ملفات وتقارير

من الإسكندرية إلى قناة السويس.. هل أصبحت ممرات مصر المائية تحت خدمة الاحتلال؟

اتفاقية السلام بين مصر والاحتلال يسمح للسفن الإسرائيلية بالمرور عبر قناة السويس- الأناضول
تضاربت البيانات الرسمية المصرية بشأن السفينة "كاثرين"، التي استقبلها ميناء الإسكندرية وهي تحمل شحنة من المتفجرات في طريقها إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ولم تتعارض هذه البيانات الرسمية، التي صدرت في ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضي، مع المعلومات الدولية وصور الأقمار الصناعية فحسب، بل أيضا مع بعضها البعض.


وبدأت قضية السفينة "كاثرين" عندما رست في ميناء الإسكندرية في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي ترفع العلم الألماني، حيث كان يشتبه في أنها تحمل شحنة من المواد المتفجرة، ومن المتوقع أن تتوجه لاحقا إلى ميناء أسدود الإسرائيلي.

وفي أول رد رسمي في مصر، جرى نفي ما تردد حول استقبال مصر سفينة تحمل متفجرات متجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي، حيث أذاعت قناة القاهرة الإخبارية التابعة للمخابرات المصرية نفيا تاما للواقعة على لسان مصدر رفيع المستوى.

وعقب ذلك، صدر بيان عن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، والذي لم يذكر فيه السفينة كاثرين، ولكن أكد فيه "تنفي القوات المسلحة المصرية بشكل قاطع ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي والحسابات المشبوهة بشأن مساعدة إسرائيل في عملياتها العسكرية، وتؤكد أنه لا يوجد أي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل".

وبعد دقائق، أصدرت وزارة النقل بيانا يثبت وجود السفينة "كاثرين" في ميناء الإسكندرية، لكنها نفت أن تكون متجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أنها تتوجه إلى تركيا وأن حمولتها تخص وزارة الإنتاج الحربي.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية عالية الجودة، التي تم التقاطها الأربعاء الماضي، السفينة "كاثرين" راسية في ميناء الإسكندرية، حيث تظهر الصور أيضا عملية إفراغ حمولتها في الرصيف الحربي بالميناء.

 وأثار هذا الموقف العديد من التساؤلات، منها: لماذا لم تتوجه السفينة "كاثرين" مباشرة إلى ميناء أسدود القريب بدلاً من الإسكندرية؟ ولماذا أفرغت حمولتها في ميناء الإسكندرية إذا كانت الشحنة تخص الاحتلال؟ وأخيراً، ما الحاجة الحقيقية لإسرائيل لتلك الشحنة، التي تُعتبر صغيرة مقارنة بسلاسل التوريد الكبيرة المتاحة من الولايات المتحدة؟

حاول بعض المتابعين تقديم تفسيرات افتراضية تفيد بأن السفينة "كاثرين" قد تكون خائفة من التعرض للاستهداف إذا توجهت مباشرة إلى "إسرائيل"، خاصة بعد أن أصبح أمرها معروفا عالميا. لذا، اعتبروا أن ميناء الإسكندرية هو الخيار الأمثل لتفريغ حمولتها من المتفجرات، ومن ثم نقلها برا من الشمال الشرقي، حيث تقع الإسكندرية، إلى الشمال الغربي عند رفح، ومن هناك إلى "إسرائيل" عبر الحدود المصرية الإسرائيلية.

ولاقت هذه الواقعة اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام وحركات المقاطعة العالمية، مثل حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، التي أفادت بأن السفينة كاثرين كانت متجهة نحو دولة الاحتلال محملة بمواد تستخدم لأغراض عسكرية، ووصفت هذه الشحنة بأنها تعزز التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

وأثارت الشركة البحرية المصرية "إيمكو"، التي تولت عملية استقبال السفينة كاثرين، العديد من التساؤلات حول دورها في هذه القضية. ووفقا لما رصدته "عربي21" في موقع الشركة وفي مصادر مفتوحة٬ فإن رئيسة الشركة، راندا عبد الله، هي ابنة لواء سابق بالجيش يمتلك الشركة، وتتمتع بعضوية في مجلس إدارة غرفة ملاحة الإسكندرية.

كما تُشير المعلومات إلى أنها تربطها علاقات وثيقة مع الجهات الرسمية المصرية، وقد أُسندت إليها عدة مشاريع في السابق.

وتواصلت "عربي21" مع رئيسة الشركة، راندا عبد الله، لأخذ تعليق حول هذا الاتهام لكن لم تتلق ردا حتى كتابة هذا التقرير.

من جهتها، أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية، أن الشحنة التي كانت تحملها السفينة "كاثرين" لم تكن موجهة بشكل رسمي من الأراضي الألمانية.

وفي هذا السياق، قدم مركز الدعم القانوني الأوروبي، الذي يضم مجموعة من المحامين المعنيين بحقوق الإنسان، التماسا إلى القضاء الألماني لمنع شحنة تزن 150 طنا من المتفجرات العسكرية التي كانت في حوزة السفينة، والتي كان من المقرر تسليمها إلى شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية "إلبيت سيستمز"، أكبر مورد للمواد الدفاعية في دولة الاحتلال.

حراك حقوقي
وفي سياق رد المجتمع المدني٬ تقدم محامون مصريون ببلاغ للنائب العام ضد كل من رئيس مجلس الوزراء، ورئيسة هيئة ميناء الإسكندرية، والمديرة التنفيذية لشركة "إيمكو" للاستشارات البحرية، بشأن استقبال ميناء الإسكندرية للسفينة "كاثرين" بتوكيل من شركة "إيمكو".

وأوضحوا في بيانهم أن السفينة، التي رفضت عدة دول استقبالها، تحمل مواد متفجرة يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في عملياته العسكرية ضد المدنيين في غزة وحاليًا في لبنان منذ أكثر من عام.

وأشار المحامون إلى أن النيابة العامة طلبت منهم إعادة صياغة البلاغ بما يوضح طلبهم التحقيق في صحة الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية إذا ثبتت صحتها، وأعلمتهم بأنه سيتم تزويدهم برقم البلاغ لاحقًا.

وأضافوا أن دخول مثل هذه الشحنات إلى مصر لا يمثل فقط تهديدًا للأمن القومي المصري والعربي، بل يعرض مصر لموقف يخالف القرارات الدولية، ويجعلها تبدو كداعم لحرب الإبادة ضد الفلسطينيين والعدوان على لبنان، وهو ما يرفضونه رفضًا تامًا.

وطالب المحامون، بعد التحقق من الواقعة، بالتحفظ على السفينة ومنع مرور أي شحنات عسكرية عبر الأراضي المصرية لدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي. كما دعوا إلى فتح تحقيق عاجل في القضية والمسؤولين عنها، بالنظر إلى ما تمثله من انتهاك للقوانين الدولية والمحلية، وتعارض مع موقف الشعب المصري الرافض للاحتلال الصهيوني. وطالبوا أيضًا بالتحقيق مع شركة "إيمكو" وإدراجها في قوائم الكيانات الإرهابية إن ثبت تورطها.

وختم المحامون بدعوة المواطنين للانضمام إليهم في موقفهم الرافض لتورط مصر في دعم العدوان الإسرائيلي على أشقائنا في غزة ولبنان، وحثهم على إرسال تلغرافات أو بلاغات إلكترونية للنائب العام للتعبير عن رفضهم لمرور هذه الشحنة عبر الأراضي المصرية، مؤكدين: "لن نسمح بمرور هذه الشحنة باسمنا، ونرفض فتح الموانئ المصرية للمحتل الصهيوني وداعميه".

من ميناء الإسكندرية لقناة السويس
وفي الوقت الذي تستقبل فيه مصر سفينة متفجرات إسرائيلية٬ عبرت سفينة حربية إسرائيلية ترفع علم الاحتلال والعلم المصري قناة السويس.


وأصدرت هيئة قناة السويس الجمعة، بيانا توضيحيا حول سماحها بمرور سفن حربية من مختلف الجنسيات عبر المجرى الملاحي المصري. وأكدت الهيئة في بيانها التزامها بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تضمن حرية الملاحة في قناة السويس، سواء للسفن التجارية أو الحربية، دون تمييز بناء على جنسية السفينة.

كما أن للسفن الإسرائيلية الحق في المرور عبر قناة السويس منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر والاحتلال الإسرائيلي عام 1979. وتلجأ السفن التابعة للبحرية الإسرائيلية، المتمركزة في إيلات على ساحل البحر الأحمر، إلى عبور القناة للوصول إلى مقر قيادتها على ساحل البحر المتوسط.

تبادل تجاري لم يتوقف
ورغم الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة٬ أفاد تقرير حديث من مكتب الإحصاء الإسرائيلي بارتفاع حجم التبادل التجاري بين الاحتلال الإسرائيلي وخمس دول عربية خلال النصف الأول من العام الحالي.


ووفقا للتقرير، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الاحتلال وكل من الإمارات ومصر والأردن والبحرين والمغرب 367 مليون دولار في شهر حزيران/يونيو الماضي فقط. وتصدرت الإمارات هذه الدول بتبادل بلغ نحو 272 مليون دولار في حزيران/يونيو الماضي، مسجلةً زيادة بنسبة 5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

وحلت مصر في المركز الثاني بحجم تبادل تجاري بلغ 35 مليون دولار، مسجلةً زيادة بنسبة 29% مقارنة بشهر حزيران/يونيو من العام الماضي. وجاءت الأردن في المركز الثالث بحجم تبادل مماثل بلغ 35 مليون دولار، إلا أنها شهدت تراجعًا بنسبة 14% مقارنة بشهر يونيو/حزيران 2023.