جميلٌ أن تتمسَّك
الجزائر، بمعرضها الدولي للكتاب، الذي ستنطلق فعاليات طبعته السابعة والعشرين، خلال الساعات القادمة، والأجمل أن يتمسَّك الناس، بما يقدّمه هذا المعرض، الذي يخرجهم ولو لبعض الوقت، من ضجر التغريدات المزيفة والخيال الطائش، ويعيدهم إلى الورق والحبر، إلى الكتاب الذي انطلقت من صفحاته أكبر الثورات، وأعطر الحضارات، وأنجح القفزات.
ويحضرنا في كل موعد ثقافي كبير، القضية الفلسطينية وما يحدث حاليا في فلسطين ولبنان، إذ أصبحت الكتابة والتأريخ للأحداث جزءا من الحرب إن لم نقل الجزء الأهمّ.
ولا تكاد تذكر ثائرا سياسيا أو رياضيا أو مثقفا كبيرا، إلا وقد بدأت حياته بكتاب، وانتهت أيضا بكتاب، بل إن الكثيرين، لم يغادروا الدنيا إلا بعد أن قدَّموا حياتهم وتجربتهم في كتاب للناس. وتزدحم المكاتب العالمية بمذكّرات كبار الساسة والحرب، من هتلر وتشرشل إلى شارل ديغول وميخائيل غورباتشوف، فبقي الكتاب والكتابة، برغم هذا الطوفان التكنولوجي الجارف الذي نجح في الإبهار، وإجبار الأنام على إدمان مجالسته، ولكنه ما حقق جواهر الكتاب، خير جليس للأنام.
تحضرنا، ونحن نتكلم عن الكتاب، تلك الرواية التحفة التي خطها الشهيد يحيى
السنوار في سجنه، التي اختار لها عنوان “
الشوك والقرنفل”، وهي مذكّرات رجل، كتب نفسه وشعبه وأرضه وحياته وموته، فمنح الناس كتابا رائعا، روى فيه قصته وقصة من حوله من أعداء وأصدقاء، وغادر الدنيا بطلا يمكن الانبهارُ به والاعتبار منه، في كل صفحة من الكتاب الممنوع تداوله في بلدان عديدة من مختلف القارّات بين من أراد الشوك ومن أراد القرنفل.
عندما تقرأ لطاغور أو إرنست همنغواي أو ألبير كامي أو غابريال غارسيا ماركيز أو آسيا جبار، وكلهم فازوا أو اقتربوا من التتويج بجائزة نوبل في الآداب، تشعر بأن الحياة تظلم بعضا من أهل الحق، ولكنهم سيعودون في يوم من الأيام، كما عاد ديوان اللهب المقدس الذي خطّه مفدي زكرياء في سجن بربروس، وكما سيعود كتاب “الشوك والقرنفل” لمؤلفه الشهيد يحيى السنوار، الذي كتبه في سجون هداريم والسبع ونفحة.
لم يكن الكتاب قطّ، ألوانا مزركشة، وإثارة في العناوين أو استعراضا لأجل الكلمات الموزونة والمبعثرة على صفحات بيضاء، ولم تكن معارض الكتب، بكمّية ما يُشحن فيها من ورق وبعدد زائريها، وبالتي تُبعد الجالسين في حضرتها، إلى الشوك، فقد كان الكتاب رفيقا للكبار، فما كان عبد الحميد بن باديس أو مالك بن نبي يشاهَدان إلا حاملين معهما كتابا من أمّهات ما أعطته تجارب الأمم.
وبقدر ما نطمئن عندما نسمع بامتلاك بعض الشباب مكتبات في بيوتهم، نركّز على نوعية هذه الكتب وكفاءة كتّابها والتزامه بالحركة التنموية الشاملة، التي تعني نمو الإنسان قبل بقية مجالات الحياة، لأنّ الفرق كبير بين الشوك والقرفل.
قديما قال أفلاطون: “شعب يقرأ شعبٌ لا يجوع ولا يُستعبد”، وحديثا رفضت الكثيرُ من الشعوب القراءة، فكان الجوع والاستعباد والشوك أيضا مصيرها.
الشروق الجزائرية