منذ بدء الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، تزايدت أعمال العنف الإرهابية والتحريضية من قبل
المستوطنين الإسرائيليين في
الضفة الغربية، التي يقيم فيها أكثر من 720 ألف مستوطن، وسط عقوبات دولية عليهم، ودعم متزايد لهم من قبل ائتلاف نتنياهو الحالي.
ونشرت صحيفة "صاندي تايمز" تقريرا عن المستوطنين في الضفة الذين يحملون السلاح ويقولون للفلسطيني سأقتلك.
وفي زيارة لمراسلة الصحيفة كريستيانا لامب إلى مستوطنة "أفيتار" قرب بلدة بيتا من محافظة نابلس، التقت مع فتيات تتراوح أعمارهن ما بين 14 - 16 عاما جئن للتدرب على كيفية احتلال أراضي
الفلسطينيين وخرق القانون الدولي.
وتقول مسؤولة معسكر التدريب إيمونا بيلا، 19 عاما: "وعدنا الرب بهذه الأرض، وقال لنا إن لم تسيطروا عليها فسيأخذها الناس الأشرار، وستندلع الحرب.. لماذا نحوض الحرب في غزة؟ لأننا لم نسيطر على غزة".
وقالت لامب إن المعلمة الروحية للبنات هي دانييلا فايس، 79 عاما، وتقوم بإنشاء مستوطنات غير شرعية على أراضي الفلسطينيين منذ 49 عاما، ضمن حركة "ناتشالا" أو "الوطن"، ووضعت قبل فترة تحت طائلة العقوبات الدولية.
وأخبرت فايس البنات البالغ عددهن 50: "ستكن السفيرات الجديدات" و"أسميه فداء وليس استيطانا، وهذا هو واجبنا"، وعرضت خريطة لـ"إسرائيل" والأراضي الفلسطينية المنقطة برموز مرصعة بأشكال منازل وردية تمثل المستوطنات اليهودية القائمة والمقترحة، ولا تقتصر هذه المستوطنات على الضفة الغربية فحسب، بل تشمل غزة أيضا.
وقالت للصحفية إن 674 شخصا سجلوا أسماءهم بالفعل للحصول على قطعة أرض على شاطئ البحر هناك. وعندما سألها البعض عن
الاستيطان في لبنان، ابتسمت وقالت: "نعم وهناك أيضا".
وفي الوقت الذي تركز فيه انتباه العالم خلال العشرة أشهر الماضية على غزة التي استشهد فيها حسب وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 40 ألف شخص، لكن الكثير في "إسرائيل" والضفة الغربية يرون أن جيش الاحتلال فتح جبهة ثانية في الضفة، حيث ضاعف المستوطنون اليهود المدعومون من الحكومة من الاحتلال العنف ضد الفلسطينيين، وبمستويات غير مسبوقة.
وفي الوقت الذي كانت الصحفية تتحدث فيه مع فايس، كانت جرافة تقوم بنقل الأسمنت أماما وخلفا، وكان الرجال يفرغون الأثاث ويهدمون الجدران.
وكانت النساء يتجولن مع أطفالهن، الذين كانوا يلعبون في ملعب جديد مغطى بالعشب الصناعي والعلم الإسرائيلي يرفرف عاليا. وتم إنشاء مستوطنة "أفيتار" قبل عدة سنوات، لكن السلطات الإسرائيلية اعتبرتها غير شرعية، وأجلت المستوطنين عنها في 2021، وبعد مقتل أربعة مستوطنين في حزيران/ يونيو العام الماضي، عاد المستوطنون إليها.
وتقول فايس: "هذا مكان خاص جدا.. لدينا عائلات مكونة من ثماني إلى عشرة أفراد في الفلل ومدرسة دينية فيها 110 طالبا، ولديها إمكانية لأن تتحول إلى مدينة كبيرة".
وفي الشهر الماضي، أعلن صديقها، الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، أن "الحكومة الأمنية قررت اعتبار المستوطنة قانونية مع أربع مستوطنات أخرى"، في وقت اعتبرت فيه محكمة العدل الدولية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بأنه غير قانوني و"جريمة حرب"، في حكم أصدرته الشهر الماضي.
وتعلق الصحفية بأن الضفة الغربية التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967 تحولت اليوم إلى عالم بائس مسور بالأسلاك الشائكة واللافتات التحذيرية التي تحذر من الدخول ونقاط المراقبة المسلحة ونقاط التفتيش، وأحيانا الموسيقى الصاخبة التي تملأ الأحياء.
وهناك بوابات معدنية وكتل خرسانية تغلق الشوارع، بشكل حول المدن الفلسطينية التي كانت تعج بالحركة والحياة مثل الخليل إلى مدن أشباح.
وقابلت الصحفية التي تجولت لعدة أيام الأسبوع الماضي في الضفة الغربية، فلسطينيين استشهد أبناؤهم وعائلات تعيش تحت الحصار بسبب المستوطنين الذين يطلقون النار على خزانات المياه والألواح الشمسية، ويرهبون مواشيهم بالمسيرات، ما أجبر مجتمعات كاملة على ترك قراها.
وتقول إنها عملت مراسلة بالضفة الغربية عام 2002، في أثناء الانتفاضة الثانية، وصدمت عندما وجدت العديد من سكانها يقولون إن الوضع أسوأ، فالعنف اليوم لا يأتي من المستوطنين فحسب، بل ومن التوغل الإسرائيلي المستمر.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن فلسطينيا واحدا قتل كل يوم هذا الشهر بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على الضفة الغربية.
وقالت شاي بارنيز من المنظمة الحقوقية الإسرائيلية بيتسليم، إن "العشرة الأشهر الماضية كانت الأسوأ في تاريخ الضفة الغربية".
وبحسب أحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، استشهاد أكثر من 600 فلسطيني في الضفة الغربية منذ هجمات تشرين الأول/أكتوبر على أيدي المستوطنين والجيش، مما يجعل هذا العام الأكثر دموية منذ مراقبة وتسجيل أرقام القتلى قبل عشرين عاما.
كما أحصى المكتب 1270 هجوما شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي والتي تسببت بموت ودمار للممتلكات. وفي الوقت نفسه ظهرت 20 كتلة استيطانية وأجبر 18 تجمعا فلسطينيا على ترك قرى أجدادهم.
وأصبح الوضع مثيرا للقلق لدرجة أن مدير جهاز الأمن الداخلي، شين بيت رونين بار كتب في الأسبوع الماضي، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب، محذرا من أن "الإرهاب اليهودي" من قبل المستوطنين العنيفين يلحق "ضررا لا يوصف" بـ "إسرائيل".
وشجعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اليهود على الاستيطان في الضفة الغربية حيث قدمت لهم حماية الجيش ووفرت المياه والكهرباء وشقت الطرق وأقامت شبكات إنترنت، وبات هناك 700,000 مستوطنا يعيشون في 130 مستوطنة إسرائيلية وسط 2.7 مليون فلسطيني.
وتضم الحكومة الحالية وهي الأكثر تطرفا في تاريخ "إسرائيل" وزيرين يعيشان في المستوطنات، وهما سموريتش ووزير الأمن إيتمار بن غفير، ويعتقدان بالحق الإلهي لليهود في أراضي الفلسطينيين ويعارضان أي دولة لهم.
ونشر بن غفير في تشرين الأول/أكتوبر له وهو يوزع أسلحة أتوماتيكية على المستوطنين، أما نتنياهو فقد ضاعف من ميزانية وزارة الاستيطان. وظهرت طرق سريعة جديدة تتجاوز المدن الفلسطينية وتربط بين مجتمعات المستوطنين الجديدة.
وقال مكتب نتنياهو إن "الغالبية العظمى من سكان الضفة الغربية مواطنون ملتزمون بالقانون، وكثيرون منهم يقاتلون الآن في الخدمة الفعلية والاحتياطية لحماية إسرائيل".
ولكن ما قام به المستوطنون في قرية جيت، في 15 آب/ أغسطس لا يعطي صورة عن التزام بالقانون، فقد تعرضت في مساء ذلك اليوم لهجوم وصفه الخارجية البريطاني ديفيد لامي بـ "المثير للاشمئزاز"، حيث وصل المستوطنون وبدأوا بإشعال النار في السيارات والمنازل.
وأصيب رشيد سيدا، 23 عاما برصاصة في أثناء محاولته طردهم، وبينما كان ينزف حتى الموت لم تتمكن أي فرق الإنقاذ الطبية من الوصول إليه لأن الجيش والشرطة أغلقا الطريق الوحيد المؤدي إلى القرية.
وقالت والدته إيمان التي كانت تجلس على أريكة بجانب إكليل ورد يحيط بصورة ابنها: "لو سمحوا للإسعاف لما مات".
وكان خبير تكنولوجيا المعلومات هو المعيل الوحيد لوالديه وخمسة أشقاء، لأن "إسرائيل" سحبت بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر تصاريح العمل والسفر لنحو 200 ألف فلسطيني يعملون في "إسرائيل".
وعلى بعد سبعين ميلا، في بلدة بني نعيم التقت لامب مدرس الأحياء محمود قحير، 33 عاما والذي يعيش مع والديه و20 من أفراد عائلته. ويعيشون جميعا مع 800 رأس غنم وضعت في حظيرة لخوفهم من أخذها إلى المراعي لترعى.
وبعد أيام قليلة من هجمات تشرين الأول/أكتوبر جاء مستوطن اسمه ماتانيا وعلق نجمة داوود على السياج وأقام نقطة صغيرة على التلة التي تعتبر جزءا من أرضهم، ويقوم منذ ذلك الوقت بالتحرش بهم. وقال قحير عن المستوطن إنه " يضرب المواشي ويرمي الحجارة أو يأتي على دراجة نارية لإخافتها".
وشاهدت الصحفية صورا على هاتف المدرس وتظهر محاولة المستوطن سرقة المواشي ومنع العائلة له. ويضيف قحير:" أطلق النار على خزان المياه الخاص بنا. وفي بعض الأحيان يأتي ويجلس أمامنا مسلحا ويقول: سأقتلك يا محمود". ويطلب منا المغادرة ويقول: "هذا منزلي وليس منزلك".
ويضيف: "لقد دفعنا 300 ألف شيكل (أكثر من 80 ألف دولار) مقابل هذه الأرض، واتصلنا بالشرطة (شرطة الاحتلال) مئة مرة، لكنهم لم يفعلوا شيئا. ويتلقى الصغار من العائلة، مثل فتاة في السابعة، علاجا نفسيا؛ لأنها أصبحت مضطربة.
وفي نهاية الأسبوع كانت حفلة زفاف شقيقة قحير ولكنه لم يستطع المغادرة خوفا من انتقال المستوطنين للعيش معنا، و"يعتقد المستوطنون أنهم فوق القانون. والآن نشعر أننا ننتظر استيلاءهم على الأرض".
وتقول لامب كنا نرى ماتانيا جالسا على تلته الصغيرة على بعد بضع مئات من الأمتار فقط، لذا صعدنا إلى هناك، مرورا بمولد كهربائي وخزان مياه. في البداية كان عدائيا، لكنه دعانا للجلوس على أريكة قديمة مكسورة وأشعل القهوة على النار، وبندقيته "إي كي 47" وكان يرتدي بدلة عسكرية وبلحية طويلة. وقطع لنا البطيخ وأشار للسكن المتحرك الذي ينام فيه والمنصة التي يراقب منها النجوم.
وقال إنه أطلق على البؤرة الاستيطانية اسم "كيريم راحيل" ويخطط لزراعة كرم وبدء مصنع نبيذ قائلا: "هذه الأرض جيدة جداً".
وعندما أشارت لامب إلى أنها مملوكة للعائلة التي يمكننا رؤيتها تحرس أغنامها، أجاب: "لا أريد التحدث في السياسة" وتحركت يده نحو بندقيته وغادرنا.
وتضيف الصحيفة أن المحامية قمر مشيرقي أسعد تواجه المستوطنين على مدى عشرين عاما وتدافع عن المجتمعات الفلسطينية. وهي تمثل الآن ست قرى محاصرة أو مهجورة بالقوة. ولا يتوقف هاتفها عن الرنين.
وقد حققت هذا الشهر انتصارا نادرا، عندما قضت المحكمة العليا بالسماح لإحدى هذه القرى بالعودة وحماية سكانها.
والأربعاء، كانت الصحفية معها وسكان القرية وهم يقودون قطعان الأغنام والماعز إلى قرية زنوتا في جنوب الخليل، فقبل أن يرسل المستوطنون من مزرعة "ميتريم" القريبة طائرات بدون طيار لتخويف أغنامهم وثقب خزان المياه وهددوا بقتلهم جميعً، كانت القرية موطنا لأكثر من 150 شخصًا.
عاد حوالي 40 شخصا يوم الأربعاء، فقط الرجال، ليجدوا دمارا كاملا. حتى المدرسة الصغيرة، التي مولتها المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، تم هدمها بالجرافات.
وقالت مشيرقي أسعد للرجال الذين تجمعوا بين الأنقاض: "أنتم مثال للضفة الغربية وفلسطين بأكملها. من فضلكم ابقوا هنا". لكن العيش سيكون شاقا هنا، فرغم منح المحكمة لهم حق العودة إلى قريتهم، فإنها لم تسمح لهم بإعادة البناء، وهو ما خلق جوا كابوسيا".
وبهذا تقول المحامية: "تصر الإدارة المحلية على أن ما تم هدمه بشكل غير قانوني لا يمكن بناؤه الآن بشكل غير قانوني".
ويمكن رؤية المزرعة على التلة وعلى التل، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها الشهر الماضي، إلى جانب مالكها ينون ليفي، الذي يخضع أيضا لعقوبات بريطانية لتحريضه على عنف المستوطنين.
وفي اليوم التالي، أطلق المستوطنون طائرة دون طيار فوق الأغنام. وجاءت الشرطة العسكرية وأمرت القرويين بإزالة مظلة أقاموها لحمايتهم من الشمس في حرارة 36 درجة مئوية.
كما ودخل ليفي وإيلي فيدرمان، وكلاهما خاضع لعقوبات بريطانية، القرية برفقة اثنين من رفاقهما، وطردا بعض الأغنام، وحطما لوحة شمسية. وقال شرطي تم استدعاؤه إنه لا توجد مشكلة في وجود المستوطنين في القرية، وتركهم هناك.
وتنهدت مشيرقي أسعد قائلة: "أنت ترين ما نواجهه. إنها معركة مستمرة ولا أحد يعرف أين ستنتهي".