في السابع عشر والثامن عشر من
شهر آب/ أغسطس الجاري، وفي وقت متزامن تقريبا، حصلت سلسة
تفجيرات
مروعة، طالت أجهزة اتصال في
لبنان من نوع بيجر ولاسلكية، راح ضحيتها 32 شخصا، بينهم
امرأة وطفلة، وما يفوق 3500 جريح، بينهم 200 حالتهم حرجة، وفقا لوزارة الصحة
اللبنانية، الأمر الذي وضع الطواقم الطبية والقطاع الصحي والإسعافي في لبنان في حالة
طوارئ صحية هائلة، تفوق القدرة على التعامل مع هذا العدد الكبير من المصابين وفي
وقت واحد، مما أوجد حالة من الإرباك والقلق والذعر.
واتهم
حزب الله إسرائيل بشكل مباشر بأنها هي وراء هذه
التفجيرات الدامية وتوعد بالرد؛ كونها، بحسب خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن
نصر الله، الخميس، تجاوزت القيم الأخلاقية والقانونية للحروب، ولقواعد الاشتباك
المعمول بها حاليا في جبهة الجنوب اللبناني.
وعلى الرغم من خطورة هذه التفجيرات والآثار الكارثية
التي تسببت بها، إلا أن ردود الفعل الدولية لم تكن بالمستوى المطلوب، ولم تتم إدانة
هذا التفجيرات بشكل صريح، ولم يتم اتخاذ أي موقف عملي حيالها.
على الرغم من خطورة هذه التفجيرات والآثار الكارثية التي تسببت بها، إلا أن ردود الفعل الدولية لم تكن بالمستوى المطلوب، ولم تتم إدانة هذا التفجيرات بشكل صريح، ولم يتم اتخاذ أي موقف عملي حيالها.
خصائص عمليات التفجير:
1- التخطيط الدقيق والتكنولوجيا المتقدم: العملية
تمت بجهد كبير وباستخدام أحدث التقنيات، مما يدل على نية متعمدة لإحداث أكبر قدر
من الضرر، وقد سبقتها تصريحات علنية من مسؤولين إسرائيليين تدعو إلى معاقبة لبنان
واللبنانيين.
2- الاستهداف الواسع والنطاق: العملية طالت عددا كبيرا من الأشخاص (آلاف)، بما في
ذلك أفراد قد يكونون مرتبطين بحزب الله، ولكنهم لم يكونوا غالبا منخرطين مباشرة في
القتال عند استهدافهم.
3- الاستهداف العشوائي: لم
تميز العملية بين الأهداف العسكرية والمدنية، مما أدى إلى نتائج غير متناسبة وسقوط
ضحايا مدنيين، مما يعكس نقصا في التمييز والاحتياطات اللازمة في النزاعات المسلحة.
4- الإهمال للبيئة المدنية: التفجيرات لم تأخذ في اعتبارها البيئة
المدنية التي كان يوجد فيها المستهدفون، وحدثت في أماكن مثل المستشفيات
والصيدليات والأسواق والمنازل والطرق، مما عرض حياة المدنيين لخطر حقيقي وأدى إلى
حالة من الذعر والخوف.
5- استخدام أدوات مدنية كأدوات قتل: استخدمت
أدوات اتصال عالمية، التي يستخدمها المدنيون لأغراض سلمية (مثل الأطباء
والمهندسين)، كأدوات قاتلة، مما يثير القلق بشأن عسكرة الوسائل التي عادة ما
تُستخدم لأغراض مدنية.
6- عسكرة التكنولوجيا: التكنولوجيا
التي كان يُفترض أن تُستخدم لخدمة الإنسانية وتسهيل حياتها، تم تحويلها بدلا من
ذلك إلى أداة فتاكة لقتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص.
هل
التفجيرات عمل إرهابي؟
على الرغم من أن القانون الدولي لم يحسم بعد مسألة وضع
تعريف موحد للإرهاب، إلا أن ملامح تعريف العمل الإرهابي بدأت تتضح تدريجيا. يبقى
المصطلح محملا بدلالات سياسية وأيديولوجية، حيث قد يُعتبر شخص ما إرهابيا من قِبل
البعض، بينما يراه آخرون مقاتلا من أجل الحرية. ومع ذلك، هناك أرضية مشتركة يمكن
الانطلاق منها في تعريف الإرهاب، تعتمد على المبادئ والتعريفات التي اقترحتها
الأمم المتحدة، مما يسهم في توفير إطار عام لفهم طبيعة الأعمال الإرهابية.
تنطبق هذه التعريفات على التفجيرات في لبنان على أنها عمل إرهابي دام؛ فهي تسببت بموت أشخاص غير منخرطين في الأعمال العسكرية، أو إصابتهم بجروح جسيمة، كما أنها تسببت بإشاعة الرعب بين صفوف المدنيين الآمنين.
وقد عرَّفت الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب الموقعة
في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1999 الإرهاب في مادتها 2-1 (ب)، بأنه أي عمل يهدف إلى التسبب
في موت أو إصابة شخص مدني أو أي شخص آخر بجروح جسيمة، بشرط أن يكون هذا الشخص غير مشترك
في الأعمال العدائية خلال نزاع مسلح. يُشترط أن يكون الهدف من هذا العمل، بحكم طبيعته
أو في سياقه، هو ترويع السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام أو الامتناع
عن القيام بعمل معين.
وأوضح مجلس الأمن في قراره رقم 1566 الصادر في تشرين الأول/
أكتوبر 2004 هذا التعريف، حيث اعتبر أن الأعمال الإرهابية هي تلك الأعمال الإجرامية،
بما في ذلك القتل أو إصابة المدنيين بجروح خطيرة أو أخذ الرهائن، التي تهدف إلى إشاعة
الرعب بين الجمهور أو جماعة من الأشخاص، أو إرغام الحكومات أو المنظمات الدولية على
اتخاذ إجراءات معينة. وأكد المجلس أن هذه الأعمال لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف بناء
على اعتبارات سياسية أو عقائدية أو عنصرية. وأعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأكيد
هذا التعريف في قرارها (60/43) الصادر في كانون الثاني/ يناير 2006، واعتبرت أن الأعمال
الإرهابية هي أعمال إجرامية تهدف إلى إشاعة الرعب لأغراض سياسية.
تنطبق هذه التعريفات على التفجيرات في
لبنان على أنها عمل إرهابي دام؛ فهي تسببت بموت أشخاص غير منخرطين في الأعمال العسكرية، أو إصابتهم بجروح جسيمة، كما أنها تسببت بإشاعة الرعب بين صفوف المدنيين الآمنين.
انتهاك منهجي للقانون الدولي لحقوق الإنسان:
إن هذا الاستهداف يشكل خرقا جسيما للحق في الحياة، وهو
من حقوق الجيل الأول التي ترتبط بها حقوق الإنسان الأخرى، وقد دعت المادة السادسة من
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى صون الحق في الحياة، وكذلك
المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والأحكام الواردة في هاتين
الوثيقتين، تعتبران جزءا من قواعد القانون الدولي العرفي. إن الانتهاك المنهجي
للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، يمكن أن يصنّف على أنه
جريمة ضد الإنسانية، وذلك اعتمادا على سياق وطبيعة الانتهاك.
وفق نظام روما الأساسي، التفجيرات جريمة
حرب:
التفجيرات التي طالت لبنان وأصابت آلاف الأشخاص وأحدثت حالة من الرعب لدى المواطنين، تستوجب تحركا دوليا عاجلا، يبدأ بفتح تحقيق واتخاذ إجراءات عاجلة؛ كون أن حدود هذه التفجيرات تخطت حدود لبنان، وتداخلت مع عوامل سياسية واقتصادية وأمنية في منطقة مضطربة أساسا، قابلة للانفجار بأي لحظة.
وتعرف
جرائم الحرب على أنها الانتهاك المنهجي والخطير
لمبادئ القانون الدولي الإنساني، خاصة تلك التي وردت في اتفاقية جنيف الأربعة لعام
1949 وبرتوكوليها لعام 1977. ويعتبر مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين، أحد أهم
مبادئ الحرب التي تهدف إلى حماية المدنيين ما أمكن من أية هجمات عشوائية، قد تسبب
ضررا بالغا بهم.
إن تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو
ضد أفراد مدنيين، لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال الحربية؛ يعتبر جريمة حرب وفقا للمادة
8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (التسبب عمدا في معاناة كبيرة أو
إلحاق الأذى الجسدي أو العقلي الخطير). إن هذه الهجمات الواسعة النطاق، التي
تسببت بقتل وجرح الآلاف، يمكن أن تشكّل جريمة حرب.
إن جريمة التفجيرات التي طالت لبنان وأصابت آلاف
الأشخاص وأحدثت حالة من الرعب لدى المواطنين، تستوجب تحركا دوليا عاجلا يبدأ بفتح
تحقيق واتخاذ إجراءات عاجلة؛ كون أن حدود هذه التفجيرات تخطت حدود لبنان وتداخلت
مع عوامل سياسية واقتصادية وأمنية في منطقة مضطربة أساسا، قابلة للانفجار بأي لحظة. وعلى مجلس الأمن التدخل بشكل فوري وعاجل لكبح جماح آلة القتل الإسرائيلية،
أو يتم تشكيل تحالف دولي لوقف الحرب في غزة، بما يساعد على نزع فتيله في لبنان
والمنطقة. كما أن هذه الجرائم تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية الموضوعي،
مما يوجب تحرك المدعي العام لفتح تحقيق فيها.
إن تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم الإبادة في غزة، تحت
فرضية واهية أن آثارها سوف تبقى داخل حدود غزة، وأن إسرائيل مطلقة اليدين في فعل ما
تشاء بحق السكان هناك؛ لهو الذي شجع دولة الاحتلال على ارتكاب هذه الجرائم، وإن
أية حرب مقبلة، سوف تبدأ من حيث انتهت أو تنتهي حرب بغزة: مستوى غير مسبوق من
الإجرام.