ملفات وتقارير

استنفار غير مسبوق.. هل الإعلان عن الهجرة السرية في المغرب احتجاج خارج المألوف؟

النيابة العامة أمرت بفتح بحث قضائي في الموضوع- جيتي
على مدار الأيام القليلة الماضية، انتشرت صورة كالنار في الهشيم، وهزّت مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، تداولها الصغير قبل الكبير؛ تُظهر مجموعة شباب، وهم يجلسون بمحاذاة سيارات القوّات المساعدة المغربية، شبه عُراة، وآثار الضّرب بادية على ظهورهم.

وبين نافٍ لصحّتها، بالقول إنها "مُفبركة"، وبين مؤكّد لها بالقول إن جُل أدوات التحقّق من الصور تكشف صحتها، مضت الآراء تتباين، وتسارعت التدوينات والمنشورات المُطالبة بالتحقّق منها، مع ضرورة إصدار بيان رسمي بخصوصها. فيما كان جُل مُتداوليها، يستفسرون: "أين حقوق الإنسان، وأين هي الدولة الاجتماعية؟".


وفي خضمّ الصّمت الرسمي، لحدود اليوم الخميس، كان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمدينة تطوان، قد أعلن أن النيابة العامة أمرت بفتح بحث قضائي في الموضوع، للوقوف على مدى صحة الوقائع وخلفيات نشر تلك الصور، عهد به للفرقة الوطنية للشرطة القضائية. 

وأبرز عبر بيان رسمي، توصلت "عربي21" بنسخة منه، أنه سيتم ترتيب الآثار القانونية اللازمة على ذلك فور انتهاء الأبحاث، مع إشعار الرأي العام بنتائجها.

وبحسب إحصائيات رسمية، تمّ توقيف 4455 مرشحا للهجرة السرية، خلال العملية التي قادتها السلطات المغربية بمدينة الفنيدق. ما بين 11 و16 أيلول/ سبتمبر الجاري، لمواجهة إقدام الرّاغبين في الهجرة السرية صوب سبتة المحتلة، كان بينهم 141 مغربيا قاصرا، و519 أجنبيا.

كذلك، وفقا إلى المعطيات نفسها قد جرى تنظيم ستّ محاولات للتسلل نحو مدينة سبتة المحتلة، حيث تمّ توقيف 70 شخصا محرضا على الهجرة، من دول جنوب الصحراء بينهم مغاربة وجزائريون، سوف يمثلون أمام العدالة.

هجرة أم احتجاج؟
إثر تداول عدد من رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، لمجموعة مقاطع فيديو، للحديث عن مواعيد هجرة سرّية بدت بمظهر العلنية، خرج عدد من الشباب المغاربة، في عدّة مقاطع، مُتحدّثين عما وصفوه بـ"اليأس وخيبة الأمل، من واقع معيشي أصبح غاليا، ولا يُوفّر فرص شغل تقدّر جهد العاملين".

وفيما قال عدد آخر من المُتفاعلين بأن "الهجرة لأوروبا ليست حلا للهروب من الفقر والظروف المعيشية الصعبة"، وجّه آخرون أصابع الاتّهام صوب "حسابات مجهولة الهوية، وكثيرة التّفاعل تُحرّض بكافة الوسائل المُتاحة رقميا، على الهجرة غير الشرعية، ومضخّمة لواقع معيشي في المغرب، قد لا يكون بذلك السّوء المُتحدث عنه".


وكانت "عربي21" قد تابعت عدّة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، حيث كان جُل مُتابعيها، من القاصرين، ممّن أُشبعوا بأفكار "حلم الهجرة"، وكانت جُل التعليقات على مقاطع توثّق رحلة الهجرة السّرية، سباحة، لعدد من الشباب، كالتالي: "أنتم اللاّحقون ونحن السّابقون" و"غامر أو غادر" أو "الحلم الذي لا يتحقّق يُصبح كابوسا".. وغيرها من الجُمل التي تكشف عن "ظاهرة" باتت تقضّ مضاجع الأهالي.

وفي محاولة للجواب على سؤال تكاثر طرحه على مختلف الصفحات التي تُحرّض على الهجرة غير الشرعية، خاصة على منصة "الانستغرام"، وهو: هل الحديث المُتفاقم عن الهجرة غير الشرعية من المغرب إثر الرّغبة في تحسين الوضعية المعيشية، هو احتجاج من نوع جديد؟؛ تواصلت "عربي21" مع المحلل السياسي المغربي، حسن بلوان.

وقال بلوان، إن "الأحداث الأخيرة شكّلت صدمة على أكثر من صعيد، وهي تُسائل الحكومة المغربية عن تأخر مشاريع التنمية والتشغيل، كما أنها تُسائل البرامج التربوية والتعليمية والثقافية والتوعوية…"، مبرزا أن الأمر "بغضّ النظر عن مقاربات الهجرة التي انخرطت فيها المملكة المغربية بنجاعة".

وأضاف الخبير في العلاقات الدولية، في حديثه لـ"عربي21" بأن: "الأحداث المؤسفة التي وقعت، تفرض إعادة النظر في مجموعة من وسائل الاشتغال، لأن الخطورة تكمن في انخراط فئات القاصرين في محاولات الهجرة، والأخطر من ذلك انخراط أطراف خارجية، من أجل زعزعة الثقة في المؤسسات المغربية، وكذلك زرع الفتن مع الجارة الشمالية إسبانيا، وهي المعنية بالدرجة الأولى بقضية الهجرة".

"هذا لا يعفي الحكومة المغربية الحالية، من مسؤوليتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خاصّة مع تعثّر مجموعة من المشاريع التنموية، وعدم إيجاد أجوبة حقيقية لمعضلة التشغيل، ناهيك عن إعادة النظر في مهام التنشئة الاجتماعية المنوطة بالأسر المغربية والمدرسة العمومية" أوضح بلوان.

وفي السياق نفسه، أردف بالقول: "إن التفكير في المقاربات الأمنية الزّجرية تفكير قاصر، فلا بد من حلول شاملة مفتاحها ومدخلها التنمية الاقتصادية، والتنزيل الأمثل للدولة الاجتماعية، كورش ملكي، يمكن أن يغيّر وجه المملكة، ويقضي على ظاهرة الهجرة السرية والتي اتخذت طابعا علنيا، أو يمكن أن نسميها بالهجرة عُنوة".

خلاف قانوني 
إلى ذلك، كان المغرب، قد أخرج للوجود، عددا من القوانين التي تخصّ الهجرة السرّية وغير الشّرعية، قبل 21 عاما، فيما حدّد من خلالها مُجمل العقوبات التي تخص المُدانين بالمشاركة في هكذا أنشطة أو في تنظيمها وتيسيرها.

وكان القانون رقم 02.03 الصادر خلال عام 2003، وهو الذي ما زال ساري المفعول، قد فصّل في كل الجوانب المتعلقة بالدخول إلى التراب الوطني ومغادرته. مُخصصا فصلا كاملا للأحكام الزجرية التي تتعلق بالهجرة غير المشروعة، وميّز خلالها ما بين المهاجر والمشارك في تنظيم عملية مغادرة التراب الوطني، واضعا بذلك أحكاما تتراوح ما بين شهر وستة أشهر لفائدة المتورطين في عملية الهجرة، إلى جانب غرامات ثقيلة.

وبيّن القانون المغربي نفسه، أحكاما تتراوح ما بين سنتين وعشرين سنة وحتى المؤبد لفائدة العصابات والمجموعات التي تساهم في تهجير الأفراد، مع تغريمها بما يصل إلى مليون درهم في بعض الحالات.

تنص المادة 50 منه، أنه "يعاقب بغرامة تتراوح بين 3 آلاف و10 آلاف درهم، وبالحبس من شهر إلى 6 أشهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص غادر التراب المغربي بصفة سرية، وذلك باستعماله أثناء اجتياز أحد مراكز الحدود البرية أو البحرية أو الجوية وسيلة احتيالية للتملص من تقديم الوثائق الرسمية اللازمة".

"أو من القيام بالإجراءات التي توجبها القوانين والأنظمة المعمول بها، أو باستعماله وثائق مزورة، أو بانتحاله اسما، وكذا كل شخص تسلل إلى التراب المغربي أو غادره من منافذ أو عبر أماكن غير مراكز الحدود المعدة خصيصا لذلك" تابعت المادّة القانونية ذاتها.

غير أنّه، في سياق متصل، قال الخبير القانوني، محمد ألمو، إنّ: "أفعال 15 سبتمبر، كشفت أننا أمام خلاف قانوني، على اعتبار أن التّشريعات تربط الهجرة غير المشروعة بمغادرة التراب الوطني، في حين أنّنا في هذه الحالة نعرف الوضع السياسي والدبلوماسي لسبتة المحتلة".

وتابع المحامي المغربي، في عدد من التصريحات الإعلامية، أن محاولات الشباب المغربي، ولوج سبتة المحتلة، تكشف أننا "لسنا أمام هجرة غير مشروعة بمقتضى القانوني الجنائي"، بحسب تعبيره. وهو الأمر الذي فتح نقاشا آخر، بخصوص القوانين السّارية في المغرب، المُرتبطة بالهجرة السرية، ومدى الحاجة، اليوم للمضي نحو تغييرها.

إلى ذلك، عاشت مدينة الفنيدق، ليلة الأحد 25 آب/ أغسطس، على إيقاع مُطاردات بين قوات الأمن ومئات الشباب (مغاربة وجنسيات أخرى أتت للمغرب بحثا عن فرصة للهجرة السرّية)، حيث أحبطت مُحاولاتهم للهجرة السرية، سباحة؛ فيما كانوا يُحاولون استغلال كثافة الضّباب وتوافد الزوار الذي تشهده المدينة، لمباغتة القوات المكلفة بحراسة الشواطئ والارتماء في البحر.

وكانت سلطات المنطقة، قد عملت، إثر ذلك، على وضع حواجز حديدية، وتوزيع عدد مُتزايد من العناصر الأمنية على طول الشاطئ، لمنع استمرار محاولات الهجرة السرية، أو إعلام البحرية الملكية المغربية في حالة وقوع أيّ اختراقات. فيما أتت محاولات الشّباب للهجرة السرية المُعلنة، يوم 15 أيلول/ سبتمبر الحالي، خارج التوقّع، عبر السيّاج الحدودي، وليست من خلال البحر.