ملفات وتقارير

قراءة في تشكيل أول حكومة بولاية السيسي الثالثة.. هؤلاء كانوا كبش الفداء

الحكومة الجديدة التي تضم 31 حقيبة وزارية شهدت تغيير 20 وزيرا واستمرار 8 وزراء- القاهرة الإخبارية
تأكد خروج أقدم وزراء حكومة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وأهم معاونيه خلال ولايته الثانية من حكم مصر (2018- 2024)، ليستبدلهم في ولايته الثالثة (حتى 2032) في أحدث تشكيل وزاري، ما يدعو للتساؤل حول أسباب تضحيته بأخلص وزرائه رغم ما قدموه من جهد في تنفيذ سياساته.

منذ حلف السيسي اليمين الدستورية الثالثة لولايته الثالثة في نيسان/ أبريل الماضي، تأخر تشكيل حكومته الجديدة، التي يبدو أنها شهدت مخاضا متعثرا طوال شهر كامل منذ تكليفه رئيس وزرائه الأقدم مصطفى مدبولي، بتشكيل الوزارة الذي ظل غامضا حتى تاريخ اليوم الموافق للذكرى الـ11 للانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، ما اعتبره البعض مقصودا ومرتبا وليس مصادفة.

والحكومة الجديدة التي تضم 31 حقيبة وزارية، شهدت تغيير 20 وزيرا واستمرار 8 وزراء، ونقل وزيرين لحقائب أخرى، وتغيير 3 وزارات سيادية هي الدفاع والخارجية والعدل، مع الإبقاء على وزير الداخلية اللواء محمود توفيق بالوزارة السيادية الرابعة، فيما يلاحظ على التشكيل تراجع عدد الوزراء من ذوي الخلفيات العسكرية، وتقليص عدد السيدات.

وكما توقعت "عربي21"، في تقارير سابقة لها، فقد جرى الإطاحة بوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ووزراء الخارجية سامح شكري، والأوقاف مختار جمعة.

اقرأ أيضاهل تطيح قضية "السيناتور مينينديز" بسامح شكري من خارجية مصر؟
اقرأ أيضا: آخر شركاء الانقلاب.. هل يطيح السيسي بوزيري الدفاع والأوقاف؟

"وزير الدفاع"
أكثر عناوين التغيير الوزاري إثارة والتي جاءت قبل حلف اليمين بقليل جدا، هي إطاحة السيسي، بوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، الذي عينه السيسي، بمنصبه قبل 6 سنوات في 14 حزيران/ يونيو 2018، وأيضا الإطاحة برئيس أركان الجيش الفريق أسامة عسكر، صاحب السجل الحافل من المناصب والذي تدور حوله الكثير من الأخبار المثيرة.

وبهذا تخلص السيسي، من زكي، وعسكر، وهما شريكاه في الانقلاب العسكري على الرئيس الراحل محمد مرسي، ليبقى فقط مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية، وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، اللواء ممدوح شاهين، كآخر شركاء الانقلاب داخل المجلس العسكري.

وقام زكي، حينما كان قائدا للحرس الجمهوري بقصر الاتحادية بالقاهرة، باعتقال الرئيس الشرعي، وإخفائه هو وفريقه الرئاسي، ممهدا طريق السيسي نحو قصر الحكم.

وفي مقابل الإطاحة بزكي، وعسكر، قام السيسي بترقية اللواء أركان حرب عبد المجيد صقر (62 عاما) إلى رتبة الفريق أول وتعيينه وزيرا للدفاع، وذلك في استدعاء للرجل المتقاعد الذي لم يتول مناصب رفيعة أو قيادة أسلحة مؤثرة في الجيش وكان أهم ما وصل إليه رئاسة إدارة الشرطة العسكرية، ومنصب محافظ السويس عام 2018.

وتشير التوقعات إلى أن استدعاء السيسي، لرجل متقاعد وغير كفء وفق وصف مراقبين، ومتحدثين لـ"عربي21"، قد يثير غضب قادة المجلس العسكري (27 قائدا بجانب السيسي)، ويغضب رئيس الأركان أسامة عسكر، وقد يكشف عن وجود علاقات متوترة داخل المؤسسة العسكرية، ويؤكد خوف السيسي، وعدم ثقته، في أي قائد منهم.



وبعد ساعات من حلف اليمين الدستورية، أصدر السيسي، قرارات بتعيين الفريق أول محمد زكي مساعدا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع، وفي قرار مثير أيضا قرر تعيين رئيس أركان الجيش الفريق أسامة عسكر مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون العسكرية.

"وزير الأوقاف"
تأكدت إطاحة السيسي، بوزير الأوقاف محمد مختار جمعة، أقدم وزراء عهد السيسي، (تولى الوزارة في عهد مرسي شباط/ فبراير 2013)، وذلك رغم أدواره في دعم نظام السيسي ماليا عبر أموال الأوقاف، ودينيا عبر فتاواه وأحاديثه عبر أذرع وأبواق وزارته.

وهي الأدوار التي رصدت العديد منها "عربي21"، على مدار سنوات، في تقارير كان آخرها حول قراره بمنع وتجريم التبرعات في المساجد المصرية، ما اعتبره متحدثون قرارا لمنع جمع التبرعات لقطاع غزة الذي يواجه حرب إبادة دموية إسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
 ‌
وحل بديلا لجمعة، المستشار الديني للسيسي، الشيخ أسامة الأزهري (48 عاما) وهو خطيب جامع السلطان حسن بالقاهرة، ومحاضر في رواق الأتراك بالأزهر الشريف، وأحد المؤمنين بأفكار السيسي، في تحديث الخطاب الديني، فيما يتخوف البعض من أدوار الأزهري المحتملة، وبينها الصعود إلى كرسي شيخ الأزهر.



"وزير الخارجية"
كما تأكدت إطاحة السيسي، بوزير خارجيته سامح شكري، ثاني أقدم وزرائه، وشريكه في الكثير من الملفات الخارجية، ويده في ملفات تبييض وجه الانقلاب أمام العالم، وفي الملفات الإقليمية مثل ليبيا وغزة وغيرها، وذلك منذ تعيينه بالمنصب قبل 10 سنوات في حزيران/ يونيو 2014.

خلال تلك السنوات ظل شكري، في مخيّلة بعض المحللين والمراقبين والمعارضين "شخصية مغرورة وفارغة، وضاعت خلال ولايته هيبة مصر، وانتهت أدوارها، وفقدت الكثير من تأثيرها الدولي والإقليمي والقاري والعربي، وأصبح قرارها مرتبطا بتوجيهات عواصم أخرى، وقرارات قادة غير مصريين".

ويبرز اسم سامح شكري في قضية رشوة السيناتور الأمريكي بوب مينينديز، ورجل الأعمال المصري الأمريكي وائل حنا، في ملف تصدير اللحوم الأمريكية (حلال) إلى مصر، والتي ينظر فيها القضاء الأمريكي، وسط شهادات شهود وصور موثقة لشكري وزوجته، تؤكد حصوله على رشوة عبارة عن (سبيكة ذهبية) من وائل حنا.

وخلفا لشكري، يأتي السفير بدر عبد العاطي، كوزير الخارجية والهجرة بعد دمج الوزارتين، فيما لعب بدر، دورا في الترويج لانقلاب السيسي، عبر منصبه كمتحدث رسمي باسم وزارة الخارجية من عام 2013 وحتى عام 2015، كما أنه خلال منصبه كسفير للقاهرة لدى الاتحاد الأوروبي حصلت مصر على تمويلات واسعة من القارة العجوز.

"وزير المالية ووزيرة التخطيط"
وكان لافتا إطاحة السيسي، بوزير ماليته محمد معيط، الذي يعمل بجانب مدبولي والسيسي، منذ 14 حزيران/ يونيو 2018، ولمدة 6 سنوات ظل المنفذ الأول لسياسات السيسي المالية والاقتصادية عبر قرارات الجباية وفرض الرسوم ورفع أسعار الخدمات، كما أنه صاحب الدور الكبير في ملفات الاقتراض الخارجي والتمويلات الدولية وإدارة ملف الديون.

وبديلا عن معيط، عين السيسي أحمد كجوك، نائب وزير المالية للسياسات المالية والإصلاحات المؤسسية لأكثر من 8 سنوات، وصاحب الدور الهام في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول القرض الأخير بقيمة 8 مليارات دولار وتنفيذ توجيهات مراجعات الصندوق المتتابعة لاقتصاد البلاد، وذلك بجانب ما لديه من علاقات واسعة مع مؤسسات التمويل الدولية والبنوك والجهات المقرضة.

من المثير كذلك، تغيير السيسي، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، التي تشغل المنصب منذ شباط/ فبراير 2017، في خروج وصفه موقع "الشرق مع بلومبيرغ"، بـ"الخروج غير المتوقع"، ملمحا إلى أنه تردد اسمها بقوة طوال الفترة الماضية لتولي رئاسة مجلس الوزراء.

خروج السعيد، من الوزارة بعد نحو 7 سنوات، يأتي وفق مراقبين، رغم ما قامت به من أدوار في نقل ملكية الكثير من الأصول العامة إلى الصندوق السيادي الذي ترأست رئاسة مجلس إدارته منذ أيار/ مايو 2019، والإشراف على عمليات طرح الأصول الحكومية أمام المستثمرين الأجانب، وبيعها والحصول على مليارات الدولارات منها.

وجرى تعيين السعيد، مستشارا لرئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية.



كما أن الإطاحة بوزير الكهرباء محمد شاكر، تثير التساؤلات، خاصة وأنه ثاني أكثر الوزراء بقاء في المنصب إذ تولى الوزارة في آذار/ مارس 2014، وكانت مجموعة شركاته "شاكر الاستشارية" (1982) إحدى أذرع نظام السيسي الاقتصادية في المشروعات الإنشائية والعاصمة الجديدة، والذي طالما أشاد به السيسي، لكن يبدو أن أزمة الكهرباء التي ضربت البلاد مؤخرا كانت أحد أسباب مغادرة شاكر.

ومن اللافت أيضا، خلال التشكيل الوزاري الجديد، ضم وزارتي النقل والصناعة، وإسنادهما إلى الوزير العسكري كامل الوزير، الذي تولى وزارة النقل عام 2019، ما اعتبره البعض ثقة عالية من السيسي، في كامل الوزير، خاصة مع تعيينه أيضا بمنصب نائب رئيس الوزراء.

"تهميش وإحكام سيطرة"
وفي قراءته، قال الباحث المصري في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية، أحمد مولانا: "في ظل الإخفاق في معالجة التحديات، وحدوث أزمات كبيرة في ملفات الاقتصاد والكهرباء وغيرها، لجأ السيسي لإجراء تغييرات واسعة في الوزراء".

الباحث في مجال الدراسات الأمنية، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن ذلك بهدف "الإيحاء بأن المرحلة القادمة ستشهد تغييرات تحت إشراف وزراء جدد، مع تحميل الوزراء السابقين مسؤولية الإخفاقات، رغم أن مناصب الوزراء في مصر لا تزيد عن مناصب سكرتارية الرئيس".

وأكد أن "وزير الخارجية ينفذ تعليمات الرئيس ولا يرسم السياسة الخارجية، كذلك الوضع في المالية والأوقاف".

وعن ضم وزارة الصناعة للنقل، يرى مولانا، أن ذلك "يرتبط بقناعته بأن الوزير العسكري قادر على حل المشكلات أكثر من الوزير المدني، وبقدرة كامل الوزير على حل مشاكل الصناعة بما يملكه من صلاحيات".

واستدرك بقوله: "لكن أزمة الصناعة في مصر هيكيلة، ولا يمكن علاجها سوى بإصلاحات سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى".

وبشأن تغيير وزير الدفاع محمد زكي، واستدعاء عسكري بعد إحالته للتقاعد منذ سنوات لقيادة الجيش، قال الباحث المصري، إن "تعيين مدير الشرطة العسكرية السابق وزيرا للدفاع، يشير لرغبة في عدم تولية شخصية قوية قيادة المؤسسة العسكرية، لضمان ولائها في حال حدوث أي ضغوط شعبية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية".

وحول ما إذا كان هذا التغيير يُغضب قيادات المجلس العسكري الحاليين ويمثل عدم ثقة من السيسي فيهم أو يكشف عن حالة خوف منهم، أكد أن السيسي يقصد "التهميش وإحكام السيطرة".

"وجه آخر من السلطوية"
من جانبه، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير، إن "السيسي يعلم جيدا حجم السخط الشعبي المتزايد ضده، وخصوصا بعد رفع الدعم شبه الكلي، والانقطاع المستمر في الكهرباء فضلا عن التعويم المتتابع للعملة المحلية".

المنير، يرى في حديثه لـ"عربي21"، أنه "وبالتالي الرجل يريد تحميل المسؤولية لوجوه بعينها، وجعلها كبش فداء، فتخلص من الأقدمين في حكومته، وكأنهم المسؤولون عن السياسات الفاشلة التي أدت للوضع الحالي، وهو مهندسها وصانعها الأول".

ويعتقد أن "اللافت هو تغيير وزير الدفاع شريكه الأهم في الانقلاب"، ملمحا إلى أن "التغيير جرى في الدقائق الأخيرة قبل حلف اليمين، ما يعني وجود خلاف مع المجلس العسكري، حول الوزير الجديد".

وقال: "نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما؛ إما أن وزير الدفاع الجديد جاء بغير رضى المجلس العسكري، وهو الراجح، أو أنه جاء بعد جدال طويل معه استمر حتى قبل حلف اليمين".

وتوقع الباحث المصري، أن "يقوم السيسي، في الفترة القادمة بتغييرات في المجلس العسكري ذاته، لضمان ألا يكون الولاء له قد تذبذب بفعل ما حدث في منصب وزير الدفاع".

وأكد أنه "من الواضح أن السيسي يدرك خطورة المرحلة القادمة، وأننا على أعتاب مرحلة اضطرابات على كافة المستويات، تراجع أكثر في الأداء يقابله سخط شعبي متزايد، والرجل يبحث عن طريقة يضمن بها مزيدا من الولاء الشخصي له، ومخادعة جديدة للشعب بتقديم وجوه جديدة على العمل الحكومي، تأخذ وقتها قبل أن يتم التخلص منها كذلك".

ويرى أن أسماء مثل "بدر عبدالعاطي، وأحمد كوجك، وباقي الوزراء الجدد، مجرد سكرتارية تنفيذية للرئيس، لذلك مستوى الكفاءة من عدمها شأن ثانوي في تقرير الوزراء في مصر، ويأتي متأخرا كثيرا بعد الولاء الكامل للنظام".

وأوضح أنه "وبالتالي فوجود وزير متميز أو فاشل في منظومة خربة فاسدة يتحكم فيها فرد واحد لن تشكل فارقا، فالسيارة الخربة التي لا تتحرك لن يفرق معها وجود قائد لها ناجح أو غير ذلك".

وختم بالقول إنه "وجه آخر من السلطوية في مصر، في ذكرى الانقلاب العسكري، الذي أفرز هذه السياسات بكاملها، ولن تنتهي إلا بحراك شعبي جديد وهادر".