صحافة دولية

برلمان في طي النسيان: تكهنات كثيرة حول مستقبل مجلس الأمة الكويتي

منذ حل مجلس الأمة تتزايد التكهنات حول إمكانية عودة الحياة البرلمانية الكويتية- جيتي
نشرت مجلة "نيو لاينز" الأمريكية تقريرا حول قرار أمير الكويت حل المجلس المنتخب، وتعليق بعض مواد الدستور المتعلقة بالهيئة التشريعية وتبعات هذا القرار، وسط عدم اليقين السياسي الذي تعيشه البلاد.

وقالت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن أمير الكويت مشعل الأحمد الصباح، أصدر أمرا في 11 أيار/ مايو بحل مجلس الأمة المنتخب، وتعليق العمل ببعض مواد الدستور المتعلقة بعمل الهيئة التشريعية لمدة تصل إلى أربع سنوات. وجاء هذا القرار ردّا على التوترات السياسية المتصاعدة في أعقاب وفاة الأمير السابق صباح الأحمد الصباح في سنة 2020، التي تم تخفيف وطأتها مؤقتا في عهد خلفه الأمير نواف الأحمد الصباح، الذي توفي في كانون الأول/ ديسمبر 2023.

ويمثّل قرار الأمير أول تعليق من نوعه منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في سنة 1990، رغم أنه ليس سابقة ذلك أنه تم حل مجلس الأمة بشكل غير دستوري مرتين إحداهما في سنة 1976 والأخرى في سنة 1986. ولطالما كانت الكويت موضع اهتمام المراقبين السياسيين العرب، فنظامه السياسي - نظام ملكي دستوري وبرلمان -، نادر في منطقة مليئة بالحكام المستبدين والدول البوليسية، التي تتنكر في شكل جمهوريات علمانية وأنواع أخرى من الديكتاتوريات.

لكن تجربة الكويت مع شكل من أشكال الديمقراطية، مهما كانت معيبة، تستحق التسجيل، فتطور نظامه السياسي، الذي حفزه الغزو المؤلم للعراق في عهد صدام حسين، فريد في المنطقة، لكن الأمر يستحق الدراسة أيضا كحكاية تحذيرية، تسلط الضوء على حدود المناورة السياسية في منطقة يسهل فيها التراجع إلى حكم الفرد الواحد باسم الاستقرار، حيث يتوجب على أنصار الديمقراطية أن يناضلوا مرة تلو أخرى للحفاظ على حقهم في تحدي السلطة.

أشارت المجلة إلى أنه على مدى العقدين الماضيين، اتسمت العلاقة بين مؤسسة الإمارة ومجلس الأمة بالتوتر، مما أدى إلى حل الأخير عدة مرات، سواء بشكل دستوري أو غير دستوري، ويعود جزء من هذا التوتر إلى أسباب هيكلية، نابعة من الآليات التي تحدد العلاقة بين المؤسسة الملكية والبرلمان، التي توزع الصلاحيات بطريقة تساهم في استمرار الأزمات والصدامات. فمثلا، يسمح الدستور للأمير بحل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة، في حين يمكن لأعضاء المجلس استجواب الوزراء وإصدار قرارات بحجب الثقة عنهم. وتعد حالات الحل غير الدستوري نادرة نسبيا في تاريخ الكويت، وخلافا للحلول الدستورية، فهي تنطوي على تعليق للمواد الدستورية، ولا ترتبط عادة بجدول زمني للانتخابات.

في المراحل المبكرة من تاريخ الكويت (1963-1990)، استخدمت الإمارة أدوات متعددة خارج نطاق الدستور، مثل تزوير الانتخابات والحل غير الدستوري للبرلمان. ولكن منذ سنة 1990، أدارت الإمارة علاقتها مع مجلس الأمة وفق المبادئ التوجيهية الدستورية، لكن التوترات تصاعدت مع تولي الأمير صباح الأحمد السلطة سنة 2006، ويرجع ذلك أساسا إلى التغييرات السياسية والاجتماعية المتعددة، وأبرزها فصل منصب ولي العهد عن منصب رئيس الوزراء، وطبيعة المعارضة المتغيرة وغير المتوقعة.

استمرت هذه التوترات حتى وفاته سنة 2020.

استنفد الأمير صباح الأحمد خلال حكمه كل الأدوات الدستورية والقانونية المتاحة لإدارة علاقته مع مختلف القوى السياسية، وبالمقابل، استُخدمت كل الوسائل الدستورية لتحديه. وفي سنة 2012، نجح في تفتيت الكتل السياسية في مجلس الأمة وهزيمتها، لكن ذلك أدى إلى مشكلة جديدة؛ فقد أصبحت السياسة البرلمانية فردية بشكل متزايد، مما أدى إلى تعقيد قدرة الإمارة على السيطرة على المجلس.

بادر الأمير نواف الأحمد، خليفة الأمير صباح الأحمد، بإجراء حوار سياسي واقترح تسويات لتخفيف حدة التوترات، لكن هذه الجهود باءت بالفشل. وبوفاة الأمير نواف الأحمد في سنة 2023، أصبح اللجوء إلى إجراءات غير دستورية والخروج عن اتفاقية جدة لسنة 1990، التي أعادت البرلمان بعد حلّه غير الدستوري السابق، أمرا لا مفر منه، وبدا أن النظام السياسي في الكويت عاجز عن إدارة الصراع ضمن حدود دستور البلاد. وسرعان ما لجأ الأمير الجديد، مشعل الأحمد، إلى تدابير غير دستورية في سنته الأولى في السلطة، فحلّ مجلس الأمة للمرة الأولى منذ سنة 1986، في خطوة تثير الشك حول مستقبله.

ذكرت المجلة أن الحياة الدستورية في الكويت بدأت سنة 1962، في عهد الأمير عبد الله السالم الصباح، الذي غالبا ما يطلق عليه "أبو الدستور". وساهمت عدة عوامل في ظهور هذا النوع الجديد من السياسة، لكن أهمها كان الدور المحوري الذي أدتته مجموعة من الشخصيات الإصلاحية من النخبة في البلاد، وفي مقدمتهم أحمد الخطيب.

ولد الخطيب في الكويت، وتلقى تعليمه الأولي هناك، قبل أن ينتقل سنة 1942 لدراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهناك تبلورت آراؤه السياسية القومية العربية، وانضم إلى جمعية العروة الوثقى التي كان يشرف عليها المفكر السوري قسطنطين زريق. والتقى الخطيب بشخصيات مؤثرة في الجمعية، مثل الفلسطينيين جورج حبش ووديع حداد والسوري هاني الهندي والعراقي حامد الجبوري، وجميعهم تأثروا بأفكار زريق وساعدوا في تأسيس حركة القوميين العرب.

وعند عودته إلى الكويت، بدأ الخطيب، وهو من أوائل الأطباء الكويتيين، بناء حركة سياسية تدعو إلى أن تصبح البلاد إمارة دستورية ذات مجلس منتخب. وأدى الخطيب دورا مهمّا في صياغة الدستور، حيث قدم توصيات وتعليقات بصفته عضوا في الجمعية التأسيسية.

وحدث أول تعليق غير دستوري للمجلس في الكويت سنة 1976 في عهد الأمير صباح السالم الصباح، ونتج عن صراع بين شيخين نافذين هما جابر العلي الصباح وسعد العبد الله الصباح على منصب ولي العهد. وأدى الصراع إلى تزوير انتخابات مجلس الأمة سنة 1967. ولحل النزاع قام الأمير صباح السالم بتعليق المجلس سنة 1976، متذرعا بالتوتر بين الحكومة والمجلس.

وقوبل الحل بضغط شعبي من صحف، مثل صحيفة الوطن اليومية والطليعة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة، التي أصدرت بيانا مشتركا في 18 أيلول/ سبتمبر 1976، رفضت فيه إجراءات الحكومة. واستمر الضغط الشعبي واتخذ أشكالا جديدة، مع ظهور حركة شيعية قوية في الكويت في أعقاب الثورة الإيرانية سنة 1979. وأعيد مجلس الأمة في نهاية المطاف سنة 1980، رغم أن الأمير حاول الحد من نفوذه، وتشكيل النظام الانتخابي للحد من المعارضة.

أما الحل الثاني غير الدستوري، فقد حدث بعد خمس سنوات، وسط أزمة اقتصادية عُرفت باسم انهيار سوق المناخ، وهو سوق أسهم كويتي غير رسمي، سمي بهذا الاسم نسبة إلى موقعه التاريخي. ظهر السوق سنة 1979 ردا على القيود الحكومية كسوق موازٍ لسوق الكويت للأوراق المالية، وازدهر سوق المناخ، وحقق أحجام تداول غير مسبوقة، بل وتجاوز سوق لندن للأوراق المالية في مرحلة ما، لكنه انهار سنة 1982 عندما انخفضت أسعار الأسهم.

وكان مجلس 1985، الذي وُلد من هذه الأزمة، يميل نحو المعارضة، ولم يتردد في استخدام أدواته الرقابية بما في ذلك استجواب الوزراء. وأدى أحد تلك الاستجوابات إلى استقالة وزير العدل والشؤون القانونية والإدارية سلمان الدعيج الصباح، بعد شهر واحد فقط من انتخاب المجلس، وتصاعدت التوترات بين المجلس والحكومة بشأن الأزمة الاقتصادية والتحقيق فيها. وقد مُنح المجلس سلطة الإشراف والمراجعة على وثائق البنك المركزي، من فترة انهيار سوق المناخ من قبل المحكمة الدستورية. وقبل أن يتمكن المجلس من اتخاذ أي إجراء، قام الأمير جابر العلي بحل المجلس بشكل غير دستوري في 3 تموز/ يوليو 1986.

تمت إعادة مجلس الأمة كجزء من التسوية التي تلت تحرير الكويت بعد غزو العراق للبلاد في 2 آب/ أغسطس 1990، حيث سعت الحكومة في أثناء الغزو لتقديم الكويت للمجتمع الدولي كدولة ديمقراطية، على النقيض من نظام العراق الديكتاتوري.

أوضحت المجلة أنه تمت دعوة جميع الأطراف لحضور مؤتمر جدة الذي انعقد في الفترة من 13 إلى 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1990، وكان الهدف تزويد الأسرة الحاكمة بالشرعية السياسية اللازمة للحصول على الدعم الدولي لتحرير الكويت، ونجحوا في تأمين هذا الدعم من النخب المعارضة والإصلاحية، مقابل التزامهم باستعادة الدستور والحياة البرلمانية. وفي البيان الختامي للمؤتمر أعلن الحضور: "بعد أن نحقق النصر على المعتدي ونحرر أرضنا من النظام العراقي.. سنعيد بناء كويتنا الحبيب على أساسين مشروعين". وأكد البيان الأساس الثاني وهو "تمسك الشعب الكويتي بوحدته الوطنية وبالنظام الشرعي الذي اختاره، والذي يقوم على أساس الشورى والديمقراطية والمشاركة الشعبية بموجب دستور البلاد الصادر سنة 1962".

وقد حافظ الأمير جابر الأحمد الصباح على الالتزامات التي تم التعهد بها في مؤتمر جدة فيما يتعلق بمجلس الأمة حتى وفاته سنة 2006، وربما كانت هذه الفترة هي الأكثر استقرارا سياسيّا في تاريخ الكويت. وتخلت الإمارة عن استخدام الأساليب غير الدستورية لحل النزاعات مع مجلس الأمة، وتم تعميق النظام البرلماني وتوسيعه. وفي سنة 2003، عندما تم تعيين الأمير صباح الأحمد رئيسا للوزراء، تم فصل هذا الدور عن دور ولي العهد للمرة الأولى، مما أدى إلى تقليل الاتصال المباشر بين خط الخلافة والحكومة.

ظهر جيل جديد من الإصلاحيين خلال هذه الفترة، أبرزهم عضو مجلس الأمة السابق مسلم البراك، الذي عُرف لاحقا بـ"ضمير الأمة". بدأ البراك مسيرته السياسية في العمل النقابي بمنصب رئيس نقابة العاملين في البلديات والإدارة العامة للإطفاء، وعضو الاتحاد العام لنقابات عمال الكويت، ثم شغل منصب الأمين المساعد لاتحاد نقابات العمال العرب. وشارك البراك لأول مرة في انتخابات مجلس الأمة سنة 1992، وخسر في البداية، لكنه نجح في جميع الانتخابات اللاحقة حتى شباط/ فبراير 2012. في سنة 1999، أسس البراك وآخرون كتلة العمل الشعبي، وهي مجموعة برلمانية أدت دورا مهمّا في السنوات التالية، وخاصة خلال الحراك السياسي المعروف باسم "كرامة وطن" بين سنتي 2012 و2014. وظهرت هذه الحركة ردا على التغييرات غير الشعبية في الدوائر الانتخابية التي هدفت إلى إضعاف المعارضة، لكنها تطورت للمطالبة بإصلاحات دستورية أوسع، لاسيما الدعوة إلى اختيار النواب من خارج العائلة الحاكمة.

وبالإضافة إلى صعود الحركة الإصلاحية، شهدت هذه الفترة تطورات أخرى وسّعت ورسخت الحياة البرلمانية في الكويت، كان أهمها اعتماد قانون في سنة 2005، يمنح المرأة الحق في المشاركة في الانتخابات والترشح للمناصب. وقد بلغ النظام البرلماني في الكويت ذروته في سنة 2006، عندما أدى مجلس الأمة دورا حاسما في تولي رئيس الوزراء آنذاك صباح الأحمد منصب أمير البلاد، فعندما توفي الأمير جابر الأحمد سنة 2006، أصبح سعد العبد الله أميرا، وعين صباح الأحمد وليا للعهد ورئيسا للوزراء. ونظرا لتدهور صحة سعد العبد الله، فقد استند المجلس إلى المادة 3 من قانون الميراث، التي تسمح بعزل الأمير لأسباب صحية، ونتيجة لذلك، تولى صباح الأحمد منصب الأمير. وكان للمجلس دور فعال في حل ما عُرف بأزمة الحكم. واستجابة لحملة "نبيها خمسة" (نريدها خمسة)، أدى المجلس دورا مهمّا في إلغاء نظام الدوائر الانتخابية، التي كانت قائمة على 25 دائرة انتخابية واستبدالها بنظام الدوائر الخمس.

ويمكن فهم الحل غير الدستوري الأخير لمجلس الأمة باعتباره نتيجة غير مقصودة للسياسات التي اتبعتها الإمارة تجاه مجلس الأمة في عهد الأمير صباح الأحمد. فرغم التزام الأمير صباح الأحمد باتفاقية مؤتمر جدة، إلا أن المناورات الدستورية التي استخدمت في الصراع بين الإمارة والمجلس مهدت الطريق بشكل غير مقصود للانحراف عن الدستور.

وأشارت المجلة إلى أن هذا الصراع مر بمرحلتين رئيسيتين، امتدت الأولى من 2006 إلى 2012، حيث استخدمت كل من الكتل البرلمانية المعارضة والإمارة أدواتها الدستورية بشكل متزايد لمواجهة بعضها بعضا، وخلال ست سنوات فقط، حلّ الأمير المجلس دستوريّا أربع مرات، وأجرت الكتل البرلمانية استجوابات عدة، بما في ذلك الاستجواب التاريخي لرئيس الوزراء ناصر المحمد الصباح في سنة 2006 حول الدوائر الانتخابية، وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها استجواب رئيس وزراء في تاريخ الكويت.

وقد سمح تنظيم نواب المعارضة في كتل برلمانية للحكومة بالتكيف مع قواعد اللعبة البرلمانية، كما أدى نجاح المجلس في الإطاحة بالعديد من الوزراء إلى استخدام الحكومة استراتيجيات مختلفة للمناورة ضد الاستجوابات، مثل تأجيلها وعقدها في جلسات سرية وإحالتها إلى المحكمة الدستورية. ونجحت الحكومة أحيانا في كسب تأييد الكتل البرلمانية لهذه الاستراتيجيات أو في معارضة الاستجوابات، إلا أن هذه المناورات كانت دائما معقدة وغير مضمونة النتائج، خصوصا مع اختلاف مواقف الكتل البرلمانية داخل المجلس.

وواصلت الإمارة مواجهة الكتل المعارضة داخل مجلس الأمة، من خلال كسب دعم الكتل البرلمانية الموالية لها، مثل كتلة العمل الوطني والتجمع الإسلامي السلفي ومعظم النواب الشيعة، لكن هذه الاستراتيجية أتت بنتائج عكسية بعد الأحداث المعروفة بأزمة الإيداعات. بدأت هذه الأزمة عندما أعلن النائب فيصل المسلم أن لديه معلومات عن أموال تلقاها البرلمانيون من رئيس الوزراء آنذاك ناصر المحمد، وقدم المسلم طلبا لاستجواب رئيس الوزراء، واقترحت بعض الكتل الموالية تحويل هذا الاستجواب إلى جلسة سرية. وجاءت المفاجأة عندما لم تصوت كتلة العمل الوطني الموالية لصالح هذا الطلب، مما أسفر عن استجواب علني. وعقب الاستجواب، قدم المسلم طلبا للتصويت على سحب الثقة من ناصر المحمد، غير أن كتلة العمل الوطني صوتت ضد هذا الطلب.

أضافت المجلة أن الكتل الموالية استمرت رغم ذلك في التذبذب في أعقاب أزمة الإيداعات، وبعد محاولة المسلم الفاشلة لسحب الثقة من رئيس الوزراء، رفع بنك برقان قضية ضده، متهما إياه بالتواطؤ مع أحد موظفي البنك، لإفشاء معلومات سرية تتعلق بحسابات العملاء وأزمة الإيداعات. ونتيجة لذلك، قررت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة رفع الحصانة عن المسلم. لكن الحكومة ونواب الكتل الموالية تعمدوا تأخير الجلسات، مما تسبب في انقضاء المدة الدستورية لرفع الحصانة عن المسلم بشكل تلقائي. وبعد ذلك قررت كتلة العمل الوطني الانضمام إلى الكتل الإصلاحية والمعارضة، بما في ذلك كتلة العمل الشعبي وكتلة الإصلاح والتنمية وبعض النواب المستقلين، وشكلت تحالفا سمي بكتلة "إلا الدستور" التي عارضت التعديلات على الدستور. وخلال تجمع سياسي عقدته هذه الكتلة في منزل النائب المعارض في مجلس الأمة جمعان الحربش، حدثت مناوشات غير مسبوقة بين الحضور وقوات الأمن الخاصة، ودفعت هذه الأحداث كتلة العمل الوطني إلى مزيد من المعارضة للحكومة، وأثرت على العديد من النواب المستقلين للقيام بالمثل.

بلغ فقدان السيطرة على الكتل البرلمانية ذروته عندما قدم صالح الملا، النائب عن كتلة العمل الوطني الموالية سابقا، والحربش عن كتلة الإصلاح والتنمية المعارضة، والبراك عن كتلة العمل الشعبي المعارضة، استجوابا ضد رئيس الوزراء في كانون الأول/ ديسمبر 2010. وبينما تمكنت الحكومة بالكاد من منع التصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء، بفضل هامش ضئيل من التأييد من حفنة من النواب المستقلين، فتح هذا الاستجواب الباب أمام سلسلة من الاستجوابات المتتالية، بما في ذلك أربعة استجوابات موجهة ضد ناصر المحمد نفسه. ولم تكن هذه الاستجوابات بمبادرة من أعضاء المعارضة فحسب، بل أيضا من شخصيات تابعة للحكومة. كما نشأت بعض الاستجوابات عن صراعات بين الوزراء أنفسهم، مثل الاستجواب الذي تم بين ناصر المحمد ونائب رئيس الوزراء ووزير التنمية والإسكان أحمد الفهد الصباح. وتزامنت هذه الاستجوابات مع تفاعل المشهد السياسي الكويتي مع الربيع العربي، وانتهى تجمع شعبي أقيم في ساحة الإرادة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 بدخول المتظاهرين إلى مبنى مجلس الأمة. وقد أدى ذلك إلى تحقيق مطلب رئيسي للمعارضة، وهو استقالة حكومة ناصر المحمد، ولكن بمجرد تحقيق هذا المطلب، تم حل مجلس الأمة دستوريّا.

كانت الجمعية الوطنية المنتخبة في شباط/ فبراير 2012 معارضة بشكل واضح، مع اختلاف مهم عن المجالس السابقة، الذي يتمثل في زيادة في عدد الممثلين المستقلين الذين لا ينتمون إلى كتل جماعية. بدأ هذا المجلس بوعود بالتوافق بين رئيس الوزراء الجديد جابر المبارك الصباح ومجلس الأمة. وكان جابر المبارك أول رئيس وزراء من خارج الفرعين التقليديين للأسرة الحاكمة.

مع ذلك، فإن تكوين الجمعية كان محكوما عليه بالفشل. فمن ناحية لم تتمكن الحكومة من الاعتماد على الكتل النيابية المنظمة الموالية لها. ومن ناحية أخرى، واجهت معارضة متباينة دون رؤية سياسية أو فكرية واضحة، وأدى ذلك إلى الاستخدام المفرط وغير المنسق للاستجوابات من قبل أعضاء المعارضة، ومن قبل الموالين لها أيضا.

كما اقترح أعضاء هذا المجلس قوانين أدت إلى تعميق الأزمة بين الحكومة والأغلبية المعارضة. وتضمنت المقترحات البارزة تعديل الدستور للسماح فقط بتمرير القوانين "المتوافقة مع الشريعة الإسلامية"، وإصدار قانون لإعدام من أهان الله والنبي محمد، وتقليص صلاحيات المحكمة الدستورية.

وأمام هذا الوضع الصعب، لجأ الأمير صباح الأحمد إلى سياسة جديدة لكبح جماح المعارضة داخل مجلس الأمة وخارجه، باستخدام أدوات خارج السياق البرلماني. تضمنت أولى هذه الأدوات تغيير النظام الانتخابي لانتخابات مجلس النواب سنة 2013، والانتقال من خمس دوائر حيث يمكن لكل ناخب التصويت لأربعة مرشحين (نظام التصويت الكتلي)، إلى خمس دوائر، حيث يمكن لكل ناخب التصويت لمرشح واحد فقط.

وأدى هذا التعديل إلى تقويض قدرة الكتل والتحالفات السياسية على التشكيل؛ لأنه أجبر الناخبين على اختيار مرشح واحد فقط، مما أدى إلى مقاطعة الانتخابات من قبل المعارضة. ونتيجة للمقاطعة، تراجعت نسبة المشاركة في انتخابات كانون الأول/ ديسمبر 2012 لما أصبح يعرف بمجلس الصوت الواحد، إلى 40 بالمئة بعد أن كانت حوالي 60 بالمئة في الانتخابات السابقة.

وكان الغرض من النظام الجديد السيطرة على النتائج البرلمانية، من خلال غرس علاقة جديدة بين السياسيين وناخبيهم. وبدلا من التواصل مع قاعدة انتخابية متنوعة وواسعة النطاق، أصبح الخطاب منعزلا وفرديا للغاية وأكثر قبلية وطائفية، حيث لجأ الممثلون إلى قواعد أضيق. واعتمد المرشحون على الوعود بتقديم الخدمات الحكومية، مثل ضمان التوظيف والترقيات الوزارية وغيرها من المزايا، لتأمين الأصوات من هذه القطاعات الأصغر، ولكن الموثوقة من الناخبين.

كما شنت السلطات حملة اعتقالات وسحبت الجنسية من أعضاء الحركة السياسية المعارضة، التي كانت تنظم مظاهرات كرامة الوطن، وتطالب بالتحول نحو الإمارة الدستورية. وفي نهاية المطاف، شكلت الإمارة تحالفا مع مرزوق علي محمد الغانم، الرئيس الجديد لمجلس الأمة، الذي أدى دورا مهما في السيطرة على سلوك المجلس. وأدت هذه الإجراءات إلى سجن وتهجير عدد من القادة السياسيين، وعرقلة قدرة ممثلي مجلس الأمة على تشكيل كتل نيابية معارضة. وأدى ذلك إلى غياب شبه كامل للمعارضة السياسية عن المشهد السياسي الكويتي بين سنتي 2013 و2016، وبدرجة أقل خلال مجلس الأمة 2016-2020.

ولم يتوقع الأمير صباح الأحمد أن يؤدي تفكيك المعارضة الجماعية داخل مجلس الأمة وخارجه إلى مشكلة أخرى، وهو الصعود المتزايد للأعضاء المستقلين في مجلس الأمة. وقد قلص اختفاء الكتل النيابية والسياسية من قدرة الحكومة على المناورة بين المجموعات المختلفة وضبط استخدام المشرعين المفرط للاستجوابات. وأدى صعود الممثلين المستقلين إلى زيادة حادة في عدد الاستجوابات في مجلس 2013، على الرغم من أنه ليس مجلسا تهيمن عليه المعارضة.

ويمكن للمستقلين أن يبادروا باتخاذ قرارات الاستجواب، وبعدها يتم تشكيل مجموعات من الممثلين المؤيدين أو المعارضين للاستجواب، بدلا من أن تصدر مثل هذه القرارات عن الكتل السياسية والبرلمانية. وقد أجبر ذلك الحكومة على التفاوض مع الأفراد، بدلا من الكتل المنظمة، في عملية مضنية وغير مؤكدة، أضعفت قدرتها على إبطاء سلسلة التحقيقات.

وحسب المجلة، أدى الاستخدام المفرط للممثلين المستقلين لأداة الاستجواب إلى زيادة عدم الاستقرار السياسي في الكويت.  وإلى جانب حل المجلس، بدأت مؤسسة الإمارة التفاوض مع المشرعين بشكل فردي، وذلك باستخدام الخدمات الحكومية لكسب ولائهم. وتضمنت هذه الخدمات توفير مناصب قيادية في أجهزة الوزارة، وتسهيل العلاج الطبي في الخارج. وقد تعمق هذا النهج بشكل كبير في مجلس سنة 2013، الذي أصبح يعرف على سبيل السخرية باسم "مجلس المندوبين"، مما يشير إلى أن الأعضاء أصبحوا أكثر تركيزا على تلبية احتياجات الناخبين الخدمية البسيطة، بدلا من تمثيلهم سياسيا ومعالجة القضايا الحكومية والتشريعية. وبينما بلغ هذا النظام ذروته في عهد الأمير صباح الأحمد، فإنه أدى إلى خروج الإمارة من اتفاق جدة بعد وفاة الأمير.

قبل وفاة الأمير صباح الأحمد سنة 2020، استقال رئيس الوزراء جابر المبارك بسبب قضية فساد عرفت بقضية الصناديق الماليزية، وهي مخطط غسيل أموال ما يعادل 2.3 مليون دولار، باستخدام العملة الصينية تم أخذها من أموال واستثمارات مسروقة الصندوق السيادي الماليزي. وتزامنت وفاة الأمير صباح الأحمد في 29 أيلول/ سبتمبر مع انتهاء مجلس الأمة الوحيد من دورته التشريعية الكاملة خلال فترة حكمه، مما أدى إلى فترة راحة سياسية قصيرة. ودعا خليفته الأمير نواف الأحمد إلى إجراء انتخابات نيابية خلال الفترة الدستورية الطبيعية، وأعاد تعيين صباح الخالد رئيسا للوزراء، وهو الشخص الثاني بعد جابر المبارك من خارج الفرعين الرئيسيين للأسرة الحاكمة الذي يتولى منصب رئيس الوزراء.

وكانت نتائج الانتخابات في صالح المعارضة التي سارعت إلى عقد اجتماع وحددت أولوياتها. وكان الأهم هو موافقة 37 نائبا من المعارضة على منع الغانم، رئيس المجلسين السابقين، من العودة إلى رئاسة المجلس مرة أخرى. وبدلا من ذلك، دعموا مرشحا آخر، وشكلوا كتلة أغلبية. واعتبرت الكتلة الغانم شخصية أساسية في معارضة الأصوات الإصلاحية، ومسؤولا عن سياسات النفي والتهجير والإقصاء في الفترة السابقة. وخلال جلسة التصويت، دعمت الحكومة بجميع أعضائها الغانم، مما أدى إلى انتخابه رئيسا لمجلس النواب.

وانفجرت الأزمة بين ممثلي الأغلبية والحكومة مبكرا، وأسفرت عن عدة استجوابات، بما في ذلك خمسة على الأقل موجهة إلى صباح الخالد. وردا على ذلك، وافق المجلس والحكومة على إجراء يهدف إلى الحد من عدد الاستجوابات الموجهة إلى رئيس الوزراء. وهذا الإجراء، الذي أحاط ببعض الغموض والجدل الدستوري، تطلب تأجيل الاستجوابات المقررة حتى قبل إدراجها في جدول الأعمال، ومن ثم تجنب الإطاحة المتوقعة بصباح الخالد. واحتجت كتلة الأغلبية على ذلك وعلى تعليق ملف العفو، وهو إجراء يهدف إلى منح العفو للكويتيين المحكوم عليهم بسبب آراء أو مواقف سياسية، مما أدى إلى توقيع 38 نائبا على بيان يسمى "بيان الأمة" في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2021. ودعا الأعضاء في هذا البيان الأمير إلى المساعدة في حل القضايا العالقة، وأكدوا أهمية منح العفو المذكور، في ظل الظروف المتوترة التي تشهدها المنطقة.

واعترف الأمير نواف الأحمد بالخطاب، ودعا إلى حوار وطني يضم ممثلين عن المعارضة والسلطة التنفيذية. لكن سرعان ما ظهرت خلافات داخل ما يسمى كتلة الأغلبية، تركزت حول عدم التواصل مع النواب الذين لم يوقعوا على البيان، وطبيعة التنازلات التي قدمها أعضاء المجلس الموقعون للحصول على العفو.

وأدت هذه الخلافات في النهاية إلى حل الجمعية الوطنية. وتصاعدت التوترات بين أعضاء المجلس المؤيدين لـ "بيان الأمة" والمعارضين. وأدى ذلك إلى اشتباكات عديدة، بما في ذلك المطالبات المستمرة من بعض المشرعين بإقالة رئيس المجلس، والخلافات حول جدول الأعمال التشريعي. ونظرا لمحدودية الأدوات البرلمانية، وعدم وجود أي مسارات دستورية لعزل رئيس المجلس، لجأ بعض الأعضاء إلى تعطيل الجلسات واستجواب الوزراء.


ودفع هذا الصراع المستمر بعض النواب إلى تنظيم اعتصام في مبنى المجلس، بدءا من 15 حزيران/ يونيو 2022. وكان السبب المعلن للاعتصام، هو تعطيل الجلسات العادية لأكثر من شهرين، ورفض منحة التقاعد التي فرضتها الحكومة، وكان قرار حل المجلس يهدف إلى إنهاء هذه الفترة من الأزمة.

وفي خطاب يعكس المشاعر التي أعربت عنها المعارضة منذ 2012، أكد الأمير تصحيح المسار.
وقال بكلمات مطمئنة: "لن نحيد عن الدستور، ولن نعدله أو نراجعه أو نوقفه أو نسيء إليه، فهو مصدر شرعية الحكومة وضمان بقائها والعهد الوثيق بيننا وبينكم". وأكد حق الأمة في تقرير المصير. كما قدم التزامات تاريخية، ووعد بحياد الحكومة في جميع مناصب مجلس الأمة، من رئاسة البرلمان إلى اللجان البرلمانية.

وأسفرت الانتخابات التي أعقبت الاعتصام البرلماني عن نتائج استثنائية. وفاز أعضاء محسوبون على المعارضة والتيار المناهض لمرزوق الغانم بالأغلبية البرلمانية، ولم يشارك الغانم. وامتنعت الحكومة عن التصويت على أي أمور تتعلق بقيادة المجلس ومكاتبه ولجانه، مما أثار التفاؤل بصدق خطاب الأمير ومخرجاته.

ومع ذلك، فإن هذا التعاون لم يدم طويلا؛ فقد تغيبت الحكومة عن جلسة 10 كانون الأول/ يناير 2023 بسبب فرض المجلس قانون شراء القروض، ويهدف هذا القانون إلى شراء القروض الشخصية لبعض المواطنين وشطب الفوائد، وهو الإجراء الذي اعتبرته الحكومة بمنزلة ضغط آخر على الاقتصاد المثقل بمدفوعات التحويل. وبالتزامن مع هذه الأزمة، قررت المحكمة الدستورية إلغاء المجلس لأسباب إجرائية، وإعادة الغانم رئيسا له بموجب التفويض الدستوري. وتمت الدعوة لإجراء انتخابات جديدة في 6 حزيران/ يونيو 2023، وكأن الحل السابق لم يحدث.

وكاد مجلس الأمة 2023 أن يمثل بداية جديدة لعلاقة تعاونية بين مجلس الأمة ومؤسسة الإمارة، مما قد ينهي الصراعات السابقة. لكن في كانون الأول/ ديسمبر 2023، توفي الأمير نواف الأحمد، وعُين ولي العهد مشعل الأحمد الصباح أميرا. ولدى توليه الإمارة، ألقى الأمير مشعل الأحمد خطابا انتقاديا حادا، قال فيه: "لم نر أي تغيير أو تصحيح للمسار. بل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية على الإضرار بمصالح الوطن والعباد. وما حدث من تعيينات ومنقولات، أدى في بعض الأحيان إلى وظائف ومناصب لا تلبي أبسط معايير العدالة والإنصاف. كما أن التعامل مع ملف العفو والسباق لإقرار ملف إعادة التأهيل، يظهران بوضوح مدى الضرر الذي لحق بمصالح البلاد".

وأدى هذا الخطاب إلى استقالة الحكومة وتعيين حكومة جديدة برئاسة محمد السالم الصباح، لكن بمجرد أن بدأت الحكومة الجديدة عملها، تجددت الخلافات بين مجلس الأمة والحكومة بسبب الصدامات بين المبادرات الفردية وغياب التنسيق بين أعضاء المجلس. وبعد أداء الحكومة الجديدة اليمين، طلبت مهلة شهر للنظر في موضوع الرواتب الاستثنائية للوزراء وقيادات الجهاز التنفيذي. وانقسمت كتلة الأغلبية، حيث أيد 16 نائبا طلب الحكومة ورفضه الآخرون. وأعقب ذلك إلقاء عضو المجلس عبد الكريم الكندري كلمة دافع فيها عن المجلس ضد انتقادات الأمير، التي اعتبرها الأمير إهانة لمنصبه وتدخلا في صلاحياته. ورفض المجلس بالأغلبية طلب الحكومة حذف خطاب الكندري، وفي 15 شباط/ فبراير 2024، أعلن الأمير مشعل الأحمد حله دستوريا، ودعا إلى انتخابات جديدة.

أعيد انتخاب معظم أعضاء البرلمان السابق في 4 نيسان/ أبريل 2024، إلا أن هذا المجلس لم يستمر في منصبه سوى خمسة أسابيع، قبل أن يتم حله بشكل غير دستوري وتعليق بعض مواد الدستور. وبعد فوزها في الانتخابات، طالبت الأغلبية باحترام نتائج الانتخابات وانعكاسها على تشكيل الحكومة، واستبعاد الوزراء الإشكاليين. وقرر الأمير تفعيل المادة 50 من الدستور، التي تسمح بتعليق عمل المجلس لمدة تصل إلى شهر، بسبب الانسحاب المفاجئ لمحمد صباح الصباح من الترشح لرئاسة الوزراء وعدم وجود بديل. ثم تم اختيار أحمد العبد الله الصباح رئيسا للوزراء. انتشرت أنباء عن تشكيل الحكومة الجديدة، ومن بينها تعيين فهد يوسف الصباح وزيرا للداخلية.

إن تصرفات فهد يوسف كوزير للداخلية في الحكومة السابقة، جعلت منه شخصية مثيرة للجدل، وندد به 30 نائبا في حملاتهم الانتخابية، مما جعل تعيينه موضوعا ساخنا ونقطة اشتعال محتملة. وأعرب عدد من النواب عن استيائهم من خبر تعيين فهد يوسف، وأعلنوا دعمهم لناصر المحمد وليا للعهد.

وللتعبير عن اعتراضهما، دعا النائبان عبد الهادي العجمي وأنور الفكر إلى عقد مؤتمر صحفي في 6 أيار/ مايو، مطالبين باستبعاد فهد يوسف من منصب الوزير. وبعد أربعة أيام فقط، أصدر الأمير مشعل الأحمد أمرا بحل المجلس بشكل غير دستوري وتعليق بعض مواد الدستور، وهو القرار الأول من نوعه منذ مؤتمر جدة.

وأوصى المرسوم الأميري بصباح الخالد وليا للعهد، متجاوزا رقابة المجلس وتجنب المناورات السياسية للشيوخ المتنافسين. ويعكس هذا حالة التعليق الأولى، حيث تم تعليق المجلس أيضا بعد أن تمكن أحد الشيوخ من الحصول على أغلبية وسطية في اختيار ولي العهد. كان التعليق بمنزلة رد فعل على هذا الصراع. وفي حين أن صراع ولي العهد يشكل عاملا مهما في هذه الإيقافات، فإن قضايا أخرى، مثل سهولة استخدام الاستجواب وغياب الكتل البرلمانية، ساهمت أيضا في عدم الاستقرار وتورط الأعضاء في الصراع، وهي عوامل أثرت مرارا وتكرارا على مجلس النواب الكويتي.

ومنذ حل مجلس الأمة قبل عدة أسابيع، تتزايد التكهنات حول تداعيات هذا القرار وإمكانية عودة الحياة البرلمانية الكويتية. ويرى البعض أن فرص عودة مجلس الأمة ضئيلة بسبب غياب التأثير الخارجي القوي كالغزو العراقي الذي أعاد تشكيل الدوافع والحوافز في السابق. والبعض الآخر أكثر تفاؤلا بشأن عودتها.

إن التنبؤ بالمستقبل أمر صعب، لكن إذا كانت التجارب السابقة لها أي مؤشر، فإن الوضع الحالي يشبه التعليق الأول أكثر من الثاني. فقد جاء التعليق الأول وسط صراع بين زعماء الأسرة على منصب ولي العهد، وانتهى بمجرد حل قضية ولي العهد، وأدى الضغط الشعبي إلى عودة الحياة البرلمانية. وجاء هذا القرار مع تنصيب صباح الخالد وليا للعهد. لكن رغم أوجه التشابه هذه، هناك اختلافات مهمة توحي بنظرة أكثر تشاؤما لمستقبل الحياة البرلمانية في الكويت. والأكثر أهمية هو إغلاق الفضاء السياسي وانهيار الحركات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم العربي.