في خطوة مفاجئة، أعلنت دولة جنوب
السودان مصادقتها على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض
النيل، المعروفة باسم "اتفاقية عنتيبي". وبذلك، أعادت هذه الخطوة الاتفاقية المثيرة للجدل إلى صدارة المشهد من جديد.
ولم يصدر أي رد رسمي من
مصر إزاء هذه الخطوة التي تعتبر غير متوقعة.
وتأتي مصادقة
جنوب السودان على الاتفاقية بمثابة تحول كبير في موقفها، خاصةً مع العلاقات القوية التي تربطها بمصر.
وكانت مصر داعما قويا لجنوب السودان في حربها من أجل الاستقلال، في ظل الخلافات بين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والرئيس السوداني السابق عمر البشير، وواصلت تقديم المساعدات الاقتصادية والسياسية بعد ذلك.
وتعيد هذه الخطوة الاتفاقية المثيرة للجدل إلى الواجهة من جديد، خاصةً مع تزامنها مع أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، واكتمال بناء السد بنسبة 95% دون التوصل إلى اتفاق ملزم بين الدول الثلاث.
ما هي اتفاقية عنتيبي؟
اتفاقية عنتيبي، أو الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، هي اتفاقية تم توقيعها في عام 2010 من قبل 5 دول من دول منابع النيل (إثيوبيا، أوغندا، كينيا، تنزانيا، رواندا).
تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجال إدارة موارد المياه في النيل، وتقاسمها بشكل عادل بين الدول الأعضاء.
ما هي أهم بنود الاتفاقية؟
إنهاء الحصص التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان) وفقا لاتفاقيات 1929 و1959.
إدخال مفهوم "توزيع المياه العادل" بشكل فعلي للمناقشات المتعلقة بحوكمة النيل.
إلغاء الحظر التاريخي على دول المنبع لإقامة منشآت على ضفاف النيل.
إلغاء الفيتو المصري على مشروعات دول المنبع.
رفضت مصر والسودان التوقيع على الاتفاقية، واعتبرتاها "مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية"، وتخشى الدولتان من أن تُؤدي الاتفاقية إلى تقليل حصصهما من مياه النيل، وتُهدد أمنهما المائي.
في
حزيران/ يونيو 2010: أعلنت الخرطوم تجميد عضويتها في مبادرة حوض نهر النيل، بعد رفض الدول الخمس التراجع عن الاتفاقية.
وفي
تشرين الأول /أكتوبر 2010: جمدت مصر عضويتها في مبادرة حوض النيل كرد فعل بعد توقيع دول منابع النيل على "اتفاقية عنتيبي".
وصف مساعد وزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، موقف جوبا "بالمتماشي مع مصالحها ومصالح الجانب الأفريقي، وكل دولة تنضم إلى الاتفاقية وتصدق عليها يؤثر بشكل سلبي على موقف مصر والسودان في مطالبهم بحقوقهم التاريخية في مياه النيل".
على الصعيد الدبلوماسي، يرى في حديثه لـ"عربي21": "أن غياب الدور المصري في التأثير على مواقف دول حوض النيل قد يضعف من موقفها الاستراتيجي في المنطقة، مما يستدعي إعادة تقييم السياسات والتحالفات الخارجية لمصر، وهذا الدور نفتقده منذ رحيل جمال عبد الناصر".
تأثير عودة اتفاقية عنتيبي على أزمة سد النهضة
عودة اتفاقية عنتيبي للواجهة تأتي في ظل أزمة مستمرة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى بسبب سد النهضة.
هذا التطور يضيف بعدا جديدا للأزمة، حيث أن توقيع جنوب السودان على الاتفاقية قد يعزز موقف دول المنبع ويضعف الموقف التفاوضي لمصر والسودان، حيث أن إثيوبيا قد تستغل هذا التغير في موقف جوبا لتعزيز موقفها التفاوضي.
دوافع التحول: ماذا وراء توقيع جنوب السودان؟
لا تزال دوافع تحول موقف جنوب السودان غير واضحة تماما، ما يثير العديد من التساؤلات.
لكن تشير بعض التحليلات إلى أن جوبا قد سعت إلى تحسين علاقاتها مع دول حوض النيل الأخرى، خاصةً مع إثيوبيا، التي تُعد من الدول الداعمة لاتفاقية عنتيبي.
كما قد تكون جنوب السودان قد سعت إلى توقيع الاتفاقية لأسباب اقتصادية، حيث تُقدم الاتفاقية إمكانية الوصول إلى تمويل دولي لمشاريع تنموية مرتبطة بالنيل.
جوبا والانتماء الأفريقي الجنوبي
علق مستشار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بشأن مياه النيل سابقا، محمد محيي الدين، على التحول المفاجئ في موقف جوبا بالقول: "جنوب السودان ترى نفسها جزءا من أفريقيا وليس كجزء من الشمال الأفريقي العربي الإسلامي، وبالتالي توجهاتها الأساسية مع الجنوب الأفريقي والذي تختلف مصالحه عن مصالح الشمال خاصة فيما يتعلق بمجال المياه".
مضيفا لـ"عربي21": "جوبا ترى في الانضمام إلى الهضبة الأفريقية مصالح أكبر خاصة أنها أقرب إليهم دينيا وعرقيا وثقافيا، وهي كدولة سوف تسعى لتحقيق مصالحها، مسألة الانضمام من عدمه هو حق لها كدولة واقعة ضمن دول حوض النيل، ولكن هل يعني تصديقها على الاتفاقية أنه سوف ينتج عنه مواقف مضادة لمصر والسودان أم أن هذه الخطوة لن تؤثر؟ يجب أن ننتظر ونرى كيف سوف تتصرف جوبا في هذه المسألة".
وأوضح العضو السابق في اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي، أن "مصر والسودان خارج الاتفاقية منذ رفضتا الانضمام والتوقيع بشكل رسمي بعد تجميد عضويتهما في المبادرة عام 2010 لأنها لا تضمن حصصهما التاريخية في مياه نهر النيل".
واعتبر أن "اتفاقية إعلان المبادئ في الخرطوم عام 2015 هي الأخطر على حقوق مصر المائية لأنها حولت النهر من مجرى دولي إلى مجرى عابر للحدود".
هل تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ؟
قلل العضو السابق بالوفد السوداني في مفاوضات سد النهضة، الدكتور أحمد المفتي، من تصديق جوبا على اتفاقية عنتيبي، وقال: "انضمام دولة جنوب السودان إلى اتفاقية عنتيبي لا يعني دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، إذ يتطلب النصاب القانوني موافقة سبع دول من حوض النيل".
وأوضح لـ"عربي21": "حاليًا، بلغ عدد الدول الموافقة ست دول فقط وهي: أوغندا، ورواندا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وكينيا، وجنوب السودان. الدول التي لم توافق بعد تشمل السودان، ومصر، والكونغو، وبوروندي، وإريتريا (التي لم تشارك أصلاً). الجهات المانحة لإعداد اتفاقية عنتيبي ومبادرة دول حوض النيل منذ عام 1995، مثل الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، قد طالبت منذ عام 2009 بضرورة موافقة جميع دول حوض النيل لضمان الاستقرار في المنطقة".
وبيّن خبير القانون الدولي للمياه: "أن تفعيل اتفاقية عنتيبي يُعد مستحيلاً بسبب المادة 30 التي تنص على أن مفوضية دول حوض النيل، التي ستنشأ بموجب الاتفاقية، ستحل محل مبادرة دول حوض النيل التي بدأت منذ عام 1999. المبادرة تملكها جميع دول حوض النيل، وليس فقط الدول السبع التي وافقت على الاتفاقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إثيوبيا، التي كانت من أكثر المؤيدين لاتفاقية عنتيبي، شيدت سد النهضة خارج إطار الاتفاقية ولن تقبل إخضاعه لها".