ملفات وتقارير

لماذا لا تستضيف إستادات مصر بطولات الكرة بدلا من الإمارات والسعودية؟

لفت معلقون إلى أن مصر فيها إستادات دولية هي الأهم والأقدم في الشرق الأوسط وإفريقيا- جيتي
مع إقامة بطولة السوبر الإفريقي بين الأهلي والزمالك في العاصمة السعودية الرياض 27 أيلول/ سبتمبر الماضي، ثم السوبر المصري بين 4 فرق محلية في منافسات اختتمت مساء الخميس، بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، يثار التساؤل حول أسباب عدم إقامة تلك البطولات وما سبقها في عواصم عربية بدلا من إستادات مصر، وذلك الذي جرى افتتاحه كانون الثاني/ يناير الماضي، بالعاصمة الإدارية الجديدة بإمكانيات عالمية وتكلفة كبيرة.

وللمرة الثانية على التوالي، تقام منافسات "كأس السوبر المصري" بالإمارات حيث استضاف مجرياتها الأخيرة إستاد "محمد بن زايد" في أبوظبي، فيما تبلغ قيمة جوائز البطولة 500 ألف دولار، حصل منها الأهلي الفائز وفقا مجلس أبوظبي الرياضي اللجنة المنظمة على 250 ألف دولار، (حوالي 12 مليون جنيه مصري)، بينما يحصد الزمالك 125 ألف دولار، و75 ألف دولار لبيراميدز، و50 ألفا لسيراميكا.

وفي 26  أيلول/ سبتمبر الماضي، استضاف إستاد "المملكة أرينا" بالعاصمة السعودية الرياض بطولة "كأس السوبر الإفريقي" بين الأهلي بطل دوري أبطال إفريقيا، والزمالك الفائز ببطولة كأس الكونفيدرالية الإفريقية، والتي بلغت جوائزها 750 ألف دولار، منها 500 ألف دولار للزمالك الفائز باللقب، و250 ألف دولار للأهلي.

وفي آذار/ مارس الماضي، وعلى هامش موسم الرياض، احتضنت السعودية أول نهائي لـ"كأس مصر" في كرة القدم يقام خارج البلاد، بين الأهلي وغريمه الزمالك، مقابل امتيازات مالية للاتحاد المصري والناديين، هي الأعلى في تاريخ كأس مصر منذ انطلاقها في 1921، حيث حصل الأهلي على 950 ألف دولار، والزمالك على 250 ألفا، والاتحاد الكروي على مليوني دولار.

وتستضيف دول الخليج بطولات عالمية، ومن المقرر أن تستضيف قطر المباريات الأخيرة من بطولة "كأس القارات للأندية" (إنتركونتيننتال 2024)، التي تبدأ أدوارها التمهيدية الأحد والثلاثاء المقبلين، بمشاركة الأهلي المصري، والعين الإماراتي، وريال مدريد الإسباني، وباتشوكا المكسيكي، وأوكلاند سيتي النيوزيلندي، وبطل كوبا ليبرتادوريس.

"غضب وانتقادات"
تكرار إقامة بطولات كروية مصرية على أرض الإمارات والسعودية دفع العديد من النشطاء والمراقبين والمهتمين بالملف الرياضي والسياسي في مصر لتوجيه انتقاداتهم لإقامة البطولات المصرية على أرض غير مصرية، وهو ما بدا لافتا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

رئيس مجلس إدارة موقع "الحرية" المحلي، الدكتور محمود فؤاد، أشار عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى أن مباريات السوبر المصري المقامة في الإمارات بين الأهلي والزمالك وسيراميكا كليوباترا وبيراميز، لفتت أنظار العالم إلى الإمارات مدة 4 أيام، وشاركت في رعايتها وسائل الإعلام وشركات الرعاية، التي دفعت في الإعلانات مليارات تحصل عليها الإمارات.

وتساءل: "لماذا تم تدشين إستاد العاصمة الإدارية؟"، مؤكدا أنه لو تم لعب السوبر المصري عليه مع التسويق للبطولة لكنا كسبنا مئات الملايين من الجنيهات، ملمحا إلى أن ما قدمته الفرق المصرية من أداء بالبطولة جدير بالعرض في مصر.



ولفت البعض إلى أن مصر بها إستادات دولية هي الأهم والأقدم بالشرق الأوسط وإفريقيا، مؤكدا أنه يمكنها استضافة بطولة كأس العالم وليس بطولات محلية أو قارية، مشيرين إلى إستادات: "العاصمة الإدارية"، و"القاهرة"، و"برج العرب"، و"السلام"، و"الدفاع الجوي"، وغيرهم.

وذكر البعض بموقف استضافة مصر بطولة إفريقيا 2019، بدلا من الكاميرون، وذلك قبل أسابيع من سحب الاتحاد القاري "كاف" التنظيم من "ياوندي" لتأخرها في إنجاز المنشآت المطلوبة، لتحتضن القاهرة البطولة للمرة الخامسة في تاريخها وتنقذ البطولة من الإلغاء أو التأجيل.

وانتقد مصريون ما أطلقوا عليه الإهمال الحكومي لهذا الملف، رغم ما تم صرفه على إستاد مصر، والقرية الأولمبية في العاصمة الإدارية الجديدة من أموال تلامس 3 مليارات دولار، ومنح التنظيم لعواصم عربية.



"إستاد مصر"
ويعتبر "إستاد مصر"، الذي بدأ العمل به عام 2019، الأكبر في الشرق الأوسط بسعة 94 ألف متفرج، والثاني قاريا بعد إستاد البنك الوطني الأول في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، فيما يقع جنوب مقر "وزارة الدفاع" الجديد (الأوكتاغون) على طريق (القاهرة-العين السخنة)، ضمن المدينة الرياضية المقامة على 92 فدانا بتكلفة 2.8 مليار جنيه، بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحسب أرقام رسمية.

وتبلغ التكلفة المعلنة لإنشاء إستاد العاصمة الإدارية 900 مليون جنيه (نحو 19 مليون دولار) -بسعر 30.85 جنيه رسميا للدولار- وهو الرقم الذي شكك مراقبون في صحته، واعتبروه ضئيلا بجانب تكلفة إستاد النادي الأهلي المصري الذي يقام بمدينة "6 أكتوبر" (غرب القاهرة)، بنحو 8 مليارات جنيه، وتكلفة إستاد النادي المصري البورسعيدي (شمال شرق القاهرة) والبالغة 3.5 مليار جنيه.

وذلك مع مراعاة فارق حجم وسعة "إستاد مصر"، المقام على 70 فدانا، والذي يعد "أول ملعب رياضي مصري في كرة القدم مغطى بالكامل، وتمتاز أرضيته بالعشب الهجين الخليط بين الطبيعي والصناعي"، وذلك وفقا للأنظمة الحديثة والتقنيات العالمية والمعايير الدولية، فيما يضم عددا من الملاعب والصالات المغطاة، والمرافق والخدمات و"غرف VIP"، والمطاعم والكافتيريات وغرف الملابس، استعدادا لاستضافة البطولات الدولية والقارية.

حين الافتتاح، قيل إنه سيتم الاستثمار في "إستاد مصر"، لكنه رغم افتتاحه منذ 10 أشهر فلم تقم عليه إلا بطولة دولية ودية واحدة في آذار/ مارس الماضي.

وفي 6 كانون الثاني/ يناير الماضي، جرى افتتاح "إستاد مصر"، بحضور السيسي، للمرة الأولى لاستضافة تدريبات منتخب مصر الأول لكرة القدم، ضمن استعداداته لبطولة كأس الأمم الإفريقية في كوت ديفوار 13 كانون الثاني/ يناير الماضي.

ومن 18 حتى 26 آذار/ مارس الماضي، شهد "إستاد مصر" أول بطولة كروية تحت مسمى "كأس عاصمة مصر الدولية الودية"، بمشاركة منتخبات مصر، وتونس، وكرواتيا، ونيوزيلندا.

وبينما لم تقام على الاستاد الكبير أيا من مباريات منافسات البطولات المحلية بين الدوري والكأس وبطولة السوبر، يستقبل الإستاد فعاليات تنظمها الدولة ويحضرها السيسي، ومنها الاحتفال المقرر السبت، بمناسبة الذكرى الـ51 لانتصار أكتوبر 1973، مع حشد جماهيري واسع من قبل حزب "مستقبل وطن" و"اتحاد القبائل العربية" الذي يترأسه السيناوي المثير للجدل إبراهيم العرجاني.



سياسي مصري، وخبير اقتصادي، وناقد رياضي، تحدثوا إلى "عربي21"، عارضين رؤيتهم حول أسباب عدم استضافة إستاد العاصمة الإدارية بطولات الكرة المصرية بدلا من الإمارات والسعودية، وتضحية الحكومة متمثلة في وزارة الشباب واتحاد كرة القدم بملايين الدولارات التي تحصدها دول عربية من إقامة بطولاتها الهامة، والتضحية بترويج مجاني للعاصمة الإدارية الجديدة.

"هل لدينا فائض مالي؟"
وفي رؤيته، انتقد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد خزيم، عدم استخدام إستادات مصر وإستاد العاصمة الإدارية وتركها بلا أضواء ودعاية وترويج ودخل كبير، وإقامة تلك البطولات على أرض دول أخرى، متسائلا: "لماذا نفرط في دخل كبير مثل هذا؟، وهل لدينا فائضا من الجنيه أو الدولار لنخرج 4 فرق مصرية للعب في دول أخرى؟".

وحول سبب إصرار الحكومة المصرية على هذا التوجه، قال لـ"عربي21"، إن "السبب غير مفهوم، كما أنه في ظل غياب الشفافية والإفصاح عن الأرقام الحقيقية لا نعرف التكلفة الحقيقية للمنشآت، ولا على ما تحصل عليه الدول المنظمة من أموال يتم حرمان المصريين والمنظومة الرياضية المصرية منها".

ويرى أنه "كان من الأولى أن يتم لعب تلك المباريات في إستادات مصرية، لكي تحصل الخزانة العامة المصرية على أموال تلك البطولات، وعوائدها المالية من البث الفضائي وحقوق الرعاية والإعلانات ومخصصات البطولات القارية، وغيرها".

وأكد أنه "لدينا من الإمكانيات لعمل ترويج جيد لمثل تلك البطولات على أرض وإستادات مصر ومنشآتها الرياضية"، ملمحا إلى "أننا بهذا نضحي بترويج مجاني للعاصمة الإدارية الجديدة، عبر إقامة تلك البطولات ببلدان أخرى"، ملمحا إلى أن "عدم استغلال إستاد بهذا الحجم وتلك التكلفة طوال عام، يعني خسائر كبيرة".

وحول ما يثار عن الحكومة تنحى هذا المنحى وتقبل بتلك الخسائر لإرضاء دول الخليج لنيل دعمها، قال إنه "على المسؤولين أن يراعوا مصلحة بلادهم أولا، وقبل كل شيء لا مصلحة دول أخرى".

"مخاوف أمنية"
من جانبه، انتقد السياسي المصري والنائب البرلماني السابق، طلعت خليل، عدم استخدام "إستاد كبير بحجم إستاد العاصمة الإدارية إلا في مباريات ودية عدة أيام منذ 7 شهور، ولم يستخدم إلا في احتفال جماهيري السبت".

وفي حديثه لـ"عربي21"، تساءل: "لماذا نترك منشآتنا التي تكلفت ملايين الدولارات بينما تم بناؤها بالدين الخارجي، ونذهب إلى بلدان أخرى".

وأكد أن "تلك المباريات يمكن الترويج لها والحصول على على مبالغ أكبر عبر شركات الرعاية، ولا نخرج للخارج".

وحول سر توجه الحكومة نحو إقامة البطولات الكروية خارج مصر، قال إن "السر غير مفهوم، والغرض غير معروف"، متسائلا: "هل هي مصالح أمنية بإبعاد الجمهور عن الملاعب المصرية حتى لا تحدث أزمات وحتى لا يرفع أحد علم فلسطين، ولمنع أية تجمعات بحجم جماهير الكرة".

ويتفق خليل، مع ما يثار حول "استفادة اتحاد الكرة المصري من إقامة تلك البطولات في الخارج، وبعض الأشخاص والإعلاميين الذين يدعمون هذا التوجه الذي يقابله الحصول على هدايا من الخارج ومكاسب مالية خاصة وهدايا عينية وتذاكر سفر وإقامة مجانية وغيرها".

ورفض السياسي المصري في المقابل، "استخدام إستاد العاصمة الإدارية في غير أغراضه الرياضية كالدعاية السياسية"، منتقدا زيارة وفد القبائل العربية لإستاد مصر قبل أيام وتفقده قبل المؤتمر الحاشد السبت، بحضور فنانين ومطربين".

وفي نهاية حديثه تساءل: "من يتحمل نفقات إيجار الإستاد المبني بأموال القروض التي يدفع فوائدها وأقساطها شعب مصر".

"4 أسباب أحدها ساخر"
وفي رؤية رياضية، قال الناقد الرياضي المصري أحمد سعد: "أرى أن الأمر يأتي أولا: لدواعي وأسباب مادية بحتة؛ لأن الإمارات تدفع لهم أموالا كثيرة لتنظيم البطولة، وحتى تقام لديها لأهداف تسويقية خاصة بها، ولأهداف يمكن أن تكون لدوافع سياسية، على أساس أن توطد علاقاتها بجماهير الأهلي والزمالك باعتبارهما شريحة كبيرة، لكن الأساس مادي كما أنها تقدم مكافآت مادية لا تقدر مصر على توفيرها".

الكاتب الصحفي المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "الأمر الثاني أنه من الممكن أن تقام البطولات في إستاد العاصمة الإدارية وترعاها الإمارات أيضا؛ لكن القيادة السياسية في مصر ليس لديها الإرادة التي تجعلها تستضيف تنظيم مباريات جماهيرية كبيرة مثل مباريات الأهلي والزمالك في بطولة استثنائية مثل بطولة السوبر، التي لا بد أن تشارك بها جماهير الكرة".

وأوضح أنه "بالتالي لو منعت الدولة الجماهير فقد تحدث مشكلة؛ وبالتالي فهي تبتعد عن أي أزمة محتملة وتلعب البطولة في غير أرض مصر لأنه كما نعرف أن النظام يخاف الحضور الجماهيري ويفرض عليه قيودا شديدة، وبالتالي فإن هذه مسألة هو يخاف منها تماما".

وتابع: "ولا شك أن النظام بمباريات مثل هذه كان يمكنه أن يكسب منها ود الجماهير وتأييد الجماهير؛ إلا أن خوفه من غضبة الجماهير أو أن يهتف بعضهم لفلسطين أو غزة أو ضد إسرائيل أو يرفع علما أو شعارا، وهي أمور كلها تجعل النظام يخاف من الحضور الجماهيري".

وأشار إلى أنه "في الإمارات العملية تكون منضبطة أكثر، فالأمن أشد، والجماهير أقل ويمكن أن تكون غير معنية بصورة أكبر بمسألة القضايا السياسية، أو تخاف من المغامرة بعمل أي فعل سياسي يتبعه حدوث مشكلة أمنية هناك، وبالتالي فالمسألة هناك عليها قيود ولكن في مصر ليس بفارق مع الجمهور هذه الأمور، ويمكنه إدخال علم فلسطين خلسة أو إسرائيل، وبالتالي فالمسألة تمثل ورطة للنظام ولذا أعتقد أنهم ينظمون مباريات السوبر تحديدا في الإمارات".

الأمر الثالث، والهام، وفق رؤية الناقد المصري، أن "هناك تعاقدا بين اتحاد الكرة أو رابطة الأندية المصرية أو يمكن القول الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي يسيطر على الإعلام الإعلام الرياضي، مع الإمارات، على إقامة بطولة السوبر كل عام وهذا اتفاق أعتقد أنه تم توقيعه منذ عام".

وختم حديثه ساخرا، ومشيرا إلى أن الأمر الرابع، هو أن "مباريات السوبر نحاول باعتبارنا دولة متقدمة وتناطح الدول الغربية بتطورها ونهضتها بكل شيء، تنظيم مباريات السوبر خارج أراضينا مثلما تفعل دول أوروبا كالسوبر الإسباني بالسعودية والسوبر الإيطالي الذي ينظم في الخليج أيضا، ونحن باعتبارنا دولة متقدمة فلم يتبق لنا إلا تنظيم مباريات السوبر كباقي الدول بالخارج لتكتمل صورة التقدم".