نشرت مجلة "
بوليتيكو" تقريرا عن المحاولات الأمريكية والأوروبية، لتضييق استفادة
حزب الله من أموال الدعم
الإيراني التي يتلقاها.
وفي تقرير أعده ماثيو كاريسشنغ قال فيه إن الحرب الجارية الآن في أروقة فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (فاتفت) هي حرب الشرق الأوسط الهادئة، وتهدف إلى قطع شريان حياة حزب الله المالي- أي أموال النفط الإيرانية.
ففي الوقت الذي يتركز فيه نظر العالم على الحرب المتصاعدة في غزة والمواجهات اليومية بين
إسرائيل وحزب الله والتي يخشى الدبلوماسيون من إشعالها لحرب إقليمية واسعة، فإن هناك معركة مشتعلة حول التمويل الإيراني لحزب الله، ولكن خلف الأبواب.
وتضيف المجلة أن النزاع، الذي يضع عدة دول عربية في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة، يمكن أن تكون له آثار عميقة على أمن المنطقة، ومن المتوقع أن يصل إلى ذروته في الأسابيع المقبلة عندما تقرر سلطات غسل الأموال العالمية فيما إن كانت ستتخذ إجراءات صارمة ضد
لبنان أو تعطيه علامة النجاح.
وتدور المعركة في أروقة فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي السلطة المعنية بمراقبة غسيل الأموال على مستوى العالم، حيث يتوقع أن تضع لبنان على "القائمة الرمادية" للدول المخالفة للقانون وتحديد الإصلاحات الواجب على لبنان القيام بها.
ومع أن مجموعة العمل المالية والتي أنشأتها مجموعة الدول السبع في عام 1989 ليست لديها آليات لتنفيذ قراراتها إلا أن تقييماتها يمكن أن تترك أثرا مخيفا على قدرة البلد للعمل في عالم التمويل الدولي.
وربما كانت هذه التجربة هي السبب وراء سعي المسؤولين الأمنيين الغربيين للضغط على الهيئات التنظيمية الدولية في الأشهر الأخيرة لاتباع نهج أكثر قوة تجاه فرض عقوبات على غسل الأموال وتمويل الإرهاب في لبنان والذي يشمل كيانات مرتبطة بحزب الله.
ونقلت المجلة عن مسؤولين على معرفة بمناقشات مجموعة العمل المالي قولهم إن لبنان هو قضية واضحة ومحسومة، بالنظر إلى مدى قوة الأدلة عن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في البلاد.
إلا أن الدينامية الأوسع في لبنان والشرق الأوسط عقدت الأمور، فبداية. فبادئ ذي بدء، يعني نفوذ حزب الله على المؤسسات الرسمية في لبنان أن حكومته المركزية غير قادرة على فرض حتى أبسط معايير منع غسل الأموال الدولية.
والمشكلة الأكبر، كما يقول الدبلوماسيون الغربيون أن عدة دول في المنطقة، بما فيها ليبيا والبحرين تحالفت مع لبنان لمنع الهيئات التنظيمية الدولية من فرض إجراءات صارمة، مما يجعل من المستحيل تقريبا استهداف التمويل غير المشروع لحزب الله بشكل فعال. ولم ترد مجموعة العمل المالي على أسئلة المجلة.
وترى المجلة أن المعركة الحالية مع "فاتف" ليست متركزة على إدراج لبنان على القائمة الرمادية، بل حول الشروط التي يتعين عليه الوفاء بها لعدم شمله فيها.
وقد بدأت إيران بتمويل حزب الله في الثمانينات من القرن الماضي، مما مكن الجماعة المسلحة من بناء دولة داخل دولة وفي وقت شنت فيه حربا ضد إسرائيل.
وعلى الرغم من قبضة حزب الله الخانقة على لبنان واقتصاده، إلا أن الحزب يعتمد بشكل رئيسي على التمويل الإيراني، الذي يتلقاه على شكل نقدي ثم يحوله إلى النظام المصرفي اللبناني.
جمعية القرض الحسن
وتعتبر جمعية القرض الحسن هي الوسيلة الرئيسية لتمويل حزب الله. وهي بالضرورة البنك التابع له حيث تدفع رواتب المقاتلين وغيرهم من المسؤولين وتقدم التمويل للخدمات في المجتمعات المحلية. ووسع بنك القرض الحسن، عملياته نظرا للاضطرابات السياسية والاقتصادية التي مرت بلبنان في السنوات الأخيرة.
وبالتالي أصبح أكبر بنك في لبنان بودائع تقدر بمليارات الدولارات حسب مسؤولين غربيين. وما يميز "القرض الحسن" عن بقية البنوك اللبنانية هو أنه غير خاضع للتنظيمات المصرفية وليست لديه رخصة مصرفية.
والفرق الأكبر هو أن القرض الحسن، مسجل كمنظمة غير ربحية، ولا يدفع الضريبة. ووضعت الحكومة الأمريكية بنك القرض الحسن على قائمة العقوبات في عام 2007، ووصفته بأنه "واجهة مالية لنشاطات حزب الله والحصول على منفذ للنظام الدولي المالي". ولكن التصنيف الأمريكي لم يفعل الكثير لعرقلة أعمال "القرض الحسن" المالية.
ولا تواجه المنظمة أي صعوبة في إدارة أعمالها في لبنان أو الشرق الأوسط. والواقع أن أنشطة القرض الحسن في لبنان عبر الحدود ستصبح على الأرجح أسهل من أي وقت مضى بعد القرار الذي اتخذته جامعة الدول العربية في حزيران/يونيو الماضي بالتوقف عن الإشارة إلى حزب الله باعتباره منظمة إرهابية.
وأدى الخلاف داخل مجموعة العمل المالي حول حزب الله وتصنيفه إلى تأخير تقرير لبنان الذي صدر في النهاية بشهر كانون الأول/ديسمبر.
وفي النهاية، لم تسم الجهات التنظيمية حزب الله بالاسم، بل اكتفت بدلا من ذلك بوصف مخفف له وأنه: "منظمة شبه عسكرية محلية كبرى لها سجل موثق بشكل جيد في ارتكاب أعمال إرهابية".
وجاء في التقرير الأخير لمجموعة العمل المالي أن "على لبنان أن يقدم تقييمه الخاص بشأن غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب المرتبطة بمنظمات محلية شبه عسكرية كبرى والتأكد من تخفيف هذه المخاطر".
وشن حزب الله عددا من العمليات العسكرية ضد قوات المارينز الأمريكية وإسرائيل ولديه اليوم أكثر من 50 ألف مقاتل مما يجعله أكبر جيش خاص في العالم.
وصنفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول حول العالم الحزب كمنظمة إرهابية. ويخشى دبلوماسيون غربيون من أنه إذا لم تفعل مجموعة العمل المالي ذلك، فسيكون من الأسهل على لبنان تجنب اتخاذ إجراءات صارمة ضد بنك "القرض الحسن" وسيستمر تدفق الأموال إلى حزب الله من إيران وأماكن أخرى دون رادع.
ويجادل الدبلوماسيون في النهاية أن نهجا قويا من مجموعة العمل المالي سيساعد لبنان على إصلاح نظامه ويبدأ في جذب الاستثمارات الأجنبية التي هربت من البلاد في السنوات الأخيرة.
وفي غياب ضمانات بأن لبنان ليس ملاذا لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فمن غير المرجح عودتها. وقال واحد من الدبلوماسيين إن "التقييم الصارم سيساعد في الحقيقة اللبنانيين على الخروج من هذا الوضع".