لم يتمكن نشأت جميل من توفير الغذاء والماء لأسرته التي أصرت على البقاء في
مخيم جباليا شمال قطاع غزة، على وقع عدوان بري مستمر تنفذه قوات
الاحتلال لليوم السادس على التوالي.
يقول نشأت لـ"عربي21"، إن أسرته المكونة من 5 أفراد تعاني نقصا شديدا في إمدادات الغذاء والماء، بفعل
الحصار المطبق، ومنع الاحتلال الحركة داخل المخيم وأزقته، على وقع عملية وحشية ينفذها الاحتلال لتدمير ما تبقى من الأحياء ومعالم الحياة في المخيم.
ويتدبر نشأت وعائلته أمورهم بما توفر من بقايا ماء وغذاء داخل منزلهم المدمر جزئيا، والواقع وسط مركز عمليات الاحتلال، وتحديدا في محيط ما يعرف بمنطقة "الترانس"، حيث يعمد إلى استخدام ما تبقى من ماء في أحد الخزانات للشرب، فيما يتناول هو وعائلته علبة واحدة من الفول أو الفاصوليا يوميا فقط، لسد رمقهم.
ويكشف نشأت في شهادته بقوله: "اضطررنا لشرب الماء الذي لا يصلح سوى لغسل الملابس والأطباق، بسبب شح ماء الشرب، ونعتاش على ما تبقى لدينا من معلبات بالحد الأدنى أملا في انتهاء العدوان قريبا".
ولا يستطيع نشأت وعائلته إشعال النار لصناعة الخبز، رغم توفر بعض الدقيق، وذلك حتى لا يلفت الانتباه لوجوده في منزله، ذلك أن الاحتلال يستهدف كل من يشك أنه ما زال داخل منزله، في محاولة لقتل الحياة في المخيم، وللدفع بتهجير أهله نحو مناطق جنوب القطاع.
ويعيش يوسف سعيد أوضاعا ليست أحسن حالا، فشح الغذاء والماء يلازمانه داخل مركز إيواء "مستشفى اليمن السعيد"، بعد أن نزح إليه رفقة عائلته.
يقول يوسف لـ"عربي21"، إنه يضطر إلى تناول وجبة واحدة يوميا فقط، مع حصة من المياه لا تتجاوز لترا واحدا، بسبب شح المياه والغذاء، وتواصل العدوان على المخيم، مع تعطل الخروج والدخول إليه.
ويشرح يوسف بقوله: "تضطر العائلات هنا لتدبر أمورها بنفسها بسبب غياب خدمات الجهات الإغاثية على وقع الحصار، واستفحال المجاعة، والحاجة الملحة لدى شريحة واسعة من النازحين الذين يعجزون عن توفير لقمة عيشهم في ظل هذه الظروف العصيبة".
ولليوم السادس على التوالي، تعاني آلاف الأسر شمال قطاع غزة من نقص حاد بالمياه والغذاء، نتيجة الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المتواصل الذي يرتكب فيه مجازر بحق المدنيين.
ويناشد المواطنون المحاصرون عبر منصات التواصل الاجتماعي، لإغاثتهم بشكل عاجل لإنقاذهم وأطفالهم من الموت جوعا وعطشا.
ومنذ نحو أسبوعين، توقفت عملية توزيع المساعدات الإغاثية في معظم مناطق شمال قطاع غزة، بسبب منع جيش الاحتلال دخول شاحنات المعونات التي تقدمها المؤسسات الدولية والمحلية.
واشتكى برنامج الأغذية العالمي، الخميس، من عدم قدرته على توزيع الغذاء في محافظة شمال غزة، نتيجة نقص الإمدادات.
يأتي ذلك في ظل قيود مشددة تفرضها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على وصول المساعدات إلى قطاع غزة، والتي تشتكي منظمات عدة أنها تجعل تقديم الاستجابة الإنسانية أمرا صعبا للغاية، إن لم يكن مستحيلا.
وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان بمنصة إكس: "لم نعد قادرين على توزيع الغذاء بأي شكل من الأشكال بمحافظة شمال غزة".
وأضاف أن "نقص الإمدادات بغزة يجبرنا على وقف توزيع الطرود الغذائية خلال تشرين الأول/ أكتوبر الجاري".
في السياق، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين "الأونروا" أن الاحتلال الإسرائيلي يحاصر على الأقل 400 ألف فلسطيني شمال القطاع.
ومنذ بدء عدوانه واجتياحه البري الجديد شمال القطاع في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، يحاصر الاحتلال الإسرائيلي بلدة جباليا ومخيمها ومدينة بيت حانون، ويمنع الأهالي من النزوح إلى مدينة غزة المجاورة، ويأمرهم بالنزوح فقط عبر شارع صلاح الدين الممتد على طول شرق القطاع من شماله إلى جنوبه.
وهذا الاجتياح البري الثالث الذي تنفذه قوات الاحتلال في مخيم جباليا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ويعتمد المواطنون شمال قطاع غزة على بعض الآبار العشوائية التي تعمل بالطاقة الشمسية، وعربات المياه المتنقلة في الشوارع، لتلبية احتياجاتهم الأساسية من المياه الصالحة للاستهلاك.
وأصبحت هذه الوسائل هي المصدر الأساسي للحصول على المياه، بعد أن تعمد الاحتلال تدمير معظم آبار المياه العامة وشبكات البنية التحتية خلال حرب الإبادة المستمرة منذ نحو أكثر من عام.
ومع بدء العدوان الحالي على بلدة جباليا ومخيمها، توقفت آبار المياه العشوائية عن العمل، ولم تتمكن مركبات نقل المياه من الوصول لإغاثة المحاصرين.
وأعلنت مصادر طبية أن الوضع بمستشفيات شمال القطاع بلغ مرحلة "كارثية" تهدد حياة الأطفال بقسم العناية المركزة، ويشكّل تهديدا لحياة 400 ألف إنسان، وذلك مع استمرار الاجتياح البري لقوات الاحتلال لليوم السادس على التوالي.
وخلفت حرب الإبادة الجماعية في غزة المتواصلة منذ أكثر من عام، أكثر من 139 ألف شهيد وجريح، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.