مع إعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول،
الأحكام العرفية في البلاد، إثر اتهامات للمعارضة بالارتباط بنظام الجارة
الشمالية، تثار تساؤلات حول هذا الإجراء وما نعرف عنه وما يترتب عليه.
وبحسب
الدستور الكوري الجنوبي، يحق للرئيس
إعلان الأحكام العرفية، في حالات الحرب أو الصراع المسلح أو الطوارئ الوطنية بناء
على الكوارث الطبيعية والفيضانات وغيرها من الأزمات الكبيرة على المستوى الوطني.
ونستعرض في التقرير التالي أبرز ما نحتاج
معرفته عن الأحكام العرفية في
كوريا الجنوبية والعالم بشكل عام:
ما هي الأحكام العرفية؟
نظام مؤقت لحكم الدولة، أو
منطقة محددة، بعد مواجهتها أزمة كبرى مثل حرب أو كارثة طبيعية أو نزاع مدني أو
انقلاب عسكري، يتم من خلالها تقييد الحريات العامة بشكل مؤقت لحين زوال السبب
وتمنح السلطات العسكرية والأمنية، صلاحيات واسعة تتجاوز الدستور والقانون إلى
القانون والتعليمات العسكرية، لإدارة الأمور والسيطرة عليها.
الأحكام العرفية وفق
الدستور الكوري الجنوبي، تنقسم إلى نوعين، أحكام عرفية أمنية وأحكام عرفية طارئة،
وهي النوع الذي أعلنه الرئيس الكوري الجنوبي قبل أيام، والذي بموجبه تفرض القيود
على التجمعات العامة وحرية الصحافة واللجوء لسلطة المحاكم العسكرية دون المدنية.
الرئيس ملزم دستوريا بإبلاغ مجلس النواب بقراره
إعلان الأحكام العرفية، من أجل التصويت عليها، وفي حال نالت الأغلبية تسري وإذا
حدث العكس يتم رفعها وهو ما حصل حين رفض النواب بالأغلبية قرار الرئيس وهو ما خلق
أزمة له.
كم مرة أعلنت؟
أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية عدة
مرات، خلال العقود الماضية، وكانت المرة الأولى عام 1948 بعد أشهر قليلة من تأسيس
البلاد، على يد الرئيس سينغمان ري، بسبب الصراع مع قوى شيوعية، قامت بتمرد عسكري.
والمرة الثانية كانت على يد ري كذلك عام 1952
خلال الحرب الكورية مع جارته الشمالية المدعومة من الصين.
وعقب موجات من الحكم الديكتاتوري للبلاد، ما
بعد 1953 أعلنت الأحكام العرفية مرارا، بسبب مشاكل النظام الحاكم مع المعارضة.
كما أعلنت الأحكام العرفية عام 1961، بعد سيطرة
بارك تشونغ هي على السلطة، عبر انقلاب عسكري، امتد لنحو 20 عاما، وانتهى باغتياله
عام 1979.
وبعد
شهرين من ذلك أعلنت أيضا الأحكام العرفية، بعد قيام اللواء تشون دو هوان بانقلاب
عسكري، واستمرت حتى العام 1981، حيث ألغيت باستفتاء شعبي.
متى تفرض الأحكام
العرفية؟
تعلن الأحكام العرفية،
في الأزمات السياسية مثل الانقلابات العسكرية أو فشل الحكومات المنتخبة في إدارة
البلاد وتحقيق الاستقرار، وحالات الاضطراب الأمني مثل تفاقم العنف والجرائم
والاحتجاجات الشعبية والأعمال المسلحة على خلفية سياسية.
كما تلجأ الدول لإعلانها في حالات الكوارث
الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والحرائق الكبيرة التي تلحق دمارا كبيرا في
البلاد، وفي حالات الأمراض المتفشية والأوبئة، مثل فيروس كورونا.
ما الذي يجري بعد
الإعلان؟
يتم تعليق العمل بمواد
الدستور، ويصار إلى الاستعانة بالقوانين العسكرية وتمنح الصلاحيات للقيادات وفقا لها،
ويجري تقييد الحريات العامة السارية في الأوضاع الطبيعية وتفرض الرقابة على
الإعلام وتمنع التجمعات ويستلم الجيش مقاليد إدارة الدولة والأمن الداخلي وقيادة
الشرطة المدنية لضمان توحيد الأوامر.
كما يتحول نظام القضاء
إلى العسكري وتفرض القيود على قطاعات الغذاء والوقود ووسائل النقل وتراقب الاتصالات
ويترافق مع ذلك انتهاكات لحقوق الإنسان وإخفاء قسري لبعض الأشخاص بمبررات حفظ النظام.
خبير يعلق
أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيول الوطنية الكورية، البروفيسور هيونج كي كوون، يعتقد "أن فرض الأحكام العرفية قصيرة الأجل من قِبَل الرئيس يون سوك يول ليس أكثر من مجرد حدث عابر".
وتابع كوون في حديث خاص لـ"عربي21"، "لكن تداعيات قرار الرئيس تفتح الباب أمام حالة من عدم اليقين الشديد، فمصيره السياسي غير مؤكد؛ كما أن كيفية تثبيت السلطة غير مؤكدة أيضاً".
ويرى أن "هناك العديد من السبل المتاحة للحل: تشكيل حكومة كبرى "موسعة" من أجل تثبيت السلطة، أو التقاعد الذاتي، أو عزله أو إسقاطه من خلال مظاهرات حاشدة، وما إلى ذلك".
وحول تأثير هذه الأزمة على الديمقراطية في كوريا الجنوبية، قال كوون "إن الديمقراطية الكورية لا تزال راسخة؛ والمجتمع لا يزال سليماً، يعارض الشعب الكوري الأحكام العرفية والانقلابات بشكل قاطع، وهو احتمال شبه معدوم في كوريا".
وخلص بالقول، "يظهر هذا كله معياراً إيجابياً في التطور الديمقراطي الكوري، حيث يدعم الكوريون الحل السلمي والقانوني، لكن لا تزال حالة عدم اليقين قائمة على نطاق واسع".