لا تزال الأستاذة الجامعية والناشطة المجتمعية في
مصر، ليلى سويف، تواصل إضرابها عن الطعام لليوم الستين على التوالي احتجاجا على سجن السلطات المصرية لنجلها الناشط السياسي
علاء عبد الفتاح.
وفي مقال نشرته صحيفة "
الغارديان" للروائية المصرية أهداف سويف، قالت سويف إن "أختها تبلغ من العمر 68 عاما، واليوم هو يومها الستون في إضراب عن الطعام"، مشيرة إلى أن "هذه هي معركتها الأخيرة ضد الظلم، وهي تعلم أنها قد تكون الأخيرة".
وتكافح ليلى من أجل حرية ابنها علاء عبد الفتاح، الكاتب البريطاني المصري ومطور البرامج والناشط الديمقراطي الذي يعد أبرز سجين سياسي في مصر.
قضى علاء حكمين بالسجن لمدة خمس سنوات. الأول لمشاركته في احتجاج صامت لمدة 15 دقيقة، والثاني لإعادة نشر منشور على "فيسبوك" عن سجين توفي في السجن.
وتاليا نص المقال الذي ترجمته "عربي21" كاملا:
كان من المفترض إطلاق سراح علاء في 29 أيلول/ سبتمبر. وعندما لم يكن موجودا، تأكدت شكوكنا في أن السلطات لن تسمح له بالخروج أبدا. وعندها توقفت والدته عن الطعام. وقالت: "لن يسمحوا له بالرحيل أبدا، إلا إذا واجهوا أزمة". وهي مستعدة للموت في محاولة لخلق أي أزمة تستطيعها.
أختي عالمة رياضيات. كانت تقول إنها أصبحت عالمة رياضيات عندما كانت في السابعة من عمرها، وتعرفت على الرياضيات من خلال الأستاذ أوماهوني في مدرسة ابتدائية في كلابهام. لقد ولدت في لندن عندما كان والدانا طالبين في الدراسات العليا. وعندما عملا في التدريس في جامعة القاهرة أصبحا يقضيان إجازتهما هنا. وكنت، مراهقة متقلبة المزاج، تمردت على المدرسة، والطقس، والمشروع بأكمله، لكن ليلى ذهبت إلى المدرسة بسعادة واكتشفت شغفا مدى الحياة.
في القاهرة قالت أختي: "أرفض أن أعيش في صندوق!" كانت في الثامنة من عمرها. كنا نتقاسم الغرفة لفترة من الوقت، وكنت أنا، الأكبر سنا ببضع سنوات، أصر على أن يكون كل شيء مرتبا. وضعنا حاجزا، وقسمنا المساحة.
في الحادية عشرة من عمرها، هاجمتنا، نحن عائلتها، خلال الغداء، قائلة إننا نعيش جميعا في صندوق برجوازيين، ثم هربت لتعيش مع امرأة من أهل الأرض كانت تطبخ لنا. وفي الوقت المناسب، أقنعتها والدتي بالعودة إلى المنزل. اقترح والدي، وهو طبيب نفساني، أن تنظر إلى "الصندوق" على أنه مكعب به ستة مخارج محتملة.
في كتابه "لم تُهزم بعد"، يروي علاء كيف هربت والدته، وهي في السادسة عشرة من عمرها، من المدرسة للانضمام إلى الاحتجاجات الطلابية في ميدان التحرير: "دخلت ليلى سويف الميدان في عام 1972 ولم تعد أبدا".
لقد كان ميدان التحرير ـ المفتوح من كل الجوانب، والمتساوي، والسخي، والمعترف بالموهبة والعمل ـ موطنها الطبيعي، وهو الموطن الذي لا تزال تسعى جاهدة إلى خلقه لأسرتها وطلابها وكل من يهتم بدخوله. وكانت تتقاسم مع زوجها المحامي الحقوقي أحمد سيف شغفها بالعدالة. وكانت تتقاسم مع والدينا روح العمل والإيمان بالمجال الأكاديمي. وقد أمضت حياتها العملية في تدريس الرياضيات في جامعة القاهرة، وتتجاوز رعايتها لطلابها حدود الفصول الدراسية. فعندما كانوا يخرجون للاحتجاج كانت دائما من بين المعلمين الذين يسيرون معهم لحمايتهم.
وذات مرة، في عام 2005، كانت تراقب طالبا لامعا عاد لتوه من فرنسا حاملا شهادة الدكتوراه، فرأته وقد سقطت نظارته من على وجهه، وعندما انحنى للبحث عنها ألقت بنفسها بينه وبين الهراوة التي كانت على وشك أن تضرب رأسه: وصرخت في ضابط مكافحة الشغب: "هل لديك أي فكرة.. كم من العمل بذل في صنع هذا الرأس؟".
إن تقدير الجودة هذا يشكل جزءا من رغبتها اليائسة في رؤية علاء حرا. كان علاء معروفا بالفعل في العشرينيات من عمره كمبرمج لامع ومفكر أصيل متعدد التخصصات. وهي تشعر بالفزع إزاء الهدر الذي يمثله سجنه. ولكنها تفتقده قبل كل شيء: طفل شبابها، وصديقها المفضل ومستشارها الذي تستطيع التحدث معه عن أي شيء.
فقدت ليلى زوجها بينما كان علاء يقضي أول عقوبة سجن له. وحضر الآلاف جنازة أحمد سيف. ويعتقد الآلاف أنه توفي بسبب كسر قلبه نظرا لسجن علاء حيث قضى هو نفسه خمس سنوات في الثمانينيات، وفي حالة الإهمال التي يعيشها نظام العدالة في مصر.
لعلاء، فقد فعلت كل شيء: 10 سنوات وثمانية أشهر من التمثيل القانوني المستمر، والعرائض، والاحتجاجات والاعتصامات، والرحلة الأسبوعية إلى السجن مع الكتب والطعام والغسيل. والحملات المحلية والدولية، وأخيرا، مناشدة بريطانيا - البلد الذي ولدت فيه والذي ارتبط به تاريخ عائلتنا منذ الأربعينيات - طلبا للمساعدة.
لقد عملت طوال هذه الفترة على توعية الناس بأن علاء ليس سوى واحد من آلاف الرجال والنساء المسجونين ظلما. وكانت هاشتاغات #FreeAlaa #FreeThemAll تستخدم على نطاق واسع. وكانت المكافأة التي جعلتها تستمر في عملها هي الدعم الذي تلقته من أمهات وزوجات وبنات المعتقلين. تقول علاء متعجبة: "هؤلاء النساء في سوريا يكتبن لي. إنهن لا يعرفن حتى أين أبناؤهن".
لقد انتقلت الجنسية البريطانية إلى أطفال ليلى. وعندما سُجِنت ابنتها الصغرى سناء في القاهرة (لاحتجاجها على شقيقها)، سمح لها جواز سفرها البريطاني بزيارة القنصل البريطاني. أما في حالة علاء فلم يكسبه ذلك أي شيء حتى الآن. وقد تمسكت ليلى بالأمل في أن يتغير هذا الوضع عندما يصل حزب العمال إلى السلطة. ووقف ديفيد لامي، المعارض، مع بناتها خارج وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية حاملا لافتة "أطلقوا سراح علاء". وظهر على الراديو وسأل لماذا لا تفعل بريطانيا أي شيء لتعزيز علاقتها بمصر. والآن أصبح في الحكومة.
كتب علاء من السجن في عام 2014: "ورثت من أمي... حبا يخترق جدران السجون. ومن والدي ورثت زنزانة سجن وحلما لا تقيده جدران السجن".
لقد استهلك إضراب ليلى عن الطعام بالفعل 18 كيلوغراما (40 رطلا) من جسدها. وسوف يتحول قريبا إلى استهلاك العضلات. كل من حولها مرعوبون ولكنهم غير مندهشين من إصرارها وهي تواجه القوة التي تدمر حياة ابنها. ليس من مصلحة أحد أن نسمح لحب هذه الأم أن يثبت نفسه إلى أكثر الغايات مرارة.