جاءت تحركات روسية سودانية لإحياء اتفاق عسكري
بتدشين قاعدة بحرية روسية بميناء بورسودان على البحر الأحمر، كان قد تم توقيعه بين
البلدين في عهد الرئيس عمر البشير عام 2017؛ لتثير المخاوف بشأن احتمالات تحول
البحر الأحمر إلى بؤرة صراع دولي وإقليمي، ما يهدد مستقبل الملاحة في قناة السويس
المصرية، ويقلق القاهرة، الجارة الشمالية للخرطوم.
ويسعى الجيش
السوداني، الذي يواجه قوات الدعم السريع
في حرب أهلية اندلعت منذ نيسان/ أبريل 2023، للتقارب مع موسكو لتنفيذ الاتفاق
المؤجل منذ 7 سنوات، والحصول على الدعم العسكري الروسي، في المقابل.
وفي 7 حزيران/ يونيو الجاري، التقى نائب رئيس مجلس
السيادة الانتقالي في السودان مالك عقار، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، بمنتدى سان
بطرسبرج، لتعزيز التعاون العسكري مع موسكو.
وبينما يحاول الجيش السوداني تعويض خسائره العسكرية
والسياسية باللجوء إلى موسكو، فقد يغضب ذلك واشنطن والاتحاد الأوروبي وكذلك
السعودية والإمارات، وقد يصطدم هنا بمصالح مصر.
وكان الرئيس السوداني السابق عمر البشير قد وقع
اتفاق إنشاء ميناء روسي في بورسودان، مدته 25 عاما مع نظيره الروسي فلاديمير
بوتين، يقضي بأن تمنح
روسيا الجيش السوداني عتادا حربيا، لكن الانقلاب العسكري
الذي قاده الجيش السوداني على البشير، جمد الاتفاق.
وأكد متحدثون لـ"
عربي21"، أن رغبة البرهان
في الحصول على الدعم العسكري الروسي ومؤازرة الدبلوماسية الروسية في الأمم المتحدة
بمواجهة بعض الدعم الدولي والإقليمي السياسي الذي تقدمه أمريكا والعسكري من
حليفتها الإمارات لقوات الدعم السريع، دفع الجيش السوداني للتفكير في إحياء اتفاق
البشير، متوقعين أن يرجح الاتفاق كفة البرهان، مرجحين اعتراض بعض الدول الكبرى،
ومؤكدين أن النظام المصري بدد جميع أوراقه.
"استغلال
روسي لحاجة السودان"
وفي رؤيته، قال الخبير في الشؤون الإفريقية
والأكاديمي المصري الدكتور عباس شراقي: "للبحر الأحمر أهمية اقتصادية وعسكرية
وأمنية كبيرة، حيث يمر به أحد أكثر طرق الملاحة البحرية الدولية حيوية في العالم
وهو قناة السويس، وتشكل بعض دوله أهم المراكز العالمية لإنتاج النفط، وتمثل مضائق
البحر الأحمر وجزره نقاطا استراتيجية واقتصادية وأمنية هامة".
أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة أضاف
لـ"
عربي21": "وجود العديد من الموانئ الهامة بسواحل البحر الأحمر
والقرن الإفريقى، يساهم بقوة في النشاط التجاري والدخل الاقتصادي للدول المطلة،
حيث تؤمن هذه الموانئ نقل موارد الطاقة والمعادن والمنتجات الزراعية والصناعية،
وتقدم خدمات الملاحة للسفن العابرة، أدى ذلك لمزيد من الصراع الإقليمى للدول
الكبرى وإنشاء قواعد عسكرية أجنبية".
وأكد أن "البحر الأحمر أصبح بيئة تفاعل وتجاذب
لصراعات إقليمية مثل الصراع العربي-الإسرائيلي، والإيراني-الخليجي، والإيراني-الإسرائيلي، والإثيوبي-الأريتري، والأريتري-اليمني، والإثيوبي-الصومالي،
والمصري-الإثيوبي بسبب سد النهضة، بالإضافة إلى أن المنطقة تشهد مشاكل وصراعات
داخلية مثل
الحرب الأهلية بالصومال، والتدخل الإثيوبي فيها، والصراع باليمن،
والحرب الأهلية بالسودان، والقرصنة، وتنظيم القاعدة".
ولفت شراقي، إلى أن "روسيا تسعى مع بعض الدول
الأخرى مثل الهند للحصول على موضع قدم على شاطئ البحر الأحمر أو القرن الأفريقي
لكي يكون لها وجود وسط العديد من القواعد العسكرية التي يصل عددها إلى أكثر من 19
قاعدة تابعة لحوالي 16 دولة أجنبية".
وقال إن "روسيا تستغل حاجة الجيش السوداني
للمساعدة بأسلحة ودعم روسيا ضد قوات الدعم السريع، لإحياء بروتوكول التعاون
العسكري الروسي السوداني 2017، بإنشاء القاعدة البحرية العسكرية الروسية في
بورسودان، بدعوى جعلها نقطة مساعدة للسفن الروسية لتوفير ما تحتاج إليه من مواد
التموين".
وتوقع الخبير المصري، أن "تعترض على ذلك بعض
الدول الكبرى التي لها قواعد بالمنطقة مثل أمريكا"، ملمحا إلى أن "الدعم
الروسي يستطيع أن يرجح كفة الجيش السوداني للسيطرة الكاملة على الأراضي السودانية".
وبالنسبة لمصر فإنه قال إن "القواعد العسكرية
الدولية ستزيد قاعدة جديدة حتى تصبح 20 قاعدة، ومن المهم وجود قواعد للدول
المتنافسة خاصة قطبي القوى العسكرية حتى لا تحدث سيطرة لطرف دون الآخر، ويحدث
توازن للقوى الكبرى بمنطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر".
"لهذا
فالخطوة حتمية"
من جانبه، يعتقد الباحث والأكاديمي محمد الزواوي، أن
"هذه الخطوة متوقعة من القيادة الحالية للجيش السوداني بأن يلعب بالورقة
الروسية باعتبار أن السودان تقارب مع أمريكا ونفذ بعض التعديلات حتى إنه دخل في
عملية تطبيع مع إسرائيل برعاية واشنطن، ولكنهم في النهاية لم يحصلوا على شيء".
المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية، أضاف
لـ"
عربي21": "بل وجد السودان تآمرا من بعض الدول المنتمية لأمريكا
على الجيش السوداني، بحجة أن الجيش يحتوي على إسلاميين؛ ومن ثم فإن هناك مؤامرة على
الجيش السوداني برعاية حميدتي والدعم السريع".
وأوضح أنه "لذلك فإن من الطبيعي أن يلعب الجيش
السوداني بهذه الورقة"، مبينا أن "إعادة إحياء فكرة الميناء الروسي ربما
تكون خطوة جادة، وربما تكون مناورة، الأمر لم يتضح، ولكنه من حق الجيش السوداني
البحث عن مصالحه، وهو الأمر القائم بالنسبة لمصر التي لا تعتمد على محور واحد
وإنما تعمل على تنويع محاورها بين أمريكا وروسيا".
ويرى الزواوي، أن "هذه الخطوة قد تكون مناورة
من الجيش السوداني لدفع أمريكا إلى التقارب مرة ثانية، أو احترام رغباته ومطالبه
بعد دعم قوات الحشد السريع أو عبر حليفتها الإمارات، وهو نوع من أنواع توازن القوى الذي تقوم به الحكومة الحالية في السودان لنيل الدعم الروسي".
وأشار إلى أن "الحضور الروسي في تصاعد كبير في
شرق وغرب إفريقيا، كما رأينا العديد من الانقلابات العسكرية غرب القارة وتواجد
الشركات الأمنية الخاصة مثل فاغنر الروسية وغيرها لدعم الانقلابات على فرنسا
وزيادة النفوذ الروسي في إفريقيا بصفة عامة".
ويعتقد الأكاديمي المصري، أن "الخطوة السودانية
ربما كانت متوقعة، رغم أن هذا الميناء كان قد تم الاتفاق عليه في عهد البشير،
والتواجد الروسي بميناء بورسودان سيحقق الكثير للجيش السوداني، وعبد الفتاح
البرهان سيحصل على الدعم العسكري الروسي كما تشير الأنباء التي رشحت عن ذلك
الاتفاق".
وأكد في نهاية حديثه أنها "خطوة تؤشر على تراجع
مخزون السلاح والذخيرة لدى الجيش السوداني في مواجهة الدعم السريع، ومن ثم كان يجب
اتخاذ مثل تلك الخطوة ليحصل جيش السودان على الدعم المطلوب لإعادة سيطرته على
البلاد لذا فقد تكون الخطوة حتمية".
"إنقاذ
لهذا وفرصة لذاك"
وفي قراءته، أشار الباحث في الشؤون السياسية
والاستراتيجية والعلاقات الدولية أحمد مولانا، إلى سلسلة التحركات السودانية
الروسية الأخيرة لإحياء اتفاق البشير وبوتين عام 2017، ملمحا إلى حديث عضو مجلس
السيادة الانتقالي ياسر العطا، في 25 أيار/ مايو الماضي، عن طلب موسكو من الخرطوم
نقطة تزود بالوقود بالبحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة للجيش السوداني.
الباحث في مجال الدراسات الأمنية، لفت في حديثه لـ
“
عربي21"، أيضا إلى "زيارة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، لمدينة
بورتسودان، وإعلانه دعم سيادة السودان والشرعية القائمة ورفض التدخل الأجنبي،
وعرضه تقديم الدعم العسكري الروسي للجيش السوداني، مقابل بناء القاعدة البحرية".
وألمح مولانا، إلى أن "توجه الجيش السوداني إلى
موسكو وطلب الدعم الروسي، يقابله دعم عسكري ومالي إماراتي لقوات الدعم السريع بدعم
عسكري بجانب دعم سياسي من دول جوار مثل كينيا وإثيوبيا".
وأكد على أهمية "الدور الروسي في هذه المرحلة
من الحرب وإمداد حكومة البرهان بأسلحة نوعية، وتقديم حماية للجيش السوداني ضد
العقوبات الأممية باستخدام حق النقض (الفيتو)، وهو ما يتبعه بالتوازي تقليل تعاون
قوات فاغنر الروسية مع قوات حميدتي والدعم السريع".
وأوضح الباحث المصري أن "الدعم الروسي المحتمل
للجيش السوداني، يقابله رغبة روسية للتواجد بالبحر الأحمر ضمن استراتيجية روسيا
البحرية"، مبينا أن "أزمة الجيش السوداني تعد فرصة لروسيا للحصول على
موطئ قدم استراتيجي هناك تضعها قرب باب المندب المطل على خطوط التجارة الدولية،
ومسارات شحن النفط والغاز، ما يمنح موسكو تأثيرا على أمن الطاقة الأوروبي".
بالنسبة لمصر يرى مولانا أنها "لا ترحب بوجود
قواعد عسكرية أجنبية في السودان، ولكن النظام المصري بدد أوراق مصر، ولم يعد فاعلا
في دول الجوار، ولم ينجح في حل أزمة سد النهضة أو كبح جماح العدوان الإسرائيلي على
غزة، ولم يقدم دعما للجيش السوداني ما يجعل الأخير حريصا على تنسيق تحركاته مع مصر".
وختم حديثه، مؤكدا أن "الجيش السوداني، أصبحت
لديه قناعة بضرورة تنشيط العلاقات مع روسيا وإيران في ظل انكفاء مصر على
ذاتها"، ملمحا إلى أن "السودان أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران،
وحصلت على طائرات مسيرة ساعدت في حسم معركة أم درمان".
"تلاقي
الأولويات"
وفي رؤية سودانية، قال عضو ائتلاف شباب السودان،
الكاتب الصحفي وائل نصر الدين، إن "البحر الأحمر تحول إلى نقطة اهتمام دولي
وإقليمي منذ انطلاق مشروع الصين (طريق الحرير)، من وقتها تقوم أمريكا عبر حلفاء
بمحاولات لثني الدول المشاركة بمشروع بكين".
وفي حديثه لـ"
عربي21"، أكد أنه
"بالتالي أصبح البحر الأحمر بؤرة صراعات، وافتعلت القيادة الأمريكية أزمة القرصنة
لتسيطر على البحر الأحمر، وبالتالي القاعدة الروسية بالسودان لن تحوله لأنه بالفعل
منطقة صراع دولي وإقليمي".
وأوضح أن "فكرة القاعدة الروسية مطروحة منذ حكم
البشير، لكن لم تكن هناك وقائع على الأرض تسند تنفيذ الاتفاق، ولم تكن هناك أولوية
لروسيا أو السودان، كان هناك نقاش مستمر حول الاتفاق لكن التطورات الدولية الأخيرة
وحرب السودان جعلت مسألة
القاعدة العسكرية الروسية أولوية روسية وسودانية".
وبين أن "موسكو تحاول الحصول على موطئ قدم
بالبحر الأحمر كما أعلنت في استراتيجتها منذ عام؛ كما أن السودان أعلن استعداه
لتنفيذ الاتفاق في جانبه العسكري واللوجستي دون تأخير، وبالفترة الماضية كان
الصراع قائما بالسودان في ظل عدم وجود برلمان، لكن الأولية الأمنية للسودان تدفعها
لتنفيذ الاتفاق حتى بدون وجود برلمان منتخب".
وبشأن رد الفعل المصري، يعتقد نصر الدين، أن
"مصر لن تعارض هذا الاتفاق سواء المركز اللوجستي الروسي أو القاعدة البحرية
العسكرية الآن؛ وقد تكون عارضت ذلك سابقا قبل سنوات، لكن بعد التدخل الدولي الكبير
بالبحر الأحمر وبعد أن اتضحت إرادة أمريكا لإطالة أمد الصراع بباب المندب، فأظن أن
القاهرة لن تعارض المركز اللوجستي الروسي".
وأكد أن الأمر أصبح ملحا وأن "الجيش
السوداني يحتاج إلى دعم سياسي من روسيا ليتجاوز الضغوطات الغربية بالأمم المتحدة ومجلس
الأمن الدولي، كذلك يحتاج دعم عسكري وزيادة التسليح لينهي الحرب مع الدعم
السريع"، ملمحا إلى أن "روسيا حصل لها تحول كبير ووجدت المصلحة في
التقارب من الجيش السوداني وليس الدعم السريع بعد أن كانت على الحياد".
وختم الكاتب السوداني بالقول: "بالعالم الآن لا
يوجد مكان للحياد، فأمريكا وحلفاؤها لديهم استعداد لإشعال الحروب، وهنالك حرب في
أوكرانيا وفلسطين وتهديد في لبنان وحرب لا تنتهي في ليبيا، وبالتالي فالسودان يبحث
عن صديق لكي يكون لديه قدرة على مواجهة الحرب التي تشنها الدول الغربية على دول
العالم الثالث".
"صراع
دولي محتمل"
وفي مقال له في "
عربي21"، قال الكاتب محمد
الباز: "يشعر القادة العسكريون السودانيون أن حجم دعم الحلفاء التقليديين لهم
لا يكفي لحسم الصراع مع قوات الدعم السريع، في ظل وجود خطوط إمداد عسكرية مستدامة
للدعم السريع، عبر تحالفاتها الإقليمية والدولية".
ولفت إلى أنه لذلك "يسعى مجلس السيادة
السوداني من خلال إعادة التوازن إلى علاقته بموسكو لتقليص الإمداد العسكري المقدم
إلى الدعم السريع، وإعادة توجيه هذا الدعم إلى الجيش السوداني، في ظل انشغال
الجيران بملفات أكثر سخونة كحرب غزة".
وأشار الكاتب إلى أن "المحفزات الروسية للخرطوم
لا تقتصر على الدعم العسكري، ولكنها قد تمتد إلى ملفات أخرى"، ملمحا إلى
معاناة السودان "من شح المشتقات البترولية، وندرة توفر المواد الأساسية في
الأسواق، وهو ما قد يدفع السودان إلى تفعيل الاتفاقية".
وأوضح أن "الاتفاق يمنح روسيا نقطة تزود على البحر
الأحمر، وهو أمر يقلق جيران السودان ويزعج الولايات المتحدة، كما أنه يجعل البحر
الأحمر ساحة صراع محتملة بين القوى الدولية، ولكنه يعزز فرص الجيش للقضاء على تمرد
الدعم السريع".