أثارت الأنباء التي كشفتها وسائل إعلام تركية حول استبعاد إيران من أول لقاء مرتقب بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس
النظام السوري، بشار الأسد، تساؤلات عن رد فعل
طهران، واحتمالية تدخّلها لعرقلة الاجتماع المقرر في العاصمة الروسية موسكو.
وكانت صحيفة "
ديلي صباح" التركية، قد رجّحت نقلا عن مصدر، أن يلتقي أردوغان بالأسد، في آب/ أغسطس القادم بموسكو، موضّحة أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سوف يتوسط المحادثات التي يمكن أن يدعى إليها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني.
الصحيفة رجّحت أن يجري الاجتماع بغياب إيران، معتبرة أن استبعاد إيران المحتمل قد يكون مؤشرا قويا على الخلافات المستمرة والمنافسة بين موسكو وطهران، بشأن سوريا، ومستقبل البلاد بعد الحرب.
كذلك تحدّثت عن حذر روسي دائم من قوة المليشيات الموالية لإيران غير المقيدة والمتنامية في سوريا ومستقبلها بعد الحرب، لافتة إلى وجود خلافات حول القيادة والعمليات العسكرية واستخدام القواعد الإيرانية وموقف طهران المتشدد في المحادثات، بما في ذلك صيغة "أستانا" والنهج الإيراني تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
عرقلة المسار
وفي حين لم تنف مصادر رسمية تركية أو تؤكّد الأنباء هذه، يرى محللون أن إيران لن تكتفي بدور المراقب.
وفي هذا الجانب، لا يستبعد الأكاديمي والباحث المختص بالشأن الإيراني، غداف راجح، أن تسعى طهران لتعطيل أي مسار أو مبادرة أو لقاء لا يحفظ مصالحها في سوريا، مشيراً إلى الرسالة التي سلمها المستشار بوزارة الخارجية الإيرانية علي أصغر حاجي للأسد من أجل إيقاف هذا اللقاء، مؤخراً.
وقال لـ"عربي21" إن الأسد يقف بصف إيران في هذه النقطة، فهو يعلم أن مضيه في أي من المسارات سوف يؤدي حكما لتقليص صلاحياته، ومن ثم إجراء انتقال سلمي وسلس للسلطة في سوريا، وهذا هو لبّ كل المبادرات واللقاءات والمسارات، ولهذا فهو يبدي انصياعا أكبر للموقف الإيراني، على حساب الموقف الروسي، الذي لا يهمه بشار الأسد شخصيا بقدر ما يهمه الحفاظ على مصالحه.
وتابع راجح، بأن كل المكاسب الإيرانية في سوريا، ترتبط بشكل مباشر بشخص بشار الأسد، وهي لن تضحي به بسهولة، ولهذا كما شاهدنا قبل مقتل الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، كيف تم إيقاف مبادرة "خطوة بخطوة" العربية.
وتابع بقوله: "لو اعتبرنا أن السيناريو الأقل خطورة بالنسبة لطهران هو بقاء الأسد "إلى حين"، فإن المصالحة التركية مع النظام، ستؤدي إلى قضم الأتراك لأجزاء من الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا وخصوصا الاقتصادي والسياسي، وستصبح
تركيا لاعبا رئيسيا في أروقة النظام، الذي تتقاسمه الآن روسيا وإيران".
ويعني كل ذلك، من وجهة نظر راجح، أن إيران ستحاول جاهدة إيقاف أي لقاء بين الأسد وأردوغان، مستدركا بالقول: "غير أن روسيا وهي الساعية لعقد هذا اللقاء، من الممكن أن تنجح في عقد اللقاء، وهنا لن تستطيع إيران أن تفعل شيئا، فمن غير الممكن أن تقف إيران بوجه روسيا".
ويتفق مع راجح، الباحث المختص بالشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، الذي يجزم بأن إيران ستعطل أي مسار ما لم تضمن مصالحها في سوريا، مؤكداً لـ"عربي21" أن "الضغوط التي سوف تمارسها روسيا على إيران كبيرة".
كذلك، يلفت النعيمي إلى العامل الأمريكي الذي يعتبر عاملا حاسما، وخاصة في حال لم يتطابق مسار التطبيع التركي مع النظام السوري مع مصلحة واشنطن، معتبرا أن "الولايات المتحدة في هذه المرحلة بالتحديد هي غير ملتفة للملف السوري لأسباب منها الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وأولوية الأزمات الدولية".
فرض أجندات
من جهته، يرى الباحث المختص بالشأن الإيراني، ضياء قدور، أنه على الرغم من ترحيب إيران العلني بحل الخلافات السورية التركية على لسان خاجي كبير مستشاري وزير الخارجية، إلا أن طهران، رغم عدم اكتمال تشكيلة حكومتها الجديدة بعد، فإنها تبدو مهتمة بشدة في متابعة دقيقة وحثيثة لتفاصيل المفاوضات السورية التركية برعاية روسية.
ويضيف لـ"عربي21"، أنه خلافا للعلاقات العربية الجديدة التي تم فتح قنواتها مؤخرا بسهولة نسبية، تنظر طهران لهذه التطورات الجديدة التي بات من الواضح أنها لا تمر عبر قنواتها الخاصة، على أنها جهود تهدف لعزل إيران في سوريا، ما قد يشكل خسارة استراتيجية محتملة لها.
ويتابع قدور، بأنه من الواضح أن طهران تحمل أجندة متشددة وغير واقعية تفرضها على النظام السوري لعرقلة أي جهود لتقدم التقارب المرتقب، ويكمل: "ترى طهران أن عملية تعويم النظام الإقليمية والدولية إلى حد ما باتت أشبه بالأمر الواقع أو تحصيل حاصل مع تغير الظروف لذلك لا يجب تقديم الكثير من الامتيازات الخطيرة لتركيا في عملية التقارب المحتملة، ورفع حد المطالبات إلى أقصى حد".
ويختتم بقوله: "على ما يبدو أن طهران لن تقبل أي تحرك من جانب النظام للتقارب مع تركيا قبل بدء الأخيرة بعملية انسحاب فعلي لقواتها من سوريا، وخاصة أنه بعد تراجع روسيا الجزئي من المشهد السوري بسبب الحرب الأوكرانية، فإن طهران تنظر لنفسها على أنها الفاعل الوحيد والمؤثر في الديناميكيات السورية، ويجب على كل التطورات الحاسمة في سوريا أن تدار بقيادتها".
إيران لن تتدخل
في المقابل، يؤكد المستشار الدولي المقرب من إيران هادي دلول، أن إيران ستتدخل في مسار التقارب التركي مع النظام السوري، في حال كان هناك تدخلات خارجية لتخريب المسار، من أطراف إقليمية مثل الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول لـ"عربي21"، إن الهدف من كل ما يجري في المنطقة، هو حماية الدول من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والاحتلال، وبالتالي فإنها لن تتدخل طهران، وهي التي لو كانت تريد مصلحة في سوريا، لكانت قد حجزت حصتها من الثروات النفطية السورية منذ العام 2012.
ومتصف تموز/ يوليو الجاري، كان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد ربط إمكانية اللقاء بالرئيس التركي بتحقيق نتائج، قائلاً: "إذا كان اللقاء أو العناق أو العتاب أو تبويس اللحى، كما يقال بالعامية، يحقق مصلحة البلد، سأقوم به، لكن المشكلة لا تكمن هنا، بل في مضمون اللقاء".