أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، عن قلقة إزاء
الانتهاكات الدستوريّة والالتزامات الدوليَّة للسلطات التونسيّة، التي تقوّض العمليّة الديمقراطيّة في البلاد قبل
الانتخابات الرئاسيّة المقرّرة في 6 تشرين أول/ أكتوبر الجاري.
وأشار المرصد الأورومتوسطي، في بيان له
اليوم الجمعة، أرسل نسخة منه لـ "عربي21"، إلى أنه بعد أن رفضت الهيئة
العليا المستقلّة للانتخابات في
تونس يوم الاثنين 2 أيلول/ سبتمبر الماضي، تنفيذ
قرارات للمحكمة الإداريّة، التي تقضي بإعادة ثلاثة مرشحين بارزين إلى السباق
الرئاسي، كانت الهيئة أسقطتهم أوليًا بدعوى عدم استيفائهم للشروط، استمرّت عمليّات
تقويض الديمقراطيّة من قبل السلطات التونسيّة، من خلال التضييق على المرشحين وتعديل
قانون الانتخابات.
ففي 27 أيلول/ سبتمبر، أي قبل بضعة أيام من
إجراء الانتخابات الرئاسيَّة، وافق البرلمان التونسي على تعديل قانون الانتخابات.
وقد قضى هذا التعديل بتجريد المحكمة الإداريّة من سلطتها في الفصل بالنزاعات
الانتخابيّة، وصوّت لصالح هذا المشروع 116 نائبا من أصل 161.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أهميّة دور
المحكمة الإدارية على نطاق واسع؛ باعتبارها آخر هيئة قضائية مستقلة باقية، بعد أن
قام الرئيس قيس سعيد بحل المجلس الأعلى للقضاء، وعزل عشرات من القضاة في عام 2022.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي، أنّ توجّه السلطة
التونسيّة إلى تقييد الديمقراطيّة وترسيخ القبضة الاستبداديّة للرئيس الحالي، لم
يقتصر على ذلك فحسب، بل تعدّى ذلك إلى اعتقال أحد المرشحين الرئاسيين الثلاثة على
القائمة النهائية، التي كشفت عنها الهيئة العليا للانتخابات، وهو "العياشي
زمال"، في 2 أيلول/ سبتمبر، للاشتباه في تقديمه تواقيع تزكيات مزورة. وأفرج
عنه لاحقا من قبل محكمة منوبة بضواحي تونس العاصمة، لكنه سرعان ما اعتقل بناء على تعليمات من محكمة جندوبة، بتهمة مخالفة قواعد جمع تواقيع التزكيات الضرورية للترشح
للانتخابات الرئاسيّة، ليصدر حكما قضائيّا بحقّه بالسجن 12 عاما في أربع، بحسب
محاميه، بعد أن كان رُفع ما مجموعه 37 قضية منفصلة ضده في جميع محافظات تونس
بالاتهامات نفسها.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنّ هذه الممارسات من قبل السلطات التونسيّة، تشكّل انتهاكا للدستور التونسي، الذي
ينص في الفصل الخامس منه على أنَّهُ "على الدّولة وحدها أن تعمل في ظلّ نظام
ديمقراطيّ."، كما ينص في الفصل الخامس والخمسين منه، على أنّه "لا توضع
قيود على الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدّستور، إلّا بمقتضى قانون ولضرورة
يقتضيها نظام ديمقراطيّ، وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العامّ أو
الدّفاع الوطنيّ أو الصّحة العموميَّة". ويضيف الفصل التاسع والثمانون، أنّ"
التّرشّح لمنصب رئيس الجمهوريّة حقّ لكلّ تونسيّ أو تونسيّة غير حامل لجنسيّة أخرى
مولود لأب وأمّ، وجدّ لأب، وجدّ لأمّ تونسيّين، وكلّهم تونسيّون دون انقطاع".
بالإضافة إلى ذلك، أكّد المرصد الأورومتوسطي، أنّ ممارسات السلطات التونسيّة لتقييد الديمقراطيّة وتقويضها، تنتهك التزامات تونس
الدّوليّة بموجب القانون الدّولي، وتحديدا العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة
والسياسيّة، الذي صدّقت عليه تونس في العام 1969، والذي ينص في المادّة 25 منه، على
أنّه "يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2،
الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة: (أ) أن
يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. (ب) أن يَنتخب ويُنتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام، وعلى قدم
المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين. (ج)
أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده".
ورأى المرصد الأورومتوسطي، أنَّ الإجراءات
الأخيرة بحق المرشحين، لاسيَّما اعتقال مرشح وإصدار حكم قضائي بحقّه بسرعة
قياسيَّة غير معهودة، ما هي إلَّا تدابير تأخذها السلطة الحاليَّة لقمع أي محاولة
جديَّة للتنافس الديمقراطي، كما أنَّها تقويض لنزاهة العمليَّة الانتخابيَّة.
وشدَّد المرصد الأورومتوسطي على ضرورة
التزام السلطات التونسيّة بقواعد الدستور والقانون الدّولي فيما يخص الانتخابات
الرئاسيّة، ووقف الممارسات التي من شأنها تقويض الديمقراطية وترسيخ الاستبداد، كما
والالتزام بحماية حق المواطنين التونسيين بالمشاركة في الحياة العامَّة من خلال
الترشّح والانتخاب، في ظل نظام انتخابي نزيه، يضمن شفافية الانتخابات وديمقراطيتها، ويضمن حقّ المواطنين بانتخاب رئيسهم، وتحت رقابة محاكم مختصّة مستقلّة ونزيهة.
كما دعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع
الدولي، لاسيَّما الدول والمنظمات الدوليَّة كالأمم المتحدة ووكالاتها المعنيَّة
بالضغط على السلطات التونسيَّة لاحترام التزاماتها الدوليَّة؛ تحديدا موجباتها، بحسب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسيَّة.
وفي 2 أيلول/ سبتمبر الجاري، أعلنت هيئة الانتخابات
أن القائمة النهائية للمرشحين إلى الاستحقاق الرئاسي، تقتصر على 3 فقط (من أصل 17)
هم: الرئيس سعيد، وأمين عام حركة "عازمون" العياشي زمال (معارض)، وأمين
عام حركة "الشعب" زهير المغزاوي (مؤيد لسعيد).
بينما رفضت الهيئة قبول 3 مرشحين معارضين، رغم أن المحكمة الإدارية قضت بأحقيتهم في خوض الانتخابات، بدعوى "عدم إبلاغها
بالحكم خلال المهلة المحددة قانونا".
وهؤلاء الثلاثة هم: أمين عام حزب العمل
والإنجاز عبد اللطيف المكي، والمنذر الزنايدي، وزير سابق بعهد الرئيس الراحل زين
العابدين بن علي، وعماد الدايمي، مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
وتنطلق، اليوم الجمعة 4 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري،
عمليّة تصويت التونسيين بالخارج للانتخابات الرئاسية، التي تتواصل إلى غاية بعد
غد الأحد، موعد إجراء الانتخابات بالداخل (6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024).
وتقدّم لهذا الاستحقاق الرئاسي ثلاثة
مترشحين، كانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أعلنت عن قبول ملفات ترشحهم، هم: العياشي زمال، وزهير المغزاوي، وقيس سعيد.
وتقدّر نسبة الناخبين المسجّلين بالخارج بـ
6.6 بالمائة من مجموع المسجلين، وفق معطيات نشرتها هيئة الانتخابات، أيّ 642 ألفا
و810 ناخبين من بين 9 ملايين و753 ألفا و217 ناخبا .
وسيقترع هؤلاء الناخبون الموجودون بـ48
بلدا، في 363 مركز اقتراع، تشمل 439 مكتب اقتراع.
وكانت الحملة الانتخابية لهذه الانتخابات،
قد انطلقت يوم 12 أيلول/ سبتمبر الجاري، لتتواصل على مدى 21 يوما، وانتهت أمس الأربعاء 2 تشرين الأول/ أكتوبر، وتنطلق فترة الصمت الانتخابي اليوم الخميس 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، الذي يتواصل بدوره
إلى غاية غلق آخر مكتب اقتراع في مدينة "سان فرانسيسكو" في الولايات
المتحدة.
اقرأ أيضا: أحزاب تونسية تُقاطع الانتخابات.. وحركة النهضة تحذّر من "المخاطر"