أنهى وزير الخارجية التركي هاكان
فيدان، زيارة استمرت يومين إلى
مصر، على وقع تفاقم التوترات في المنطقة بين الاحتلال وإيران، بالإضافة إلى تعزيز مساعي أنقرة والقاهرة إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، التي من المقرر أن تتوج بزيارة قريبة لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى
تركيا.
والتقى فيدان خلال زيارته بالسيسي في مدينة العلمين غربي مدينة الإسكندرية شمالي مصر، كما اجتمع بشكل منفصل مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في المدينة ذاتها.
كما أجرى وزير الخارجية التركي مباحثات مطولة مع نظيره المصري بدر عبد العاطي، الذي أكد أن هناك مسارا إيجابيا تشهده علاقات بلاده مع تركيا.
وقال عبد العاطي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي في العاصمة المصرية القاهرة: "تحدثت مع صديقي العزيز الوزير هاكان اليوم بشكل مطول حول سبل المزيد من تعزيز التعاون، وأكدنا على ضرورة البناء على المسار الإيجابي الذي تشهده العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية في الآونة الأخيرة".
وأضاف: "اتفقت مع أخي الوزير هاكان على البدء في التحضير لانعقاد أول دورة لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين على مستوى رئيسي البلدين".
وأشار الوزير المصري، إلى أن الزيارات المتبادلة بين المسؤولين المصريين والأتراك تهدف "لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين بما يحقق مصالح شعبيهما، كما تسهم هذه اللقاءات في تحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي بواقع ما يمثله البلدان من ثقل وحضور ظاهر في محيطهما".
وتشهد العلاقات التركية المصرية تقدما ملحوظا على كافة الأصعدة، وكانت حرب الاحتلال الإسرائيلي على
غزة أخرت لقاء متوقعا بين رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة.
وتتزامن زيارة فيدان إلى مصر مع تسارع الاستعدادات في أنقرة لوضع الترتيبات اللازمة لزيارة السيسي إلى تركيا، بعدما اختتم مجلس رجال الأعمال التركي – المصري محادثات في إسطنبول لتنسيق المواقف، وبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، والإعلان عن مشاريع جديدة خلال زيارة السيسي.
وتأتي زيارة السيسي المرتقبة إلى تركيا، ردا على زيارة مماثلة أجراها الرئيس التركي إلى مصر في شهر شباط /فبراير الماضي، لأول مرة منذ 12 عاما من القطيعة بين البلدين عقب الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي، وانتهى به في سدة الحكم لثلاث ولايات على التوالي.
وجاءت زيارة أردوغان إلى مصر عقب جهود حثيثة بذلها الجانبان على مدى الأعوام الثلاثة الماضية من أجل تجاوز الخلافات، التي تصاعدت في العديد من الملفات.
يرى الباحث التركي بالعلاقات الدولية علي أسمر، في حديثه إلى "عربي21"، أن زيارة فيدان التي التقى خلالها السيسي ونظيره المصري بدر عبد العاطي، تهدف إلى "وضع اللمسات الأخيرة لمسار العلاقات التركية المصرية الجديد".
ويلفت أسمر، إلى أنه من الممكن القول أن الزيارة هي "زيارة تحضيرية لزيارة السيسي إلى تركيا قريبا، بالإضافة إلى مناقشة الاتفاقيات المتنوعة التي سيتم توقيعها في اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي التركي المصري رفيع المستوى عند زيارة الرئيس المصري إلى أنقرة".
توترات إقليمية متصاعدة
وفي السياق، تأتي زيارة فيدان على وقع تصاعد التوترات في المنطقة على خلفية اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لرئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، الأسبوع الماضي.
وتسود المنطقة حالة من الترقب وسط توقعات بقرب الرد الإيراني المحتمل على اغتيال الشهيد هنية في طهران، وذلك بعد توعد إيران على لسان العديد من كبار مسؤوليها "برد قاس" على عملية الاغتيال التي نفذت على أراضيها.
بهذا الخصوص، قال فيدان خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري، إن "كبير مفاوضي وقف إطلاق النار(إسماعيل هنية) قُتل بشكل خسيس جراء اغتيال نفذته إسرائيل".
وأضاف أن من يدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي "بلا قيد أو شرط هو المسؤول الرئيسي عن زعزعة أسس النظام الدولي"، في إشارة إلى دول الغرب عموما والولايات المتحدة بوجه خاص.
وشدد الوزير التركي على أنه "يجب على الذين يدعمون إسرائيل أن يتراجعوا عن هذا الخطأ في أسرع وقت ممكن. وإذا لم تتوقف المذبحة في غزة، فلن تدفع منطقتنا وحدها، بل العالم كله، ثمنا باهظا"، حسب وكالة الأناضول.
والأحد، أجرى فيدان زيارة إلى ميناء العريش المصري ومعبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وشدد فيدان على أن "إغلاق إسرائيل للبوابة الحدودية، واستهداف قوافل الإغاثة، وقتل عمال الإغاثة، ومنع إجلاء المرضى والمدنيين، والتسبب في تعفن آلاف الشاحنات من الإمدادات الإنسانية، هو جريمة ضد الإنسانية، والمرحلة الأولى من الإبادة الجماعية التي تقوم بها على الجانب الآخر من الحدود".
وأشار الوزير التركي إلى أن بلاده "أرسلت أكثر من 56 ألف طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة حتى الآن، وهي الدولة التي قدمت أكبر قدر من المساعدات لغزة، وإسرائيل منزعج من إرسال المساعدات إلى غزة".
الباحث أسمر يرى أن "زيارة فيدان إلى مصر في هذا التوقيت تشير إلى التنسيق التركي المصري تجاه القضية الفلسطينية وملف المساعدات الإنسانية لغزة"، موضحا أن "هذا ما لمسناه من زيارة الوزير التركي إلى معبر رفح الحدودي".
ووفقا لحديث الباحث التركي، فإن الزيارة لم تقتصر على هذه الملفات وحسب، بل إن تقدم العلاقات الحاصل بين البلدين سيتبعه "تقارب إلى حد ما في الملفات الإقليمية مثل ليبيا والسودان والصومال سوريا".
وكان وزير الخارجية المصري، أوضح أنه بحث مع نظيره التركي خلال المناقشات التي جرت بينها العديد من الملفات منها الملف الليبي والتقارب التركي مع النظام السوري، بالإضافة إلى الصراع المتواصل في السودان منذ نيسان /أبريل الماضي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، لفت الوزير المصري إلى توافق البلدين على "تكثيف العمل معا خلال الفترة القصيرة المقبلة للوصول بالتبادل التجاري بين مصر وتركيا إلى 15 مليار دولار".
وباختصار، يوضح أسمر في ختام حديثه لـ"عربي 21"، أنه "من الممكن القول إن مثل هذه الزيارات تهدف إلى إعادة بناء الثقة بين تركيا ومصر".
و"كلما تم بناء هذه الثقة بشكل رصين، كانت العلاقات التركية المصرية أقوى وذات مرونة أكبر تجاه التحديات الإقليمية والدولية"، حسب الباحث.