مع كل تغيير وزاري
يسمع الناس وعودا بإصلاح المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والمزمنة وتحسينا بمستوى
المعيشة، ومواجهة لقضايا الفقر والبطالة وسوء
الخدمات الصحية والتعليمية، وتدني حالة
المرافق العامة، إلا أن السنوات تمر ولا تتحسن الأحوال بل إنها تتراجع، وها هي
مشكلة انقطاع الكهرباء الموجودة في البلاد منذ عام كامل؛ أحد الأمثلة على عدم تحقق
وعود تحسين خدمة الكهرباء رغم ما قيل من إنفاق مرتفع على تحسين أوضاعها.
وحتى عندما وعد
رئيس
الوزراء مؤخرا بحل مشكلة الانقطاع أواخر الشهر الحالي، تبعه المتحدث باسم
مجلس الوزراء بالتصريح بأن حل مشكلة الانقطاع الذي سيبدأ أواخر الشهر الحالي
سيستمر حتى نهاية فصل الصيف ثم ستعود الانقطاعات مرة أخرى، رغم أن الاستهلاك من
الكهرباء الذي يرتفع في فصل الصيف عادة ما يقل في فصل الشتاء!
ومن داخل الأداء البيروقراطي
للحكومة
المصرية نحاول استكشاف بعض أسباب عدم تحقق وعود الوزارات المختلفة،
واستمرار مشاكل حيوية تتعلق بحياة المواطنين، مثل انقطاع مياه الشرب والكهرباء،
ونقص الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الكهرباء والصناعات عالية الاستهلاك
للطاقة كالسماد والزجاج والسيراميك، واستمرار زحام المواصلات ومشكلة السكن والبطالة
وارتفاع أسعار السلع بشكل غير مسبوق تاريخيا.
من داخل الأداء البيروقراطي للحكومة المصرية نحاول استكشاف بعض أسباب عدم تحقق وعود الوزارات المختلفة، واستمرار مشاكل حيوية تتعلق بحياة المواطنين
أولا: الحاجة
لعدة شهور لفهم طبيعة العمل بالوزارة: نظرا لقدوم كثير من الوزراء من خارج
الوزارات التي يُكلفون بها، فإنهم بحاجة لعدة أشهر للتعرف على طبيعة العمل في الوزارة،
وما يتعلق بها من تشريعات ولوائح تنفيذية، والجهات التابعة لها وأماكنها
الجغرافية، وحتى لو كان الوزير من داخل نفس الجهة فإنه سيعرف من معاونيه أسرارا
جديدة عن طبيعة العمل لم تكن متاحة له من قبل، وربما يتم تغييره بعد إلمامه بجوانب
العمل مباشرة.
ثانيا: استنزاف
الوقت بتشريفات رئيس الجمهورية: في ضوء مركزية اتخاذ القرار والحكم الاستبدادي الذي
تعيشه البلاد منذ عام 1952، جرى العرف على تكليف الوزراء بأمور غير أساسية؛ منها الاصطفاف
بمطار القاهرة لاستقبال الحاكم وضيوفه، أو توديع الحاكم عند سفره أو سفر ضيوفه،
والتجمع في أي مؤتمر عام يحضره الحاكم لمجرد التواجد دون أي دور فعال، وبسبب
إجراءات الأمن يكون التواجد قبل فترة كافية من وصول الحاكم لقاعة المؤتمر والتواجد
حتى يغادر المكان، وهو أمر توسع فيه الجنرال الحالي كثيرا، وهذا بخلاف صحبة الحاكم
في جولاته في المحافظات وفي الخارج لبعض الوزراء، علاوة على استدعاء الحاكم لهم في
أي وقت.
بريد ضخم واتصالات
لا تنقطع
ثالثا: حضور الاجتماعات
واللجان الوزارية: بخلاف اجتماعات مجلس الوزراء فهناك العديد من اللجان التي يكون
الوزراء أعضاء بها بحكم مناصبهم، إلى جانب اجتماعات الهيئات الخدمية التابعة
لوزاراتهم، ففي العام المالي 2021-2022 كان هناك 162 هيئة خدمية في الوزارات منها
40 هيئة تابعة لوزارة الصحة، وذلك بخلاف 59 هيئة اقتصادية يتعلق عمل كل منها بوزير
معين حسب التخصص، ويسعى الإداريون العاملون في تلك الهيئات لزيادة عدد اجتماعاتها
أملا في زيادة دخولهم من خلال بدلات تلك الاجتماعات السخية.
رابعا: الاستغراق
في العمليات
البيروقراطية داخل الوزارة: فهناك متابعة لسير العمل في الوزارة والجهات
التابعة لها، وما يتعلق بالعاملين بها من أجور وعلاوات ومكافأت وسفريات. فوزارة
التعليم فيها مليون و145 ألف من العاملين حتى العام الدراسي 2023/2024، وعلى
الوزير تلقي تظلماتهم من القرارت الإدارية المختلفة، ونفس الأمر لوزير التعليم
العالي المشرف على الجامعات، وكذلك مع وزير الصحة المشرف على المستشفيات الحكومية
المنتشرة في أنحاء البلاد، من أطباء وتمريض وفنيين ومعاونين، وتلقي تظلمات تكليفهم
ونحو ذلك مما يعترضون عليه من قرارات إدارية تتعلق بهم.
خامسا: فحص
البريد اليومي للوزير وإرسال ما يلزم من خطابات: حيث يتلقى الوزير مئات الرسائل الورقية
والإلكترونية من الجهات المختلفة في الدولة، سواء رئاسة الجمهورية أو رئاسة
الحكومة أو البرلمان ومجلس الشيوخ والوزارات المختلفة وجهاز المحاسبات والنقابات والاتحادات
والجامعات والسفارات الأجنبية وغيرها، وعليه النظر في بعضها بحكم منصبه واتخاذ
القرار اللازم فيها. ورغم أن سكرتارية الوزير تقوم بتلخيص محتوى تلك الرسائل
واقتراح الرد المناسب عليها، إلا أنه لا بد أن يقرأ الوزير تلك الملخصات على
كثرتها، ومن الطبيعي أن يرجع لقراءة النص الكامل لها ببعضها، الأمر الذي يضطر
بعضهم لأخذ بعض تلك الرسائل إلى منزله لفحصها خلال المساء أو في عطلة نهاية
الأسبوع.
أما غول استقطاع
وقت الوقت فيتمثل في الرد على التلفونات الواردة إليه من الجهات المختلفة، سواء
حكومية أو خاصة أو من معارفه أو أقاربه أو زملائه بالتخصص.
سادسا: حضور اللجان
المتعددة داخل الوزارة: يحضر الوزير العديد من اللجان، كلجان المشتريات اللازمة
للوزارة وما يتبعها من هيئات وأجهزة، أو لجان المبيعات أو لجان الترقيات، أو لجان
إعداد الموازنة ثم إعداد الحساب الختامى لموازنة الوزارة وما يتبعها، أو حضور
مجالس ادارات الشركات التي تساهم فيها الوزارة، أو الجمعيات العمومية لبعض تلك
الشركات، وربما يرأس الوزير بحكم منصبه بعض تلك الهيئات والشركات.
افتتاح الندوات
والمؤتمرات والمعارض
مثّل إلحاق الدولة عددا من كبار رجال الجيش الخارجين للمعاش للعمل بالوزارات المختلفة، والذين يأخذون مناصب إشرافية بحكم أقدميتهم، مشكلة إدارية، حيث لا يوجد فرق عند إلحاقهم بين الجهات التي تتطلب أعمالا فنية متخصصة، مثل تقييم أصول الشركات في وزارة قطاع الأعمال العام أو حتى داخل وزارة الأوقاف، ويثير حصول هؤلاء على مناصب إشرافية رغم عدم إجادتهم للأعمال الموكلة إليهم الإحباط لدى الكوادر العاملة بالوزارة، وهو ما يضاف إلى الصراعات بين كبار المسؤولين
سابعا: استقبال
أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ: مع وجود 596 عضوا في البرلمان و300 عضو في مجلس
الشيوخ، فإن كثيرا من هؤلاء يصطحبون أشخاصا من دوائرهم الانتخابية ويتجهون إلى مقر
الوزير لعرض مشاكلهم عليه، فإذا أجل لقاءهم تسبب ذلك في توتير للعلاقة معهم. وهذا
بخلاف حضور الوزير لاجتماعات اللجان البرلمانية المختلفة التي تطلب حضور الوزير،
وبخلاف حضور الوزير للجلسات العامة للبرلمان سواء للحديث أو بصبحة الحاكم أو رئيس
الوزراء أو للرد على تساؤلات الأعضاء. ويضاف إلى هؤلاء زوار الفجأة من كبار
المسؤلين السابقين الذين يرغبون بمقابلته بدون موعد سابق، سواء رؤساء وزارة سابقين
أو وزراء سابقين من العيار الثقيل، وكذلك من الجهات السيادية والرقابية وغيرهم.
ثامنا: حضور
الندوات والمؤتمرات والمعارض: عادة ما يفتتح الوزير الندوات والمؤتمرات والمعارض التي
تنظمها وزارته أو الجهات التابعة، وكذلك الجهات الأخرى، سواء جهات إعلامية أو
جامعات أو اتحادات ونقابات تنظم ندوات أو مؤتمرات أو معارض، بل يصل الأمر ببعض
الوزراء خاصة من الأكاديميين للمشاركة بأبحاث في بعض المؤتمرات أو المشاركة في
الإشراف على رسائل جامعية. ويتصل بذلك ممارسة الوزير لهوياته الخاصة مثل مشاهدة
مباريات الكرة سواء على الشاشات أو في الملاعب.
تاسعا: أداء
الواجبات الاجتماعية من تهنئة وعزاء: من المألوف قيام الوزير بتلبية دعوات زملاءه
من الوزراء وكبار المسؤلين بالدولة لحضور حفلات زواج أولادهم، وقد يمتد الأمر
لحضور حفلات زفاف أبناء كبار العاملين في الوزارة، بخلاف حفلات زواج أقاربه
ومعارفه من زملاء الدراسة أو التخصص، ويتكرر الأمر مع حضور سرادقات العزاء في
أقارب كبار المسؤولين وكبار العاملين في الوزارة والجهات التابعة لها، والعزاء في
أحزان أسر أقاربه ومعارفه.
عاشرا: وقت وسائل
الإعلام: يستقطع التعامل مع وسائل الإعلام وقتا غير قليل من الوزير، سواء
بمقابلاته مع مندوبي تلك الوسائل داخل الوزارة أو ذهابه إليهم في الاستديوهات ومقار
الصحف، وتحقيق طلباتهم الخدمية من الوزارة مثلما يحدث في موسم القبول في المدارس وتوقيع
طلبات الاستثناء من الكثافات أو السن المقرر مع وزير التعليم، وطلبات التكليف للأطباء
والصيادلة في مناطق معينة مع وزير الصحة، أو غير ذلك من أنواع الاستثناءات
بالوزارات المختلفة.
ودخلت وسائل
التواصل الاجتماعي لتستقطع وقتا أكبر سواء لمتابعة ما يدور فيها عموما أو يخص
الوزارة، وردود الجمهور على مضمون المواقع الإلكترونية للوزارة.
عمالة الجيش وضعف
الموازنات
أحد عشر: معوقات
أداء العمل داخل الوزارة: مثّل إلحاق الدولة عددا من كبار رجال الجيش الخارجين
للمعاش للعمل بالوزارات المختلفة، والذين يأخذون مناصب إشرافية بحكم أقدميتهم،
مشكلة إدارية، حيث لا يوجد فرق عند إلحاقهم بين الجهات التي تتطلب أعمالا فنية
متخصصة، مثل تقييم أصول الشركات في وزارة قطاع الأعمال العام أو حتى داخل وزارة
الأوقاف، ويثير حصول هؤلاء على مناصب إشرافية رغم عدم إجادتهم للأعمال الموكلة
إليهم الإحباط لدى الكوادر العاملة بالوزارة، وهو ما يضاف إلى الصراعات بين كبار المسؤولين
التي تسبب في تعطيل العمل أو بطء مساره، أو الغضب المكتوم من الوزير والتراخي في الاستجابة
لمطالبه.
عندما تكون هناك سطوة للحاكم بالنظم الدكتاتورية فإنه يتدخل في أعمال الوزارات المختلفة، وهو ما يتضح من تدخل الجنرال في شؤون الوزارات المختلفة حتى الأعمال الفنية منها، ومن ذلك تدخله بالتوسع في إنشاء محطات إنتاج الكهرباء من مختلف المصادر، دون التوسع في قدرات شبكة نقل تلك الكهرباء المولدة إلى شركات التوزيع
ثاني عشر: ضعف
الموازنات المخصصة: بسبب العجز المزمن في الموازنة الحكومية تقوم وزارة المالية
بتخصيص مبالغ أقل من الاحتياجات، كما تتأخر في توقيتات وصولها مما يؤثر على زمن إنجاز
المشروعات ويطيل أجلها لسنوات إضافية، ولا تتيح البيروقراطية والمركزية للوزير الابتكار
لأدوات تمويل أخرى كإصدار سندات أو صكوك ونحو ذلك، وحتى حصيلة بيع بعض أصول
الوزارة لا يستفيد بها، حيث تذهب إلى المالك الذي تنوب عنه وزارة المالية، وأحيانا
إلى الصندوق السيادي خلال السنوات الأخيرة.
ثالث عشر: التدخل
في عمله: عندما تكون هناك سطوة للحاكم بالنظم الدكتاتورية فإنه يتدخل في أعمال
الوزارات المختلفة، وهو ما يتضح من تدخل الجنرال في شؤون الوزارات المختلفة حتى الأعمال
الفنية منها، ومن ذلك تدخله بالتوسع في إنشاء محطات إنتاج الكهرباء من مختلف
المصادر، دون التوسع في قدرات شبكة نقل تلك الكهرباء المولدة إلى شركات التوزيع،
ورغم أن وزير الكهرباء السابق شاكر المرقبي كان صاحب مكتب استشاري لتخطيط مشروعات
الكهرباء قبل توليه الوزارة، إلا أنه لا بد أن ينفذ تعليمات الحاكم.
وهذ ما تكرر في مشروعات
عاصمة جديدة أعطتها الحكومة الأولوية، وقطارات سريعة ومونوريل لم تكن لها أولوية،
ولكن على وزير النقل أن ينفذها قبل غيرها من مشروعات النقل الخاصة بالسكة الحديد. ورضخ
وزير الاسكان السابق لبناء مدينة العلمين والتوسع فيها قبل إنجاز مدن أخرى أكثر
حيوية للمواطنين، ونفذ مسؤولو الزراعة طلب الحاكم في التوسع في الصوبات الزراعية
دون إجراء الدراسات الكافية، والنتيجة تعثر كثير منها، وهو ما تكرر مع مشروعات
أخرى بمجالات مختلفة.
x.com/mamdouh_alwaly