كتاب عربي 21

لحظة اكتشاف الشيعة!

يقول الكاتب: "بمجرد أن أطلقت الصواريخ الإيرانية إلى إسرائيل، تم استدعاء الأعمال الكاملة للشيعة"- الأناضول
هل الشيعة اختراع تم التوصل إليه مؤخرا؟! فقد بدا الأمر لنا كذلك الآن، بعد اغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، وتعزز الأمر بالصواريخ التي أطلقتها إيران في اتجاه إسرائيل، وكأنها استهدفت العقل السني، فانطلق كثيرون يجعلون الشيعة على رأس جدول أعمال الحرب، ذودا عن حياض أهل السنة والجماعة، وأعيد فتح الملفات المغلقة، عن الموقف الشيعي من الصحابة، ومن السيدة عائشة رضي الله عنها، ولم يشفع لهم هذا الإعلان القديم عن أن الدولة الإيرانية أغلقت مثل هذه الملفات!

ولم يهب القوم الهبّة الواجبة، وهم يرون أن خير الجهاد هو ما كان ضد الشيعة، وقد تم تكليف فرع من فروع الشيعة، وأكثره تناقضا مع عقيدة أهل السنة والجماعة، بترميم مساجد آل البيت في مصر، وافتتح زعيمهم هذه المساجد بحضور رأس الدولة، فلم يفتح الله عليهم بكلمة نقد، مع أن الأزهر يرى خروج هذه الطائفة عن الإسلام، في حين يرى جواز التعبد بمذهب شيعة آخرين، يعاديهم القوم الآن، ويرون أن مواجهتهم مقدمة على نجدة أهل فلسطين، بل وعلى تحرير المسجد الأقصى!

وبمجرد أن أطلقت الصواريخ الإيرانية إلى إسرائيل، تم استدعاء الأعمال الكاملة للشيعة، من أول سؤال من أحق بالخلافة، أبو بكر رضي الله عنه، أم علي كرم الله وجهه، إلى كونهم فرسا كانوا يعبدون النار، إلى استيلائهم على العراق، وكأن هذا حدث الحين!

نهبا للشيعة:

هي الحرب، والرأي، والمكيدة، لأن أصل الخلاف لم يحدث البارحة، ولأن الهيمنة على العراق لم تتم في الأول من تشرين/ الأول أكتوبر الجاري، مع أننا لم نكن نسمع لهم رِكزا والاحتلال الأمريكي يضع يده على العراق ويسلمه للشيعة، ولم نسمع لهم صوتا مع الإصرار على قيام شيعة العراق بإعدام الرئيس صدام حسين في يوم عيد الأضحى للمسلمين السنة.

وكان هذا موضوعنا نحن، ولم يكن موضوعهم هم، لأن الدول السنية التي كانت تنحاز للأمريكيين في غزوهم، وتعينهم عليه، لم تأذن لهم، فتم وقتئذ تصدير نغمة أن صدام بعثي، وأن البعث الذي يعادي الإسلام هو من يحكم العراق، وعندما بدأ تقسيم الكعكة بحضور بريمر موفد الاحتلال، تم ظلم أهل السنة، وإخراجهم من المشهد بعد ذلك، دون أن تنتصر لهم العواصم السنية، وهي التي ساهمت في ترك العراق نهبا للشيعة، لأنها الرغبة الأمريكية، ولم نسمع نفسا للذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها الآن، ويتحدثون عن النفوذ الشيعي في العراق. الآن يتكلمون عندما انطلقت الصواريخ الإيرانية واللبنانية إلى تل أبيب، فمن أنتم؟!

وفي كل مرة يكون الهدف هو الاحتلال الإسرائيلي، يتم عزف هذه النغمة، وعندما كانت الحماية الأمريكية لهم في بغداد، بدا لي أن من يقف ضد هذا النفوذ الذي يصنعه المستعمر قلة من خارج فصائل السلفيين، وكنت أحدهم ضمن رفضي للغزو الأمريكي وما يرتبه داخل البيت العراقي، بتواطؤ من عواصم أهل السنة!

فعزف نغمة التشيع، كان بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل والتي انتصر فيها الحزب في سنة 2006، فقد اندفعوا في هذا الاتجاه، يعيدون ويزيدون، ويلتون ويفتون، حتى كتبت ردا عليهم: وهل مبارك من أهل السنة والجماعة؟ والرجل لم يكن الدين في عمومه همه أو مبلغ علمه، وموقفه ضد إيران لم يكن لحسابات مرتبطة بنهجه الديني، ولكن لأنه يدرك أن التقارب ممنوع أمريكيا، تماما كما ألقى القبض على ما سمي تنظيم منكري السنة في سنة 1986، دون أن تكون السنة موضوعه، ولكن "عربون محبة" لبدء العلاقات المصرية السعودية بعد انقطاع في نهاية عهد الرئيس السادات، وعودتها كان يحتاج إلى معجزة، والكثير من التنازلات!

انحراف العقيدة:

إنهم الآن في معركتهم غير قابلة للتأجيل يقولون لأن الشيعة لديهم انحراف في العقيدة، وكأن انحرافهم العقدي بدأ في صباح هذا اليوم الذي اغتالت فيه إسرائيل زعيم حزب الله حسن نصر الله، ولأن أمر العقائد خطير فهو لا يقبل التأجيل!

فمن غيرهم ليس لديه انحراف وزيغ في العقيدة من وجهة نظرهم؟ إنهم يقولون إن الإخوان عقيدتهم منحرفة، وأن الصوفية نفس الأمر، وأن الأزهر والأشاعرة كذلك، ولو سايرناهم لوصلنا إلى نتيجة مفادها أنهم الفئة الناجية!

إنها حملة هي الامتداد الطبيعي لحملة سابقة على مظاهر التصوف الشعبي، واستدعاء ذلك لتأكيد انحراف الصوفية في مجملها وباعتبارهم جميعهم من أهل الهرطقة!

وقد نفخوا في قضية أحد شيوخ الصوفية بضاحية إمبابة بالقاهرة الكبرى، للتأكيد على هذا المعنى، واستخدام بلاغ يتهمه بالتحرش الجنسي في الإثارة وجذب الانتباه للقضية، بدون الاكتراث لقيم الإسلام في الرمي بمثل هذه الاتهامات، بدون تحقيق أو إدانة قررها قضاء عادل، ولم يشغلهم أنها قد تكون من قضايا الإلهاء التي يتبناها النظام الحالي ليصرف الناس عن قراراته والأزمات التي يخلقها وتؤثر في معاش الناس، فالذين لا يرون بأسا في أن يصطفوا مع إسرائيل في أهدافها، ما دام سيجمعهما العداء لحزب الله، هل يرون بأسا في الانحياز للانقلاب العسكري في مصر لتحقيق أهدافهم في أن يكونوا هم وحدهم عنوان الإسلام ومتنه؟!

لقد تزامن استغلال قضية شيخ إمبابة مع الهجوم على شيخ الأزهر استغلالا لمقولة انتزعت من سياق عام، ولم يجدوا أنفسهم معنيين بالتبين وهو واجب ديني، حتى لا يصيبوا قوما بجهالة، لإدراكهم أن الغاية تبرر الوسيلة، ولا بد من إهدار قيمة شيخ الأزهر، والنيل من المؤسسة، لأنهم منذ سنوات طويلة يعملون على انتقال المرجعية الدينية إلى مؤسساتهم وشيوخهم، ولا ندري لماذا لا يفقدون الأمل، فالأزهر وهو "عظم في قفة" هو عنوان الإسلام السني الجامع، رفعت الأقلام وجفت الصحف!

إنهم يخافون من أن يكون الانحياز العملي لإيران وحزب الله والحوثيين سببا في غواية الناس، ودخولهم إلى المذهب الشيعي أفواجا، وهو أمر لم يتحقق في ظل انتصار 2006، وقبل أن تجري في النهر مياه كثيرة بغزو العراق وإعدام صدام حسين، وأيضا بمعركة القوم ضد الثورة السورية انحيازا لبشار الأسد!

ولو فكروا وقدروا لتوصلوا إلى أن مئتي عام من وجود الدولة الفاطمية في مصر، قد أخذت منها ما يأخذه الريح من البلاط، وأن الوجدان المصري البسيط حل مشكلة الفتنة الكبرى حلا عبقريا؛ إن المصريين لا يذكرون اسم أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة إلا متبوعا مع كل اسم بعبارة "رضي الله عنه" أو "عنها" في حالة السيدة عائشة أم المؤمنين، ولعلهم انفردوا دون بلاد الدنيا بذكر اسم علي بن أبي طالب متبوعا بالقول "كرم الله وجهه"، إنهم يهيمون حبا في أصحاب رسول الله جميعا، هيامهم بآل بيت النبي، ولا يجدون في هذا تعارضا البتة.

وإن بسطاء المصريين حلوا مشكلة الصراع في عهد سيدنا عثمان حلا بسيطا، فهم يدرسون سيرة أبي ذر وتهيج عواطفهم بما جرى له من نفي وتنكيل ونهاية أليمة، وببشارة الرسول له: "يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث يوم القيامة وحده"، بمعزل عن أن نفيه كان بقرار من ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان!

إن القوم وقد نفروا خفافا وثقالا، لا يدركون أن إيران تجاوزت فكرة نشر التشيع الديني في المنطقة، لسهولة ضربها أمنيا، وما يشغلها الآن هو التشيع السياسي، الذي لا ينفع معه ولا يؤثر فيه دعاية عن الذين يسبون عائشة، أو يحلون زواج المتعة، أو أنهم فرس ضد العرب، وكأن "العرب" دين!

إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!

x.com/selimazouz1