ملفات وتقارير

التطبيع بين تركيا والأسد في محطة مغلقة وسط إقليم مشتعل.. هل يُطوى نهائيا؟

أردوغان دعا الأسد إلى اللقاء في تركيا أو بلد ثالث- جيتي
تعطل مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري مجددا على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها أنقرة على مدى الأشهر القليلة الماضية من أجل استئناف العلاقات مع نظام  بشار الأسد عبر الوسيط الروسي، الذي أعلن بنفسه عن توقف المفاوضات بين الطرفين.

ولا تزال تركيا تلوح باستعدادها للتطبيع مع النظام السوري منذ سنوات عديدة، إلا أن أنقرة رفعت سقف تصريحاتها بعد عودة المسار المتعثر إلى الواجهة مجددا في تموز/ يوليو الماضي بعرض الرئيس رجب طيب أردوغان على الأسد اللقاء في تركيا أو بلد ثالث.

وبالرغم من التصريحات التي تبادلها الطرفان خلال الفترة الأخيرة وتباينت بين الإيجابي والسلبي، فإنه لا يزال ملف انسحاب القوات التركية من شمال غرب سوريا أبرز العوائق التي تعيد ملف التطبيع إلى الوراء مع كل حديث جديد عن إحداث اختراق في المفاوضات التي تقوم روسيا، حليف الأسد الرئيسي، بدور الوسيط فيها.

وبحسب، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإن عملية التفاوض بين تركيا والنظام السوري توقفت إلى أجل غير مسمى على خلفية اختلاف في مواقف الطرفين إزاء الوجود العسكري التركي في شمال غرب سوريا.

وقال لافروف في حديث مع صحيفة "حرييت" التركية، الجمعة، إن "اختلاف مواقف دمشق وأنقرة (بشأن انسحاب القوات التركية) أدى إلى توقف عملية التفاوض".

وأضاف أن نظام الأسد "يصر على أنه من الضروري أولا توضيح مسألة انسحاب الوحدات العسكرية التركية من الأراضي السورية.. بينما تؤكد تركيا التزامها بسيادة سوريا ووحدة أراضيها من حيث المبدأ، لكنها تعرض مناقشة مسألة سحب القوات في وقت لاحق".

وجاءت التصريحات الروسية في وقت تحدث فيه مراقبون لـ"عربي21" عن وجود امتعاض لدى الجانب التركي من عدم قيام روسيا باستخدام نفوذها على النظام السوري من أجل دفع عملية التفاوض بالقدر الكافي.

ويرى الباحث في مركز أبعاد للدراسات، فراس فحام، أن توقيت التصريح الذي أدلى به لافروف يشير إلى أن الأمور في سوريا جامدة، موضحا أن "روسيا تنتظر الانتخابات الأمريكية وربما تعول على وصول ترامب إلى الحكم في البيت الأبيض من أجل إعادة التفاوض حول سوريا".

و"بالتالي فإن روسيا تريد التأكيد أنه لم يحصل أي تقدم في مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري، وأن الأمور في سوريا ممكن أن تأخذ منحى جديد ومسارات جديدة"، يقول فحام لـ"عربي21". 

وقبل أيام، توجهت الأنظار إلى روسيا حيث اجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة دول "بريكس"، إذ تحدثت تقارير عن وضع ملف التطبيع بين تركيا ونظام بشار الأسد على الطاولة خلال اللقاء.

وقال لافروف إن ملف التطبيع التركي مع النظام السوري "كان أحد المواضيع التي تناولها لقاء أردوغان مع بوتين"، مشيرا إلى أن بلاده "تبذل جهودا متواصلة لإنهاء الصراعات بين دمشق وأنقرة".

وبالرغم  من الحديث سابقا عن لقاء متوقع بين أردوغان والأسد على هامش القمة، إلا أن هذه اللقاء لم يدرج على جدول الأعمال "لأن الجانب التركي لم يستلم من دمشق حتى الآن الرد الحاسم على الرسائل الإيجابية من الرئيس أردوغان"، بحسب ما نقلته صحيفة "حرييت" عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة".

مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، يقول إن روسيا لم تمارس ضغوط على النظام السوري للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تركيا.

ويعلل العبد الله ذلك في حديثه لـ"عربي21"، برغبة موسكو في الحصول على مكاسب من تركيا بالملف السوري وبعدد من الملفات الأخرى المشتركة بين البلدين، ومنها أوكرانيا والعلاقة مع الغرب وأمريكا وغيرها.

خلال حديثه مع الصحفيين عائدا من روسيا بعد قمة "بريكس"، أشار أردوغان إلى أن "تأثير روسيا على الحكومة السورية معروف"، كاشفا عن طلبه من الرئيس الروسي ضمان رد بشار الأسد على دعوة بلاده.

وتابع أردوغان متسائلا: "هل سيطلب السيد بوتين من الأسد اتخاذ هذه الخطوة؟ لندع الوقت يجيب على ذلك".

وفي وقت سابق، دعا أردوغان الأسد إلى اللقاء في تركيا أو بلد ثالث، وأوضح أن وزير خارجيته هاكان فيدان "يقوم حاليا بتحديد خارطة الطريق من خلال محادثاته مع نظرائه".

لكن النظام السوري شدد على لسان وزير خارجيته السابق فيصل المقداد، على أنه "في حال أرادت تركيا أن تكون هناك خطوات جديدة في التعاون التركي مع النظام السوري، وأن تعود العلاقات إلى طبيعتها، فإن عليها أن تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها في شمال سوريا وغرب العراق".

امتعاض تركي في إقليم مشتعل
يشير سمير العبد الله إلى أن تركيا ربما تكون ممتعضة نتيجة عدم الضغط الروسي على النظام بالرغم من كل المبادرات والدعوات التي وجهتها أنقرة إلى النظام السوري.

لكن، بحسب الباحث، فإنها لن تصل الأمور إلى درجة الخلاف بين البلدين، وخاصة في ظل الأوضاع الإقليمية، والقلق على مصالح تلك الدول في حال حدوث أي توافقات إقليمية وقدوم إدارة أمريكية جديدة.

وتجدر الإشارة إلى أن ملف التطبيع المتعثر بين تركيا والنظام السوري وصل خلال الأشهر الأخيرة إلى درجة توالي التقارير في الصحافة التركية عن لقاء مرتقب بين أردوغان والأسد على الحدود السورية أو في موسكو، لكن كل ذلك تراجع مع تصاعد العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة وامتداده إلى لبنان.

وكان مراقبون تحدثوا لـ"عربي21" عن ملفات ضاغطة وراء تعزيز أنقرة خطاها على مسار التطبيع بما في ذلك الحاجة إلى حل ملف اللاجئين السوريين في تركيا وتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب.

ومع غليان الأوضاع في المنطقة وتكثيف "إسرائيل" غاراتها الجوية على مناطق مختلفة من الأراضي السورية وسط تقارير عن توغلها بريا في الجنوب، فإن مخاوف أنقرة تتصاعد من إمكانية تفجر المنطقة ووصول "إسرائيل" إلى حدودها في حال اجتاحت دمشق، كما حذر أردوغان.

وتشير أنقرة بمصطلح "مكافحة الإرهاب" إلى وحدات الحماية الكردية التي تهيمن على قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي تسيطر على مناطق شمال شرق سوريا "بدعم من حزب العمال الكردستاني"، المدرج على قوائم الإرهاب، فيما يقصد الأسد فصائل المعارضة السورية التي تدعمها تركيا شمال غرب البلاد.

في السياق، شددت أنقرة في أكثر من مناسبة على رفضها سحب قواتها من شمال غرب سوريا دون التوصل إلى عملية سياسية تنهي الأزمة السورية بموجب القرارات الأممية.

ويقول فحام إنه من الواضح أن تركيا لا ترغب في مناقشة مسألة انسحاب قواتها من على الأراضي السورية، في حين يريد النظام السوري ومن خلفه إيران أن تنسحب أنقرة أو على الأقل أن تحدد جدولا زمنيا للانسحاب.

ولا تبدو دوافع الجانبين بشأن ملف التطبيع متوافقة، لاسيما في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة.

ويلفت سمير العبد الله إلى أن النظام السوري "يريد المماطلة مع تركيا كونه موعودا بالحصول على مكافأة بعد نهاية الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وهذا ما يعتقد أنه سيحسن شروطه التفاوضية مع تركيا".

ويوضح أنه بالرغم من كل الدعوات التركية إلا أن الخلافات ما زالت كبيرة بين البلدين، من حيث المبادئ التفاوضية، أو الأساس الذي ستبنى عليه المفاوضات وأسس التطبيع بين الطرفين.

"تركيا لا تلبي رغبات الأسد"
قال أردوغان خلال عودته من روسيا، إن "منطقتنا تحولت إلى حلقة من النار، وللأسف هذه الحلقة تضيق يوما بعد يوم"، وأشار إلى أن بلاده تتطلع إلى "أن تفهم الحكومة السورية الفوائد التي سيوفرها لها التطبيع الصادق والواقعي لعلاقاتها مع تركيا، وأن تتخذ خطواتها وفقًا لذلك".

وأعرب الرئيس التركي عن أمله في أن يرى "خطوة بناءة بشأن هذه القضية في الفترة المقبلة من أجل التطبيع بين تركيا وسوريا"، وفقا لوكالة الأناضول.

من جهته، قال لافروف إن "تطبيع العلاقات السورية التركية له أهمية كبيرة للاستقرار المستدام في سوريا وتعزيز الأمن في منطقة الشرق الأوسط"، موضحا أنه ناقش ملف التطبيع مع نظيريه الإيراني والتركي أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الماضي خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة لعملية "آستانا" في نيويورك.

وترك وزير الخارجية الروسي الباب مواربا أمام احتمالات عودة المفاوضات بين الجانبين، قائلا إن بلاده "ستشجع بنشاط الاستئناف السريع لعملية التفاوض، بما أن هناك إشارات من العاصمتين باهتمام جدي باستئناف الحوار".

وفقا لفحام، فإن الجانب التركي يدرك أن النظام السوري "لن يتجاوب بشكل كبير وأن النظام أصابه الضعف، ولكن يعول على أن يكون هناك تفاوض ونوع من تحقيق الاختراق في هذه المفاوضات".

في المقابل، يعول الأسد على "الحرب الحالية الدائرة في المنطقة من أجل أن يقدم أوراق اعتماده لدى إسرائيل لأنه يدرك أنه من خلال العلاقة مع إسرائيل يمكنه أن يؤثر على الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن أن يصل إلى مرحلة رفع العقوبات"، بحسب الباحث.

ويرى فحام أن النظام السوري "لا ينظر إلى تركيا على أنها تلبي له رغباته لأنه يدرك أن لديها علاقة وثيقة مع المعارضة السورية، ولديها محددات وتشترط أن تكون هناك عملية سياسية".

أما في حالة إسرائيل، فيوضح أن "الأمر مختلف، حيث تريد إسرائيل من النظام أن يكون هناك تقييد للتحركات الإيرانية لإضعاف إيران، وقد يجعل ذلك المهمة أسهل على الأسد، الذي يريد الحفاظ على بقائه الآن، في حال خوض عملية تفاوضية في المستقبل".

وحول إمكانية عودة المفاوضات مجددا كما حديث سابقا، فإن فحام يشير إلى أن "طرح فكرة العلاقات سبيقى، لكن ليس على أساس أن يتنازل الجانب التركي وإنما على أساس أن النظام السوري هو الذي يغير موقفه، وبالتالي فقد نجد بعد فترة أن تركيا عادت لطرح الفكرة مجددا".

لكن الأمور كلها مرتبطة حقيقة بما ستؤول إليه الانتخابات الأمريكية وكيف ستتصرف الإدارة الجديدة خاصة في حال عاد ترامب، بشأن سحب القوات الأمريكية من سوريا أو تخفيف الوجود العسكري، وفقا للباحث في مركز أبعاد للدراسات.

من جهته، يرى سمير العبد الله أن "كلا الطرفين لن يغلق هذا المسار، لكن سيحاول كل طرف الوصول إلى شروط مناسبة له، وأن يكون بموقف قوي عند بدء التفاوض". 

وحتى لو توقف مسار التطبيع بين الطرفين لفترة من الزمن، فإنه سيعود مجددا سواء بوساطة روسية أو غيرها، وفقا لمدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.