في قرار مفاجئ للمجتمع الليبي والدولي على
حد سواء، قرر
وزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي، فرض
الحجاب، ومنع الاختلاط،
وصيحات الشعر الشبابية، وأن من يريد العيش بحرية، فليذهب إلى أوروبا، حسب ما ذكره
موقع "عربي21" نقلا عن بي بي سي عربي.
وبغض النظر عن
الموقف الديني من القضايا
المذكورة، من حيث درجتها في الأحكام، من حيث وجوب الحجاب، وحرمة الاختلاط المستهتر
الذي يشتمل على ما يحرم شرعا، أو كراهة حلق الشعر بطريقة (القزع)، وهو أمر مختلف
في حكمه، وغالب آراء الفقهاء أنه مكروه كراهة تنزيه. فهل هذه القضايا تستحق أن
تكون أولوية في المجتمع الليبي؟!
فالشريعة ليست حدودا وقوانين صارمة فقط، بل قبل ذلك كله: عقائد تغرس في نفوس الناس، وأخلاقا تثبت في ضمائرهم، وسلوكا يبرز في أعمالهم وأفعالهم، وعبادات ينتج عنها ذلك كله، فالتركيز على المجتمع في أداء عبادات شكلية، أو طقوس شعائرية، ليس حلا، وليس علاجا لمشكلات المجتمع، وليس علامة على تدين المجتمع أو إيمانه.
ربما فرح البعض وهلل، بأن ذلك إعلاء لتطبيق
الشريعة، وهو أمر محمود، أن يعلن ذلك وزير للداخلية في دولة عربية، وهي عاطفة
محمودة من حيث المبدأ، ونوايا أصحابها موكولة إلى ربهم، لكن هل تكفي النوايا
الحسنة في قضايا إدارة الدول والشأن العام؟ الحقيقة لا تكفي النوايا الحسنة، فكم
من نوايا حسنة، دفعت دفعا لصدامات حول واجبات لا تجب على الفور، بل تحتمل التأجيل،
وتحتمل أن توضع وفق جدول زمني حسب إمكانات المجتمع.
ومحاولة البعض حصر الشريعة في تطبيقها في
بعض الحدود، وتنفيذ بعض الواجبات الظاهرة، المتعلقة بشكل المجتمع، دون غرس الإسلام
كدين وأخلاق وآداب في جذور المجتمع، من خلال التربية والتوجيه، وخلق مناخ متدين
ومحافظ، قبل أن يفرض عليهم كقانون، فهذا خطأ، تم تجربته في عدة دول، ولم ينتج عنه
سوى كراهية وبغض لهذه الواجبات للأسف، وهو ما تم من قبل في دول عربية وإسلامية.
فالشريعة ليست حدودا وقوانين صارمة فقط، بل
قبل ذلك كله: عقائد تغرس في نفوس الناس، وأخلاقا تثبت في ضمائرهم، وسلوكا يبرز في
أعمالهم وأفعالهم، وعبادات ينتج عنها ذلك كله، فالتركيز على المجتمع في أداء
عبادات شكلية، أو طقوس شعائرية، ليس حلا، وليس علاجا لمشكلات المجتمع، وليس علامة
على تدين المجتمع أو إيمانه.
لقد عاشت دول الربيع العربي بين تجاذبين
كلاهما أضر بقضية الشريعة والثورة معا، بين من راحوا يتمسكون بقضايا جعلوها عاجلة،
قبل استقرار المجتمع، ورسوخ القانون، وإقامة دول المواطنة والعدالة، فسعوا وراء سن
قوانين ودساتير، كتبت بصيغ غاية في القوة، لكنها لم توضع موضع التنفيذ، وكانت
ستارا لحكام مستبدين، ولنا في دستور السيسي خير نموذج، ودستور تونس، فهل كانت هذه
القوانين حامية من بطش السيسي، أو استبداد قيس سعيد؟
بينما راح كل طرف يطرح قضايا ليست قضايا
مجتمعات خرجت من ثورات شعبية، وتريد بناءا جديدا للمجتمع، فإذ بالمتشددين يطرحون
قضايا دينية تحتمل التأجيل لسنوات طويلة، دون حرج شرعي، وإذ بخصومهم من العلمانيين
يطرحون قضايا لا علاقة لها بالواقع المعيش، كما حدث في تونس مثلا، من طرح قضية
مساواة المرأة بالرجل في الميراث، في ظل حكم لا يمارس العدالة، بل كانت أولويته
أخطر، ولكنه يهرب منها بهذه القضايا، فأكبر نسبة من المنضمين لداعش من الشباب كانت
من تونس وقتها، فهل أولوية أهل الحكم هنا تلبية تطلعات الشباب من العدالة والقانون،
أم البحث عن قضايا الفيمنست التي تجذب الغرب وجمعياته، وتجمع حوله الكارهين
للتدين؟!
نفس الأمر الآن يحدث في
ليبيا من طرح قضية
الحجاب والاختلاط، هل أولوية وزير داخلية ليبيا الآن: الأمن، والاستقرار الداخلي
لليبيا، في ظل مطامع دولية لزعزعة استقرارها، وخلافات لا تنتهي على القرار السياسي
في ليبيا لأي جهة يتبع، فضلا عن الحرب المستعرة والتي كلما هدأت عادت بين حفتر
والفصائل الثورية، وتدخلات دولية لدعم حفتر، وأصبحت ليبيا ملعبا لعدد من
الاستخبارات العربية والدولية.
لو صحت نية وزير الداخلية الليبي فيما أعلنه، فالأولى أن يلغي ذلك تماما، ويلجأ في ذلك إلى برامج توعية للمجتمع، تخاطب الشباب والناس، بلغة يفهمونها، تكون في ذلك اختيارا منهم، لمن ترتدي الحجاب أو لا ترتديه، لكن أن يكون برقابة أمنية، فهذه ليست لصالح الشريعة، ولا لصالح التدين، وعليه أن يقوم بدوره في حفظ الأمن والأمان، بإجراءات تحفظ سلامة الناس، بعيدا عن مسائل تتعلق بتدين الشخص فرديا،
هل الأولوية الآن للمجتمع الليبي أن تنشغل
وزارة الداخلية بمن سترت شعرها أم لا؟ أم الأولوية هنا لإعلاء القانون، وتحقيق
العدالة، وشعور المواطن الليبي بالأمان، في ظل خروج عدد من الليبين خارجها خوفا من
الاستهداف والاغتيال، وإلا فأين الكثيرون من رموز ليبيا الإسلامية والثورية؟!
اختلال ميزان الأولويات عند المتدين أو
السياسي، مسألة خطيرة، لأنها لن تكون سوى إضاعة للوقت والجهد وتشويه للدين، بقصد
أو بدون قصد، ولقد كانت تجاربنا مع من تستروا بتطبيق الشريعة أو أجزاء منها، في
غالبها كانت عليها علامات استفهام، فالقذافي نفسه، بدأ حكمه، بعقد مؤتمر كبير وضخم
سنة 1972 أي بعد توليه الحكم بثلاث سنوات، ودعا كبار علماء الأمة، لوضع قوانين
لتطبيق الشريعة، وهو ما حدث بالفعل، وأشرف على ذلك المستشار علي علي منصور، ووضع
في ذلك مجلدين كبيرين، بعنوان: (نظام التجريم والعقاب في الإسلام). ولكنه لم ينفذ،
وكلنا نعلم ما فعله القذافي بالشريعة والمتدينين، وبالمواطنين على مدار أربعين
عاما من حكمه.
وما يقال عن القذافي يقال عن حكام آخرين،
وعن تجارب أخرى، كجعفر النميري في السوادان وغيره، وما حدث من تجربة مصر في
دستورها، وكيف تعنت رموز حزب النور والدعوة السلفية في ذلك، في صياغة مواد، وكانوا
مدفوعين من الأجهزة الأمنية وعلت أصواتهم باسم الشريعة، ولما جاء الانقلاب كان
كلامهم عن نفس المواد: إنها ليست قرآنا وتقبل التغيير!!
لو صحت نية وزير الداخلية الليبي فيما
أعلنه، فالأولى أن يلغي ذلك تماما، ويلجأ في ذلك إلى برامج توعية للمجتمع، تخاطب
الشباب والناس، بلغة يفهمونها، تكون في ذلك اختيارا منهم، لمن ترتدي الحجاب أو لا
ترتديه، لكن أن يكون برقابة أمنية، فهذه ليست لصالح الشريعة، ولا لصالح التدين،
وعليه أن يقوم بدوره في حفظ الأمن والأمان، بإجراءات تحفظ سلامة الناس، بعيدا عن
مسائل تتعلق بتدين الشخص فرديا، وهي أمور تأتي وحدها بعد تحقيق العدالة والمساواة
والحرية، بمعناها الحقيقي لا الشكلي.
Essamt74@hotmail.com