بعد حديث النظام
المصري في السنوات الماضية عن اكتشافات كبيرة في حقول
الغاز في شرق البحر المتوسط٬ ستؤدي بدورها إلى تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي٬ بالإضافة إلى تأكيد النظام أن القاهرة ستصبح أكبر مركز لتصدير الغاز المسال إلى أوروبا في حوض المتوسط.
تبخرت كل هذه الوعود والأماني مع حديث الحكومة عن إجراء محادثات مع شركات أمريكية وأجنبية لشراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، بهدف تجنب الشراء من السوق الفورية الأكثر تكلفة، وفقًا لما نقلته رويترز عن ثلاثة مصادر.
وبذلك تعود القاهرة إلى المربع الأول٬ وهو وضعها كمستورد صافي للغاز الطبيعي، حيث اشترت أكثر من 30 شحنة من الغاز الطبيعي لتغطية الطلب في فصل الصيف الماضي نتيجة للأزمة الكبيرة التي كانت تواجهها والتي أدت إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء يوميا.
وطرحت الحكومة مناقصة لشراء 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتلبية الطلب على
الكهرباء خلال فصل الشتاء. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تُقدم فيها القاهرة على طرح مناقصة لتلبية الطلب في الشتاء منذ عام 2018.
وذلك بعد أن وصلت إيرادات مصر من تصدير الغاز الطبيعي والمسال إلى ذروتها في عام 2022، حيث بلغت 8.8 مليار دولار، وذلك بفضل قفزة الأسعار التي أعقبت اندلاع الحرب الأوكرانية.
ومع ذلك، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري إلى تراجع قيمة صادرات الغاز الطبيعي والمسال بنسبة 70% في أيار/ مايو على أساس سنوي، وبنسبة 76% في نيسان/ أبريل، وذلك نتيجة لتراجع أسعار التصدير والكميات المصدرة على حد سواء.
ماذا عن "هدف" السيسي؟
ويذكر أنه في 21 شباط/ فبراير 2018 ٬علق رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاقية استيراد القاهرة للغاز من الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 15 مليار دولار قائلاً: "احنا جبنا جون (هدف) جبنا جون يا مصريين في الموضوع ده".
ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاقية بأنها "يوم عيد" لبلاده.
وانخفضت حصيلة مصر من الغاز الطبيعي خلال حزيران/ يونيو الماضي٬ بسبب إغلاق حقل الغاز الإسرائيلي "تمار" مؤقتًا لأغراض الصيانة، وفقًا لمصادر مطلعة في قطاع البترول.
وأُغلق الحقل لمدة عشرة أيام٬ مما أثر سلبا على خدمة الكهرباء الصيف الماضي٬ وهو ما أكد عليه أيضا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي سابق اعتذر فيه للشعب المصري عن انقطاع الكهرباء.
وتقتصر ارتباطات مصر بشبكات تداول الغاز الإقليمية على الاحتلال الإسرائيلي، عبر خطين رئيسيين: "غاز شرق المتوسط" الذي يربط بين عسقلان ومدينة العريش في أقصى الشمال الشرقي لسيناء، و"أنبوب الغاز العربي".
أين الاكتشافات؟
وبحسب شركة إنيرجي آسبيكتس الاستشارية، فإن إنتاج مصر المحلي للغاز انخفض في أيار/ مايو الماضي إلى أدنى مستوى له منذ ستة أعوام، حيث تراجع بنحو 25% مقارنة بأعلى مستوى له في عام 2021.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض ليصل إلى 22.5% بحلول نهاية عام 2028. في المقابل، فإن المتوقع أن يرتفع استهلاك الطاقة في مصر بنسبة 39% خلال العقد المقبل.
ووفقًا لشركة BMI للأبحاث التابعة لـ"فيتش سلوشنز"٬ فقد انخفض إنتاج
حقل ظهر بنحو 400 مليون قدم مكعبة يوميًا من ذروته التي بلغها في عام 2019، ليصل في آخر البيانات إلى 2.3 مليار قدم مكعبة يوميًا. ويُعزى هذا التراجع إلى مشكلات تسرب المياه في الحقل.
ووفقا للخبراء يواجه قطاع الغاز عدة تحديات، منها نقص الإنتاج المحلي حسب أحدث البيانات، وتراجع الاكتشافات الجديدة في الفترة الأخيرة بعد الزخم الذي أسهم فيه حقل ظهر. وفي المقابل، ارتفع الطلب والاستهلاك الداخلي خلال أحد أشد المواسم الصيفية حرارة، مما دفع الحكومة المصرية لوقف صادرات الغاز لتلبية الطلب المحلي.
تضاف إلى ذلك تقلبات الأسعار العالمية بعد شتاء دافئ نسبياً في أوروبا، حيث خرجت دول القارة بمخزونات ملائمة إلى حد ما.
متى يعود ظهر للعمل؟
وللإجابة على هذا السؤال٬ كشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن أسباب تراجع الإنتاج وموعد إعادة العمل في حقل ظهر، مشيرًا إلى أن الحقل سيعود لمستويات الإنتاج السابقة خلال الأشهر القادمة.
أوضح مدبولي في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء، أن المشكلة التي واجهت حقل ظهر تكمن في تأخر الحكومة عن سداد المستحقات للشركة الإيطالية المشغلة للحقل، مما أدى إلى تراجع الشركة عن ضخ مزيد من الاستثمارات للحفاظ على معدلات الإنتاج.
وأشار مدبولي إلى اللقاء الذي جمع رئيس الشركة والسيسي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث تم الاتفاق على عودة الحفار الرئيسي لزيادة إنتاجية الحقل واستعادة مستويات الإنتاج السابقة.
وتوقع عودة الحقل إلى كامل قوته الإنتاجية قبل منتصف عام 2025، مما سيساعد في تقليل فاتورة استيراد الغاز وتلبية الاستهلاك المحلي.
ظهر لم ينضب
في أيلول/ سبتمبر الماضي، أكد مدبولي أن انخفاض إنتاجية الغاز في مصر سببه التأخر في سداد فاتورة الشريك الأجنبي، نافياً شائعات نضوب الحقل أو تسرب المياه إليه.
وفي الشهر الماضي، أعلن وزير البترول والثروة المعدنية كريم بدوي أن حقل ظهر سيشهد أعمال حفر جديدة تنفذها شركة إيني الإيطالية بهدف تنمية احتياطيات الغاز وزيادة معدلات الإنتاج.
يدير الحقل شركة بتروبل، وهو مشروع مشترك بين إيني الإيطالية والمؤسسة المصرية العامة للبترول.
وأكد المدير المالي لشركة إيني الإيطالية فرانشيسكو جاتي أن الشركة تعتزم تنفيذ أعمال في حقل ظهر مع بداية عام 2025 لاستعادة مستوى إنتاج الغاز الطبيعي السابق.