أخذ التصعيد بين
حزب الله اللبناني والاحتلال
الإسرائيلي منعطفاً حاداً في الأيام الأخيرة، حيث
شهدت المواجهات تكثيف الغارات والقصف واستهداف مناطق حساسة، بما في ذلك العمق
الإسرائيلي.
ويسعى حزب الله للرد
على هجمات
الاحتلال الإسرائيلي على مواقع الحزب في جنوب لبنان والبقاع، والمستهدفات
الأخيرة سواء التفجيرات التي شهدتها لبنان لأجهزة الاتصالات أو استهداف قادة من حزب
الله باستخدام صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة لضرب قواعد ومراكز عسكرية إسرائيلية.
ويبدو أن التصعيد
الحالي بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة، مع استخدام
أسلحة جديدة واستهداف مناطق لأول مرةـ حيث يسعى كلا الطرفين لإعادة رسم قواعد
الاشتباك، مما يزيد من احتمالية توسع دائرة الصراع لتشمل مناطق وأسلحة لم تستخدم
في السابق، وهو ما قد يؤدي إلى تدخلات دولية لاحتواء الأزمة قبل أن تتفاقم إلى حرب
شاملة.
وقال الحزب في
بيان عبر "تليغرام"، إنه "أطلق عند الساعة السادسة والنصف من صباح
الأربعاء صاروخا باليستيا من نوع قادر 1، مستهدفا مقر قيادة الموساد في ضواحي تل
أبيب".
وأضاف أن هذا
"المقر هو المسؤول عن اغتيال القادة وعن تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي"
في أنحاء لبنان قبل أيام.
وأشار إلى أن
توقيت إطلاق الصاروخ هو نفس توقيت عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها
فصائل فلسطينية في غزة، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث
هاجمت 11 قاعدة عسكرية و22 مستوطنة بمحاذاة القطاع.
استهداف تل أبيب
وأطلق حزب الله
صواريخ دقيقة باتجاه مدينة تل أبيب، في خطوة وصفها المراقبون بأنها تغيير في قواعد
الاشتباك، بعد تكرار الهجمات الإسرائيلية على مناطق جنوب لبنان، فيما أكد الحزب أن
هذه العملية تحمل رسالة مفادها أنه قادر على ضرب العمق الإسرائيلي إذا استمرت
الاستفزازات العسكرية.
فيما أعلنت إذاعة
جيش الاحتلال الإسرائيلي أن صواريخ حزب الله وصلت لأول مرة إلى تل أبيب منذ انطلاق
الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
أدى الهجوم إلى
تعطيل حركة الطيران لفترة قصيرة وتحذيرات من قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية
للمواطنين باتخاذ الاحتياطات اللازمة.
مقر الموساد
قام حزب الله
بتنفيذ عملية استهدفت مقرًا أمنيًا قيل إنه يتبع للموساد في منطقة كفرفالوس، مما
أدى إلى أضرار كبيرة بالمقر، وجاءت العملية كرد على اغتيال قيادات عسكرية تابعة
للحزب في سوريا، مما يدل على تصاعد حدة المواجهة بين الطرفين وانتقالها إلى
مستويات جديدة.
التصعيد الأخير
أدى إلى حالة من التوتر الشديد في المجتمع الإسرائيلي، حيث قامت السلطات بإجلاء
المئات من سكان المناطق الشمالية، بالإضافة إلى تكثيف الدفاعات الجوية، وعلى
الجانب اللبناني، هناك تخوفات من أن تؤدي هذه المواجهات إلى تدهور الأوضاع
الاقتصادية المتدهورة أصلاً، حيث تعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة.
أهمية الاستهداف
استهداف حزب
الله لتل أبيب، العاصمة الإسرائيلية، يُعتبر خطوة استراتيجية تحمل رمزية عالية
تعكس التحدي والقدرة على تنفيذ عمليات نوعية داخل العمق الإسرائيلي، فتل أبيب ليست
مجرد مركز إداري، بل هي رمز القوة والهيمنة الإسرائيلية.
ويمكن أن يحقق استهدافها
تأثيرا نفسيا كبيرا على المجتمع الإسرائيلي، ويعزز صورة حزب الله كقوة قادرة على
مواجهة التحديات والتأثير على موازين القوى في المنطقة. هذا الأمر يُعزز من موقف
الحزب داخليًا وخارجيًا، ويُظهر استعداده للمخاطرة في سبيل مواجهة الاحتلال.
ويعد استهداف
الموساد، الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي الشهير، انعكاسا لقدرة حزب الله على
تحقيق ضربات نوعية، حيث يُعتبر الموساد
رمزًا للذكاء والتفوق الاستخباراتي الإسرائيلي، وبالتالي، فإن نجاح الحزب في
استهدافه يُعد بمثابة رسالة قوية مفادها أن حزب الله ليس فقط قوة عسكرية، بل إنه
يمتلك أيضًا القدرة على اختراق الصفوف الإسرائيلية والقيام بعمليات استخباراتية
معقدة، مما يزيد من المخاوف داخل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية ويزيد من حالة
الارتباك، مما يعزز من مكانة حزب الله كقوة محورية في الصراع الإقليمي.
الأسلحة الجديدة
وتغيير قواعد الاشتباك
أدخل حزب الله أنواعاً
متطورة من الأسلحة في معادلة الصراع، أبرزها الصواريخ الباليستية متوسطة المدى،
التي استهدفت لأول مرة مناطق في عمق الأراضي المحتلة، من بينها مدينة تل أبيب، وتم
تطوير هذه الصواريخ بدعم إيراني مكثف خلال السنوات الماضية، ما أتاح لحزب الله
توسيع مدى استهدافه إلى مناطق لم يكن يستطيع الوصول إليها سابقاً، كما استخدم
الحزب طائرات بدون طيار مسلحة وصواريخ أرض-جو متطورة للتصدي للطائرات الإسرائيلية،
مما يعكس استعدادًا أعلى لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي محتمل.
نوعية الغارات
وتطوير الاستراتيجيات العسكرية
استخدم جيش
الاحتلال الإسرائيلي في هذه الجولة من الصراع أسلحة دقيقة لاستهداف مخازن الأسلحة
والذخائر في لبنان، ولم تقتصر الغارات على المناطق القريبة من الحدود فقط، بل طالت
مواقع في العمق اللبناني، مما يعكس محاولة الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع نطاق
العمليات العسكرية والتأثير على البنية التحتية العسكرية لحزب الله. كما استهدفت
الغارات مواقع قيادة وتحكم، مما يشير إلى رغبة الاحتلال الإسرائيلي في التأثير على
هيكلية القيادة الميدانية للحزب، وتقليل قدرته على تنفيذ عمليات مستقبلية.
تداعيات التصعيد
على المستوى السياسي والعسكري
التصعيد غير
المسبوق قد يكون له تداعيات كبيرة على المدى القصير والمتوسط. على الصعيد السياسي،
قد يدفع الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية والهجومية
في مواجهة حزب الله، وربما حتى السعي إلى تهدئة مؤقتة لتفادي تصعيد أكبر، وعلى
الصعيد العسكري، قد نشهد مزيداً من التحركات لتعزيز الدفاعات الإسرائيلية في
الشمال، وتكثيف المراقبة الجوية والبحرية للحد من أي محاولات جديدة من حزب الله
لاستهداف العمق الإسرائيلي.
ويشن جيش
الاحتلال الإسرائيلي منذ صباح الاثنين، هجوما هو "الأعنف والأوسع" على
لبنان منذ بدء المواجهات مع "حزب الله" قبل نحو عام، أسفر عن 558 شهيدا
بينهم 50 طفلا و94 امرأة، و1835 جريحًا، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية.