض لتهديد دائم من قبل أنواع مختلفة من الصواريخ
القادرة على تعطيل الحياة اليومية، وإلحاق الضرر بالمنشآت والأصول الحيوية، وإعاقة
تعبئة الاحتياطي وتحركات القوات من وإلى الساحات المختلفة.
ثانيا ـ العوامل الدولية:
يولي المجتمع اهتماما كبيرا بالبيئة الاستراتيجية لإسرائيل، وذلك
لارتباط موقعها الاستراتيجي بخمس قضايا مهمة على النطاق العالمي:
1 ـ الطاقة: فالشرق الأوسط هو مركز لإنتاج الطاقة وتصديرها، وعامل
مهم في سوق الطاقة العالمي.
2 ـ طرق التجارة: العديد من طرق التجارة العالمية تمر بالشرق الأوسط
مما يجعله عنصرا مهما للاقتصاد العالمي.
3 ـ الشرق الأوسط مصدر عدم الاستقرار: يبذل العالم جهودا مضنية لمنع
انتقال الظواهر السلبية من الشرق الأوسط التي قد تؤثر على أوروبا والساحة الدولية بأكملها، مثل: الهجرة غير
الشرعية، الإرهاب، وانتشار الأيديولوجيات المتطرفة.
4 ـ القيم المشتركة بين إسرائيل والغرب: تأسست إسرائيل على المثل
العليا للديمقراطية الغربية والتي هي أساس هذا الاهتمام.
5 ـ وجود الأماكن المقدسة: توجد مواقع مقدسة لثلاث ديانات رئيسية:
اليهودية والمسيحية والإسلام.
لكن، وفي الوقت نفسه، فإن الساحة الدولية هي تربة خصبة للكيانات التي
تثير المشاعر المعادية لإسرائيل، وتنكر شرعيتها في الوجود باعتبارها الدولة
القومية للشعب اليهودي، وتدعو إلى زوالها.
ثالثا ـ الساحة الإقليمية:
إسرائيل هي حالة شاذة وتعتبر دولة معادية في الغالب في المنطقة. فهي تختلف عن جيرانها ثقافيا
واقتصاديا وسياسيا. وقد تفاقم عدم الاستقرار الذي اتسمت به المنطقة لسنوات عديدة
منذ بداية الربيع العربي، الذي قوض النظام الإقليمي، أدى إلى احتدام الصدام الديني
الشيعي السني التاريخي.
دور المؤسسة الأمنية في تطبيق استراتيجية الأمن القومي
تعمل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية باستمرار للدفاع عن الدولة خلال
فترات الهدوء والطوارئ والحروب. وللقيام بذلك، فإنها تشارك في ثلاثة جهود رئيسية:
1 ـ الاستعداد للحرب من خلال بناء القوات من كل نوع.
2 ـ الهجمات الاستباقية والحملة بين الحروب: وهذا لا يستلزم الاستعداد للحرب فحسب، بل السعي
أيضا نحو تدابير هجومية استباقية تعتمد على معلومات استخباراتية عالية الجودة.
3 ـ شن الحرب: يجب أن يكون الجيش في حالة استعداد عالية وفورية
لاستخدام القوة للدفاع عن سيادة إسرائيل ومواطنيها ووقف التهديد وتحقيق النصر على
العدو.
متغيرات المشهد الاستراتيجي
تبحر إسرائيل نفسها اليوم في مشهد من التهديدات المتغيرة، فالخصم
الرئيسي اليوم لم يعد تحالف الدول العربية المصمم على تدمير إسرائيل. وقد حدث تحول
رئيسي في التحديات الأمنية، منها التهديدات غير التقليدية كتلك التي تصدر من
المجال السيبراني، ومنها احتمال عودة ظهور جبهة معادية، حيث تقود إيران تحالفا
معاديا ناتج عن تطلعاتها للهيمنة الإقليمية، وحيازة القدرة العسكرية النووية،
وتوسيع مجال نفوذها في منطقة ممتدة عبر العراق واليمن وسوريا ولبنان وقطاع
غزة. لكن الخصم الرئيسي الآن هو عبارة عن
منظمات غير حكومية تستخدم استراتيجية الهجوم المحدود على إسرائيل. والهدف الشامل
لهؤلاء الأعداء لا يزال تحقيق انهيار إسرائيل والقضاء عليها ككيان سياسي.
ولقد تغيرت طريقة عمل الخصوم بشكل أساسي. فهي تجمع الآن بين اثنين من
الجهود الحربية والجهود المعرفية التي تهدف إلى ممارسة الضغط المستمر على المجتمع
الإسرائيلي ومكانة إسرائيل في المجتمع الدولي.
وتواجه إسرائيل أيضا تهديدات داخلية لا تقل أهمية عن التهديدات
الخارجية. وتتمحور هذه التهديدات الداخلية حيث تواجه إسرائيل في الوقت نفسه تغيرات
مجتمعية داخلية، جنبا إلى جنب مع مشاكل النمو السكاني، والقوة الاقتصادية،
والقدرات العلمية والتكنولوجية، وتطور الشقوق المهددة للمجتمع الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، تواجه إسرائيل تهديدات خارجية تهدف إلى إلحاق الضرر
بشرعيتها الدولية. وظهرت تعقيدات جديدة في علاقة إسرائيل بيهود الشتات، والتي كانت
دائما عنصرا مهما في بناء الأمن القومي.
توصيات الدراسة
اقترحت هذه الدراسة المهمة لمواجهة التهديدات الجديدة ومتغيرات
المشهد الاستراتيجي إدخال تحديثات على المبادئ الأساسية التقليدية للأمن القومي
الإسرائيلي والتأكيد على سياسات معينة ترتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي:
1 ـ مفهوم الردع
ـ إثناء أعداء إسرائيل عن العمل ضدها على أساس عسكري أو أمني.
ـ بناء القوة والتأهب والاستعداد لمواجهة نية العدو في انتهاك سيادة
وحياة وأمن مواطني إسرائيل.
ـ التفوق الذكي الذي يمكن أن يوفر في وقت مبكر التحذير من إحباط نية
العدو في إيذاء إسرائيل بشكل استباقي، وتوفير الوقت الكافي للرد.
برز دور الكثير مما يعرف بدول الجنوب في نصرة الشعب الفلسطيني ومطاردة إسرائيل في المحاكم الدولية وقيادة نزع الشرعية عنها. هذا فضلا عن المظاهرات العارمة في أوروبا وأمريكا والدور الرائع لشباب الجامعات خصوصا في الولايات المتحدة الذين سيصبحون ساسة الغد
ـ الدفاع في جميع الأبعاد مع التركيز على الأرض، فإسرائيل لا تتحمل
ضررا طويل الأمد لسيادتها.
ـ تحقيق النصر والأهداف التي صممتها الحكومة في أقصر الأطر الزمنية
وبأقل ثمن ممكن.
ـ إدارك قيادة العدو أن استمرار المواجهة لن تساعدها على تحقيق أي
أهداف، وستؤدي إلى خسارة أصولها الأساسية، بما فيها بقاؤها السياسي والشخصي.
2 ـ تطوير الدولة والمجتمع الإسرائيلي
يجب توفير نهج أساسي لإسرائيل استراتيجية الأمن القومي والاستراتيجية
الكبرى لتعزيز إسرائيل وتطورها، وتبني خطاب مسئول حول الاستراتيجية الأمنية، بما
في ذلك العناصر السرية المتعلقة بقوة إسرائيل. وكذلك تعزيز وتحديث المؤسسات
التعليمية والاقتصادية والتكنولوجية والتي تعمل كبوصلة لتعزيز إسرائيل كوطن قومي
قوي وآمن.
3 ـ الشرعية الداخلية
بناء الشرعية الداخلية ركن أساسي في استراتيجية الأمن القومي. وذلك
من خلال الوسائل الاقتصادية، والتعليم والثقافة الصهيونية، تعزيز التماسك
الاجتماعي، والتضامن ومعاجة الشقوق المجتمعية..
4 ـ تعزيز الروابط مع يهود الشتات
يجب على إسرائيل تعزيز روابطها مع يهود الشتات، فوجود إسرائيل كوطن
قومي للشعب اليهودي كان ولا زال يعتمد على العلاقة الوثيقة والدعم المتبادل بين
الدولة والشتات اليهودي. وهذا الاتصال هو أحد أعمدة الأمن القومي لإسرائيل، وينعكس
على القيم الوطنية.
5 ـ العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة
علاقة إسرائيل الخاصة بالولايات المتحدة هي مصدر قوة وركيزة أساسية
لأمنها القومي وتنسيق المواقف على الصعيد الدولي، بما في ذلك على الجبهتين
الدبلوماسية والاقتصادية. وتكمن مركزية هذه العلاقة في المساعدات العسكرية أمريكية
لإسرائيل، ومذكرة التفاهم الحالية، والتزام الولايات المتحدة العميق بالحفاظ على
الميزة النوعية لإسرائيل.
6 ـ مكافحة جهود نزع الشرعية
تتطلب مكافحة جهود نزع الشرعيةاستراتيجية شاملة وتعاونا مع الأطراف
في المجتمع الدولي وفي الشتات اليهودي، والحفاظ على المصالح والشراكات المتبادلة
مع الأطراف ذات الصلة في المجتمع الدولي.
7 ـ سياسة الاستقلال والاعتماد على الذات
يستلزم الاعتماد على الذات بناء قدرات للدفاع عن الأمة بشكل مستقل،
تكملها شراكات إقليمية ودولية ، خاصة مع الولايات المتحدة. ومبدأ الاستقلال هو على
وجه الخصوص مهم بالنظر إلى الجدل الأخير حول اتفاقية دفاع محتملة مع الولايات
المتحدة. على الرغم من أن مثل هذا الاتفاق يبدو أنه يحمل العديد من المزايا، إلا
أنه يستدعي دراسة متأنية للغاية، لا سيما فيما يتعلق بتقييد حرية إسرائيل في
العمل، وهذا يؤدي إلى إرجاع المناقشة إلى مبدأ "إسرائيل وحدها هي التي يمكن
أن تكون مسؤولة عن أمنها".
التعليق
لقد استطاعت المقاومة أن تتغلب على كثير من النقاط المهمة في
استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الردع،
المفاجأة، التفوق الاستخباراتي، نقل الحرب إلى أرض العدو، حماية الداخل
الإسرائيلي، الوحدة المجتمعية، تقصير أمد الحرب، والحرص على الشرعية الدولية.
فكل
هذه العناصر نالت ضربات ساحقة يوم 7 أكتوبر وما بعده. فلقد حققت المقاومة تفوقا
استخبارتيا ومفاجأة استراتيجية، ومازالت إسرائيل تتلقى ضربات موجعة حتى اليوم،
ومازال الشعب
الفلسطيني صامدا رغم التضحيات الجسام، ومازالت المقاومة هي صاحبة
الشعبية والقرار لدى الشعب الفلسطيني. أما على المستوى العالمي، فقد أصبحت إسرائيل
كيانا مارقا، وصارت شرعية وجودها محل تساؤل وشك كبيرين.
وبرز دور الكثير مما يعرف بدول الجنوب في نصرة الشعب الفلسطيني
ومطاردة إسرائيل في المحاكم الدولية وقيادة نزع الشرعية عنها. هذا فضلا عن
المظاهرات العارمة في أوروبا وأمريكا والدور الرائع لشباب الجامعات خصوصا في
الولايات المتحدة الذين سيصبحون ساسة الغد. وقد شارك الكثير من يهود الشتات في هذه
المظاهرات والاحتجاجات. كل هذه النتائج تدل على تهاوي نظرية الأمن القومي
الإسرائيلي، وأن صفحة النهاية لهذا الكيان تسطرها الآن عمليات المقاومة وأرواح
الشهداء على أرض غزة، فما ضاع حق وراءه مطالب.