يواصل
النزاع والحرب في
السودان بين
الجيش السوداني وقوات
الدعم السريع أعمال العنف
والدمار في مختلف أنحاء البلاد، ما أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين، حيث يعاني
السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الأساسية،
ويتسبب في تفاقم الأزمات الإنسانية ويهدد الاستقرار في المنطقة بأسرها.
ونشرت
صحيفة "
واشنطن بوست" تقريرا أعدته كاثرين هورلد وحافظ هارون، قالا فيه
إنه رغم النفي والإنكار إلا أن قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية تلقت
الدعم من الخارج، فالوثائق وعمليات تفتيش الأسلحة والتقييمات السرية كلها تثبت هذا،
وقالت الصحيفة إن الحرب الأهلية المدمرة في السودان تتغذى جزئيا من الدعم
الخارجي الذي يتلقاه طرفا الصراع في السودان من
الإمارات وإيران، وفقا لتقييمات
سرية وتقرير مولته وزارة الخارجية الأمريكية والأدلة التي جمعت من الأسلحة التي تم
الاستيلاء عليها في السودان.
وسمح
المسؤولون العسكريون السودانيون في مدينة أم درمان، لمراسلي صحيفة "واشنطن
بوست" بالاطلاع على مسيرة قالوا إنهم استولوا عليها قبل فترة من قوات لدعم
السريع إلى جانب الذخيرة المحملة بالمسيرة. وقدم المسؤولون صورا للصناديق التي
استولوا عليها، بما في ذلك صندوق يحمل علامة تشير إلى أن الذخائر تم تصنيعها في صربيا
وأرسلت إلى القيادة اللوجيستية المشتركة في القوات المسلحة الإماراتية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الدليل يتطابق مع النتائج التي توصل
إليها "مرصد النزاع في السودان" وهي مجموعة ممولة من وزارة الخارجية
الأمريكية ترصد الرحلات الجوية الإماراتية، وقد أشركت المجموعة "واشنطن
بوست" بالتقييم وبشكل حصري، وقبل نشره يوم الثلاثاء.
ورصدت المجموعة 32 رحلة جوية ما بين حزيران/ ونيو 2023 وأيار/ مايو 2024 وتوصلت "بقين تام" بأنها كانت تنقل الأسلحة من الإمارات
إلى قوات الدعم السريع. وأنكرت قوات الدعم السريع تلقيها الدعم العسكري من
الإمارات ورفض دبلوماسيون إماراتيون هذه الادعاءات وبشدة، عندما أثارها مسؤولو
الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام.
وقالت
وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لصحيفة "واشنطن بوست" إن
"الإمارات العربية المتحدة لا تقدم أي دعم أو إمدادات لقوات الدعم السريع أو
أي أطراف متحاربة أخرى".
وأضافت
الصحيفة أن الجيش السوداني، يستخدم ومنذ العام الماضي، مسيرات مسلحة حصل عليها من
الخارج، وبخاصة تلك التي توفرها
إيران سرا، حسب مرصد النزاع السوداني. وقد رصدت
المجموعة سبع رحلات جوية بين إيران والسودان في الفترة من كانون الأول/ ديسمبر حتى
تموز/ يوليو. وقال التقرير إن أربع من الرحلات الجوية كانت عسكرية، على ما يبدو،
ذلك أنها عادت إلى منطقة انتظار تابعة للقوات الجوية الإيرانية في مطار طهران.
وقال
التقرير إن الطائرات الثلاث الآخرى أوقفت جهاز التعقب عندما هبطت في إيران، حيث يثير
هذا السلوك المشبوه شكوكا بأنها كانت محملة شحنات عسكرية.
وفي
الوقت الذي أكد فيه المسؤولون السودانيون في تصريحاتهم العلنية عدم حصولهم على
أسلحة من إيران، إلا أن مسؤولين أمنيين سودانيين أكدوا حصولهم عليها، فيما امتنع
المسؤولون الإيرانيون عن التعليق.
وقد تم
الكشف في الماضي عن دعم الإمارات وإيران للطرفين المتحاربين في السودان، بما في
ذلك تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز" كشفت فيه عن الدعم الإماراتي للدعم
السريع من مطار عسكري في الجارة تشاد. لكن لم يتم الكشف عن بعض التفاصيل التي
تتعلق بوتيرة وأنماط وشكل الرحلات الجوية من الإمارات وإيران إلى السودان.
وكانت
الحرب قد اندلعت بين الجيش والميليشيا شبه العسكرية لقوات الدعم السريع في
نيسان/ أبريل 2023، وجاءت بعد أشهر من التوتر بين الطرفين حول تقاسم السلطة في
البلاد. وقد أدت الحرب لتشريد خمس السكان فيما باتت المجاعة تلوح في الأفق، وبخاصة
في غرب السودان، أما محادثات السلام ووقف إطلاق النار التي رعتها الولايات المتحدة
فقد فشلت، وسط مشاركة في دول بالمنطقة في زيادة نيران الحرب، ما يزيد من مخاوف
انتشار النزاع إلى خارج السودان وزعزعة استقرار جيرانه.
ونقلت الصحيفة عن المبعوث الأمريكي للسودان توم
بيريليو قوله: "أن تكون لديك دولة غارقة ليس في العنف وعدم الاستقرار بل
والتحول بشكل محتمل لدولة فاشلة، هو أمر يزيد من ظهور مخاطر ضخمة على الاستقرار
الإقليمي"، مضيفا أن "كل دولة بالمنطقة ستخسر أكثر من خلال السماح
بانهيار البلد وأكثر من محاولة تحقيق مكاسب ضيقة". وتعتير منطقة دار فور
منطقة يحظر تصدير السلاح إليها بموجب قرار من الأمم المتحدة، ولكن ليس السودان كله.
ونظرا لموقع السودان الإستراتيجي، فقد تابعت الإمارات
وإيران والسعودية وتركيا وروسيا التطورات عن كثب، وبخاصة أن نسبة 12% من الشحن
العالمي تمر من مياهه في البحر الأحمر. ونقلت الصحيفة عن ألكسندر روندوس، أحد كبار
المستشارين في مركز أفريقيا بالمعهد الأمريكي للسلام: "لقد أصبح القرن
الأفريقي ساحة للمصالح المتنافسة من الخليج، والتي تمول وتسلح الوكلاء
المحليين" و"من يسيطر على السودان، يسيطر على البحر الأحمر".
ويقول الدبلوماسيون والمحللون إن اهتمام الإمارات بالسودان
نابع من الخوف على ممرات الملاحة في البحرية الأحمر، المهمة للتجارة على الموانئ
الإماراتية ومن عودة الإسلاميين الذين انتعشوا أثناء حكم عمر البشير. ولدى أبو ظبي
اهتمام كبير بتجارة الذهب السودانية وقطاع الزراعة ولها علاقات قوية مع قائد الدعم
السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، وتعتبر الإمارات حليفا عسكريا
ودبلوماسيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وفي
الشهر الماضي اعتبر الرئيس جو بايدن الإمارات "حليفا دفاعيا رئيسيا"،
لكنه لم يذكر دعمها للمقاتلين في السودان. ووصف دبلوماسيان غربيان، تحدثا بشرط عدم
الكشف عن هويتهما، النفي الإماراتي لتسليح قوات الدعم السريع بأنه
"سخيف" و"هزلي". فمن خلال تتبع الرحلات الجوية الإماراتية،
وجد مرصد النزاع في السودان أن الطائرات هبطت وبشكل منتظم في مطار أم جراس في شمال
شرق تشاد، بالقرب من حدودها الطويلة التي يسهل اختراقها مع السودان. ويقول
الإماراتيون إن قاعدة أم جراس هي مستشفى ميداني يستقبل الجرحى من المدنيين، على
الرغم من أنها تبعد عدة ساعات بالسيارة عن مخيمات اللاجئين السودانيين.
وذكر
تقرير المجموعة أن بعض الطائرات ارتبطت في عمليات تهريب الأسلحة، وقال جاستن
لينتش، المستشار مع المرصد "لا يوجد أي تفسير معقول لهذا العمليات الجوية إلا
دعم قوات الدعم السريع بالأسلحة" و "لا أحد ينخدع بهذا". وحمل قائد
الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان في مقابلة كلا من تشاد والإمارات
مسؤولية استمرار الصراع. وقال البرهان: "نريد إنهاء هذه الحرب، لكننا بحاجة
إلى أن تتوقف الإمارات عن دعم قوات الدعم السريع".
وقال المسؤولون السودانيون إن المسيرة التي كشفوا عنها
لصحافيي "واشنطن بوست" تم الاستيلاء عليها في معركة للسيطرة على مبنى
الإذاعة والتلفزيون في أم درمان واستمرت مدة شهر، وكانت مزدوة بوحدة التحكم
والقنابل الصغيرة. وعلق خبراء عسكريون إن المسيرات هي عبارة عن تجميع للقطع
المتاحة في السوق. وكانت المسيرات محملة بذخيرة من عيار 120 ميلميتر.
وقال
المسؤولون إنهم استولوا على 30 صندوقا سمحوا لصحافيي "واشنطن بوست" بالاطلاع
عليها وفحصها. ورغم عدم وجود علامات عن مكان التصنيع للذخيرة إلا أن المعلومات
عنها تتطابق مع الصور لصندوق تم الاستيلاء عليه ويحمل علامة تصنيع من الشركة
المملوكة للدولة في صربيا واسمها جوكيومبورت- أس دي بي آر جي بي والتي صدرت إلى
القيادة اللوجيستية المشتركة في القوات المسلحة الإماراتية.
وقام جونا ليف المدير التنفيذي لمنظمة أبحاث تسليح النزاع
ومقره بلندن بمراجعة الصور للصندوق وقال إنها تتطابق مع العلامات التي تستخدمها
شركات التصنيع الصربية. ولكن الشركة الصربية لم ترد على طلب للتعليق. وقال جيرمي
بيني، المختص في شؤون الدفاع المتعلقة بالشرق الأوسط في شركة جينز، إن صور ما يطلق
عليها المسيرات الانتحارية بدون طيار المستخدمة في السودان تبدو متطابقة مع صورة
مسيرة عرضتها الإمارات في أبو ظبي.
وأضاف
أن هناك نوعا آخر من المسيرات المستخدمة في السودان، وهي طائرات متعددة المروحيات
التي تسقط قنابل صغيرة، حيث استخدمت في صراعات أخرى شاركت فيها الإمارات، بما فيها
اليمن وإثيوبيا. وبالمقابل، فقد تلقت القوات المسلحة السودانية دعما خارجيا أقل من
الذي حصلت عليه قوات الدعم السريع. وقال مسؤولون سودانيون إن الدعم المقدم من مصر،
حليفة الجيش منذ فترة طويلة، تراجع بعد أن وعدت الإمارات باستثمار 35 مليار دولار
في مصر، لذلك اتصل الجيش السوداني بإيران وروسيا.
كما أن العسكر في السودان قرروا استئناف العلاقات مع طهران في
تشرين الأول/ أكتوبر، بعد ثماني سنوات من القطيعة في العلاقات. وقال المرصد إن
رحلات جوية سرية من إيران إلى السودان بدأت تصل في كانون الأول/ ديسمبر، باستخدام
طائرة سبق أن حددتها الحكومة الأمريكية على أنها تنقل أسلحة إلى مقاتلين سوريين
مرتبطين بإيران. وكانت آخر رحلة إيرانية للسودان في تموز/ يوليو.
وذكر
التقرير أن الرحلات التي تديرها شركة فارس إير قشم الإيرانية بدأت من مطار مهرباد
الإيراني إلى بندر عباس في جنوب إيران قبل أن تتوجه إلى بورتسودان. وتعتبر مهر أباد
وبندر عباس قاعدتين مهمتين لقوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وذكر التقرير أن
مهر أباد تستضيف القاعدة الجوية التكتيكية الأولى، موطن صناعات الطائرات الإيرانية،
كما أن بندر عباس هي قاعدة لأسطول المسيرات الإيرانية.
وجاء في
التقرير: "منذ بداية الرحلات الحوية في كانون الأول/ ديسمبر 2023 زادت الأسلحة
الإيرانية التي عثر عليها ساحات المعارك"، مثل مسيرة ’مهاجر 6’ التي أسقطت في
الخرطوم. ونفى الجنرال ياسر العطا، مساعد القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية،
أن يكون الجيش قد تلقى في الأونة الأخيرة مسيرات إيرانية، إلا أن مسؤولا أمنيا آخر
أكد استلام مسيرات، مضيفا أن إيران رغبت ببناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر مقابل
المسيرات وغيرها من المساعدات العسكرية، لكن الجيش السوداني دفع المال مباشرة
مقابل المسيرات.