كتب

تحوّلات بنية الصراع الفلسطيني مع الاحتلال بعد طوفان الأقصى.. كتاب جديد

إنها حرب مفتوحة على الهوية والتراث الفلسطيني، وهي حرب ثقافية تتعدى في خطورتها الحرب العسكرية، وهي أشد فتكاً من حروب الدبابات والطائرات والبوارج الحربية..
الكتاب: "تحوّلات بنية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد السابع من أكتوبر (الأرض والهوية والتراث الحضاري)"
الكاتب: د. منصور أبو كريّم
الناشر: مركز الفينيق للدراسات الحقلية، فلسطين، 2024
عدد الصفحات: 139

طرأت تحولات كبيرة في بنية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مدار قرن من تأسيس الحركة الصهيونية ومن ثم تأسيس دولة الاحتلال عام 1948م، وبرزت "الأرض" باعتبارها المحدد الرئيسي لشكل ومضمون هذا الصراع، على اعتبار أن الأرض هي جوهر الصراع ومحدده الرئيسي، كونها تمثل الحيز الجودي للشعب الفلسطيني، وعليها تجري مجمل المعارك السياسية، والدينية، والعسكرية والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، طيلة سنوات الصراع.

احتدام الصراع هذا مع دولة الاحتلال منذ  بداية المشروع الصهيوني في فلسطين على كافة الصعد والمستويات على الأرض التي سعت الحركة الصهيونية للسيطرة عليها، وطرد أهلها الأصليين بالقوة، وإحلال المستوطنين مكانهم، لكن على الرغم من أهمية الأرض في الصراع، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة بدت تظهر مؤشرات على تحوّلات في بنّية الصراع، لصراع على هوية هذه الأرض؛ بعد أن نجحت إسرائيل في السيطرة على معظم الأراضي الخاضعة ما بين البحر النهر (فلسطين التاريخية).

تحولات بنية الصراع ظهرت من خلال توجهات المؤسسة الرسمية الإسرائيلية على حسم الصراع لصالحها من خلال حقائق جديدة على الأرض، تلك التحولات أظهرت عنصرية كولونيالية المجتمع الإسرائيلي، الذي بات يتجه نحو حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وتصفيه قضيته وفرض ذلك كأمر واقع يتم الاعتراف به دوليًا واقليميًا، بهدف تغيب هويته الوطنية وخلق هوية إسرائيلية جديدة؛ ليؤكد ذلك أن هذا الصراع " صراع وجود وليس صراع حدود"، أي أن المشكلة بين الفلسطينيين ومن خلفهم العرب لم تكن أبدأ صراعًا على حدود " إسرائيل" بقدر ما كان صراعًا حول الوجود الفلسطيني من عدمه، لذلك عملت العصابات الصهيونية على القيام بعمليات تطهير عرقي للأرض الفلسطينية للسيطرة على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية بأقل عدد من السكان.

بعد السابع من أكتوبر ظهر بعد آخر في بنية الصراع من صراع سياسي إلى صراع هوياتي حضاري قيمي، بين إسرائيل كدولة احتلال والشعب الفلسطيني بكل مكوناته وأطيافه السياسية والمجتمعية، فلم تعد الأرض على أهميتها تمثل جوهر ولبّ الصراع، بعد أن سيطرت إسرائيل على أكثر من 90% من الأراضي الواقعة بين البحر والنهر (فلسطين التاريخية)، نتيجة التداعيات التي ترتبت عن حربي عامي 1948/1967، وما صاحبها من سياسات إسرائيلية توسعية استيطانية.

ناقشت هذه الدراسة الأرض كبنية للهوية الفلسطينية، التي تمثل بخصائصها بنية شخصية الإنسان، وإلى أي حد وصل هذا الصراع بالانتماء الوجداني والاعتزاز بالأرض، وما تمثله من تاريخ لا يقف عند سلوك أحداث بشرية فقط، بينما ظل هذا الانتماء حاضرًا في أذهان الفلسطينيين رغم جهد اليمين الإسرائيلي الذي ينبع فكره الأيديولوجي إلى الأصولية الدينية المتطرفة، إذ تناغمت المساعي الصهيونية المتطرفة مع الأصولية المسيحية التي يمثلها الكثير من الإدارة الأمريكية خاصة الجمهوريون منهم.

بعد السابع من أكتوبر ظهر بعد آخر في بنية الصراع من صراع سياسي إلى صراع هوياتي حضاري قيمي، بين إسرائيل كدولة احتلال والشعب الفلسطيني بكل مكوناته وأطيافه السياسية والمجتمعية، فلم تعد الأرض على أهميتها تمثل جوهر ولبّ الصراع، بعد أن سيطرت إسرائيل على أكثر من 90% من الأراضي الواقعة بين البحر والنهر (فلسطين التاريخية)، نتيجة التداعيات التي ترتبت عن حربي عامي 1948/1967، وما صاحبها من سياسات إسرائيلية توسعية استيطانية.
تطرق الكاتب إلى قيام دولة الاحتلال بسرقة الموروث الثقافي بل أوضح وبالدلالات العلمية المسلم بها سبب اهتمام ربما كل مكونات النظام السياسي في إسرائيل بهذا الأمر، وذلك بالسواد الأعظم من عناصر التراث الفلسطيني، وأثبتت الدراسة بتحليل الباحث واستنتاجه أن الإجراءات والجهود الإسرائيلية في هذا المجال تعتبر أحد أساسيات طمس ارتباط الفلسطينيين بهذا المكان، وهو ما تسعى إليه الصهيونية العالمية وإسرائيل.

منذ وعد بلفور عام 1917، وبداية المشروع الصهيوني في فلسطين، برزت الأرض كمحدد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني باعتبارها لبّ وجوهر هذا الصراع، لكنه انتقل مع مرور الوقت وسيطرة إسرائيل على معظم الأرض الفلسطيني من صراع على ملكية الأرض لصراع على هوية هذه الأرض وتراثها الثقافي والمعرفي والحضاري، حاصب ذلك محاولات إسرائيلية حثيثة لتغيب الهوية الفلسطينية بطرق مختلفة، ومحاولة تدجين الشعب الفلسطيني.

تناول الكاتب في الفصل الأول: الأرض في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من منظور ديني، إذ برزت الأرض كمحدد رئيسي في سياق هذا الصراع، فكان التفكير الاستراتيجي الصهيوني هو السيطرة على أكبر قدر من الأرض الفلسطينية بما يساهم في تثبيت أركان المشروع الاستيطاني في فلسطين، الذي يقوم على فلسفتين مهمتين هما: طرد السكان الفلسطينيين من أرضهم، وذلك باستخدام كافة الوسائل، كالقتل والتهجير والتدمير، وهذه الفلسفة في الفكر الصهيوني كانت واضحة من خلال الممارسات التي قامت بها عصابات الهاغاناه على الأرض عام 1948؛ والاستيلاء على الأرض الفلسطينية، تحت حجج دينية وتاريخية، وذلك بهدف تطبيق نظرية الإحلال الصهيونية في الأرض الفلسطينية، والقائمة على فرض سياسة الأمر الواقع من خلال الاستيطان وإقامة كيان يهودي في المنطقة العربية انطلاقًا من فلسطين.

يقول أبو كريم: "شكلت التوراة ركيزة أساسية في تشكيل الهوية الدينية للكيان الإسرائيلي، لتمنحهم شعورا بأنهم جماعة مؤمنين لها قوامها التاريخي والعقيدي المتواصل، فزعماء الحركة الصهيونية لم يجدوا أي صعوبة في إقناع يهود المهجر بالعودة إلى الوطن القومي الجديد، فقد وجدوا أن النبوءات التوراتية والوعود الإلهية الموجودة في التوراة، وأن التعاليم التلمودية في هذا الشأن كفيلة لتغيير عقيدة اليهود، وإقناعهم بالعودة والهجرة إلى وطنهم القومي الجديد، دون انتظار للمخلص أو المسيح ليعود معهم".

يضيف الكاتب تُعد أفكار اليمين الإسرائيلي وأحزابه هي الأكثر تطرفًا في نظرتها للأراضي الفلسطينية، بحيث تعتبرها جزءًا من الأراضي اليهودية الكاملة، وإن المستوطنين في الضفة الغربية يؤدون مهمةً وطنيةً ودينيةً مقدسةً، كونهم اختاروا العيش في الضفة الغربية بدلا من تل أبيب وغيرها، وهم يتحملون الظروف القاسية التي قد يتعرضون لها، إلا أنهم يعتبرون أنفسهم امتدادًا لدولة "إسرائيل" الكبرى.

تطرق الكاتب في الفصل الثاني إلى صراع الهوية الإسرائيلي الفلسطيني من منظور حضاري، ففي أعقاب نجاح المشروع الاستيطاني وسيطرة إسرائيل على معظم الأراضي الفلسطينية، سواء عبر الاحتلال العسكري أو الاستيطان حدث تحول جوهري ونوعي على طبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، من صراع على الأرض الفلسطينية، لصراع على هوية الأرض ومورثها الثقافي والحضاري.

تدرك إسرائيل جيداً أن الهوية الفلسطينية النقيض التاريخي والحضاري والثقافي والسياسي للهوية الإسرائيلية المصطنعة خارجيًا، وتتميز الهوية الوطنية المعاصرة عن غيرها من المفاهيم الأخرى بأنها حالة جماعية إرادية خالصة، تتسم بطابعها الجماعي، وبرزت في إطار مواجهة الاستعمار الكولونيالي، ودفعت باتجاه تعزيز القطرية، لأن ضرورات الكفاح الوطني كانت تقضي بناء العاطفة الوطنية المرتبطة بالدفاع عن الوطن والتراب الوطني في مواجهة خطر الاستعمار.

يقول أبو كريم:" الحالة الفلسطينية كانت الهوية ومازالت محل سجال، من حيث آليات تكوينها ونمطها، وأشكال التعبير عنها، وذلك لأسباب تتعلق بخط التكوين التاريخي المتعلق بولادة القوميات في الشرق العربي، والتصارع مع المشروع الصهيوني، والذي ساهم في تنامي الشعور الوطني، بالإضافة للقواسم المشتركة مثل: اللغة، والعادات، التقاليد، وحدة المصير، والشعور الوطني".

يضيف الكاتب أبو كريم" اختلفت الهوية الفلسطينية عن الهوية الإسرائيلية النقيضة، بكونها متخيلة منعكسة عن جود أصلي حقيقي، وتعتمد في صناعتها على أحداث النكبة الواقعية، وليست خيالية مخترعة لا وجود لها، تعمد على الزيف والتلفيق مثل الهوية الإسرائيلية، فالهوية الأولى تحررية أصيلة، أما الثانية فهي انعكاس لمشروع استعماري استيطاني احلالي.

مازالت الهوية الإسرائيلية تعاني من هاجس الهوية الفلسطينية، ولا يمكن للمواطن الإسرائيلي تعريف هويته إلا مقابل الآخر العربي الفلسطيني المرابط على أرضه، وسيبقى يساهم في تشكيل الهوية الإسرائيلية، وقدمت اسرائيل صورة الشخصية العربية على أنها "متخلفة"، كدليل على استخدام لغة القوة في التعامل معهم، فهم قوم فرديون مفككون، يملون للكذب والمبالغة والخداع، وهم بالمقارنة مع الإسرائيلي "اليهودي" كسالى وجبناء خونة، وقد حاول الاستعمار الصهيوني تصوير نفسه على أنه جزء من حركة التنوير الغربي.

صفقة القرن كجزء من صراع الهوية

جاءت سياسات إدارة ترامب تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلية تنسجم إلى حد كبير مع رغبات وتطلعات اليمين المسيحي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، فهو منذ دخوله البيت الأبيض أتخذ عدة قرارات تجاه الصراع، جاءت في معظمها لصالح إسرائيل والوطن القومي لليهود في فلسطين، بما يخدم السردية اليهودية في مقابل السردية الفلسطينية، الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل كبداية مقاربة جديدة تجاه النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

يؤكد الكاتب أن صفقة القرن جاءت متوافقة مع الرؤية الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيب الهوية الوطنية الفلسطينية، وتفتيت الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية لمنع قيام دولة فلسطينية، وتصفية الحقوق الفلسطينية، عبر اعتبار القدس "عاصمة إسرائيل غير القابلة للتجزئة"، ومساعي الاحتلال الإسرائيلي بفرض السيادة "على غور الأردن والمستوطنات ومناطق أخرى" في الضفة الغربية، بموجب خطة ترامب، أي أن الخطة جاءت في إطار تثبيت الرواية الإسرائيلية ونسف الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتثبيت الحقائق التي سعت إسرائيل لتثبيتها منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، عبر تثبيت الاستيطان والتهويد وتجزئة الأرض والجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، لتسهيل السيطرة عليها واستغلالها.

طرح الكاتب الصراع الثقافي في أبعاده التراثية والثقافية والحضارية في الفصل الثالث، وترافق ذلك مع بروز صراع الهوية الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي تزامن مع صعود اليمين الديني القومي لسدة الحكم في إسرائيل، كانعكاس لانزياح المجتمع الإسرائيلي بشكل كامل نحو اليمين المتطرف الرافض للوجود الفلسطيني، والمتنكر للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

شكلت التوراة ركيزة أساسية في تشكيل الهوية الدينية للكيان الإسرائيلي، لتمنحهم شعورا بأنهم جماعة مؤمنين لها قوامها التاريخي والعقيدي المتواصل، فزعماء الحركة الصهيونية لم يجدوا أي صعوبة في إقناع يهود المهجر بالعودة إلى الوطن القومي الجديد، فقد وجدوا أن النبوءات التوراتية والوعود الإلهية الموجودة في التوراة، وأن التعاليم التلمودية في هذا الشأن كفيلة لتغيير عقيدة اليهود، وإقناعهم بالعودة والهجرة إلى وطنهم القومي الجديد، دون انتظار للمخلص أو المسيح ليعود معهم
التحوّلات التي ظهرت على بنية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من صراع على الأرض لصراع على هوية الأرض وتراثها الثقافي والحضاري والتاريخي، جعل من الموروث الثقافي والحضاري يتصدر المشهد، كأحد أشكال صراع الهوية. لقد ترافق هذا التحوّل في بنية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع بروز مظاهر ومؤشرات عديدة لصراع الهوية الثقافي والحضاري والتاريخي، تمثل في محاولات إسرائيلية حثيثة لسرقة التراث الحضاري والثقافي للشعب الفلسطيني ونسبته للمستوطنين الوافدين، ومحاولة تزيف التاريخ وخلق حقائق جديدة على الأرض، الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، منها محاولات سرقة الأكلات الشعبية الفلسطينية، مثل الفلافل والحمص، ومحاولات سرقة الزي " الثوب الفلسطيني"، وغيرها من المحاولات التي تؤكد على بروز صراع هوية حضاري.

يقول الكاتب:" يُحاول الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايات احتلاله للأراضي الفلسطينية سرقة التراث الفلسطيني وتسويقه حول العالم على أنه تراث إسرائيلي، فلم يكتف بسرقة الأرض؛ لكنه يسعى حثيثًا دون توقف لسرقة معالم الهوية الفلسطينية. لم يتوانَ صُناع القرار في كيان الاحتلال عن دعم سرقة التراث الفلسطيني وتهويده بحثًا عن هوية إسرائيلية يهودية على حساب الهوية الفلسطينية متخذة أشكالًا عديدة على طريق الاستحواذ التام على التراث والرواية والحضارة الفلسطينية".

فلم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه المختلفة بسرقة الأرض الفلسطينية، بل يصارع الزمن يومًا بعد آخر لسرقة الهوية والتاريخ والتراث الممتد منذ قديم الزمان على هذه الأرض المباركة. ويعمد الاحتلال إلى سرقة التراث الفلسطيني، ونسب أصوله لليهود أو التجول به دوليًّا؛ في محاولة لإثبات وجوده في أرض فلسطين، كما يبذل الاحتلال مجهودًا كبيرًا في سرقة التراث، كسرقة اللباس واللغة والعملة الكنعانية، "فعملة "الشيقل" أساسًا عملة كنعانية قديمة، كما يحاول الاحتلال سرقة الأحجار الكنعانية القديمة "ليصنع منها أسوار الجامعة العبرية ومستشفى "هداسا.

سرقة التراث والآثار الفلسطينية لم تتوقف على مستوى الدولة وأجهزتها الرسمية، بل وصلت لمستوى السرقة للحساب الشخصي، فقد انخرط "موشيه دايان" لا سيما بعد توليه وزارة الدفاع بعد حرب العام 1967 في الحفريات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما انخرط في سرقة المواقع الأثرية، وشراء وبيع الآثار لمصلحته الشخصية، كما كان ينهب المواقع الأثرية أثناء قيام علماء الآثار المحترفين بالتنقيب عنها. وتشير التقارير الإسرائيلية، أنه على مدار ثلاثة عقود (1951-1981)، جمع دايان أكثر من 800 قطعة أثرية يعود الكثير منها إلى آلاف السنين، بدءاً من قطع أثرية تعود إلى 7 آلاف سنة قبل الميلاد.

إنها حرب مفتوحة على الهوية والتراث الفلسطيني، وهي حرب ثقافية تتعدى في خطورتها الحرب العسكرية، وهي أشد فتكاً من حروب الدبابات والطائرات والبوارج الحربية، إذ يسلب العدو ثقافتك وحضارتك ليطمسها ويستبدلها بأسماء ورموز مزيفة لا تلتقي وعظمة المكان والحضارة الأصلية". "خطورة ما يقوم به الاحتلال هو تأثيره وانعكاسه على الفلسطيني وعلى العربي الذي سيجد نفسه بعد حين لا يستخدم إلا هذه الأسماء والمسميات الغريبة العجيبة الدخيلة، فقد نجحت سلطات الاحتلال ومنذ نكبة 1948 في تغيير 22 ألف اسم في القدس المحتلة وحدها واستبدلتها بأسماء توراتية وتلمودية، ومرت جميعها كأنها أمر واقع.

جاء الفصل الرابع، حول مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر، فقد ألقت عملية السابع من أكتوبر بتداعياتها على مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، ليس فقط تجاه قطاع غزة، الذي تم تدميره بصورة كلية، بل على كافة التواجد الفلسطيني بما فيها فلسطينيين الداخل ( عرب 48)، حيث شكلت هذه العملية نقطة تحول رئيسية في تاريخ الصراع، وأفضت لواقع جيوسياسي مختلف تمامًا عما كان قبلها، كما أنها كشفت عن عجز المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية عن الاستثمار في الحدث للوصول إلى تسوية سياسية.

أوجز الكاتب في طرحها لتحولات بنية الصراع بعد عملية السابع على المستوى الأمني،  فإسرائيل بنت روايتها على الوعد بتوفير ملاذ آمن لليهود، وهو ما تم تبريره من خلال روايات المعاناة والبقاء، يشير الكاتب هنا" استطاعت المقاومة أن تُبدِّد فكرة الجيش الذي لا يُقهر؛ فقد كشفت أحداث السابع من أكتوبر حجم الوهْم والهالة المصطنعة التي تحيط دولة الاحتلال بها نفسَها، وأنَّ مجموعةً من المقاتلين الذين توفّرت لديهم الإرادة الجادّة وعنصر المباغتة استطاعوا أن يحققوا على الأرض ما لم تعهده دولة الاحتلال منذ تاريخ قيامها، وأن يكسروا الحاجز النفسي العربي، ويُبطلوا صحة مقولة الجيش الذي لا يُقهر".

لكن الرد الإسرائيلي على عملية 7 أكتوبر تجاوز أهداف الحرب المعلنة من الحكومة الإسرائيلية، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة الحرب، التي أطلق عليها عملية السيوف الحديدية، وتعرض القطاع لعملية تدمير شاملة وممنهجة أدت إلى تدمير شامل وكامل للبنية التحتية والمرافق العامة، والمنشآت الصناعية والتجارية، فبعد مرور عام تقريبًا على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومقتل وفقدان أكثر من 50 ألف مواطن، وتدمير كامل للبنية والتحتية تتكشف حجم الإبادة الجماعية التي قامت بها إسرائيل بحق المجتمع الفلسطيني، تجاوزت إسرائيل كل حدود الرد وبدأ وكأنه استهداف شامل وكامل للمجتمع الفلسطيني وبنيانه الاجتماعي والثقافي والفكري والحضاري.

هناك طروحات التي وضعها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان تضمنت أربع مبادئ تصرّ عليها واشنطن بشأن تسوية اليوم التالي للحرب، وهي: عدم استخدام غزَّة مطلقًا لشنّ هجمات جديدة على إسرائيل، وأن يكون السلام إقليميًّا، بمعنى أن يكون بين الدول العربية في المنطقة وإسرائيل، وأن يقود ذلك إلى دولة فلسطينيَّةٍ، وأن تكون هناك ضمانات أمنيَّة لإسرائيل.

يضيف أبو كريم: "أرادت الإدارة الأمريكية الحالية تتويج اتفاقات التطبيع بين الكيان الصهيونيّ والأنظمة العربية المتحالفة مع أميركا من خلال اتفاق تطبيع بين السعودية والكيان الإسرائيلي حتى تضمن مصالحها الاستراتيجية، وتحافظ على مصالحها الاقتصادية من خلال محاصرة واحتواء القوى المعادية لها وللكيان. هذه الاستراتيجية كانت ستوكل للكيان الإسرائيلي والأنظمة العربية المطبّعة معه الحفاظ على الأمن الإقليمي لتتفرغ أميركا للتحدّي الصيني في شرق آسيا وحول العالم"

سعت الولايات المتحدة الأمريكية للاستفادة من الزخم السياسي على المستوى الدولي الذي تصاعد بعد السابع من أكتوبر لطرح مبادرة سياسية تقوم على أساس إعادة ترميم مسار التسوية السياسية، وقيام دولة فلسطينية مستقلة مقابل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وفي مقدمتها السعودية، لكن هذا المسار انصدم بعقبتين، الأولى هي وجود اليمين الديني في سدة الحكم في إسرائيل مما أدى لإفشال أي جهود سياسية، من خلال تقديم مسار الحرب على مسار التسوية السياسية، أما العقبة الثانية فقد تمثلت في عجز إدارة بايدن والمجتمع الدولي في ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة نتنياهو لوقف العدوان والقبول بمسار التسوية كبديل عن التصعيد العسكري.

لا يزال الإسرائيليون موحّدين في ضرورة الانتقام مما حصل في 7 أكتوبر، ولا يبدو أن ذلك كان مجرد ردة فعل على ما جرى، فعموم الجمهور الصهيوني يتجه نحو التطرف والتشدد، وعدم الاعتراف بالفلسطينيين، والرغبة في تهجيرهم وترحيلهم عن أرضهم
يؤكد الكاتب بأنه لا يزال الإسرائيليون موحّدين في ضرورة الانتقام مما حصل في 7 أكتوبر، ولا يبدو أن ذلك كان مجرد ردة فعل على ما جرى، فعموم الجمهور الصهيوني يتجه نحو التطرف والتشدد، وعدم الاعتراف بالفلسطينيين، والرغبة في تهجيرهم وترحيلهم عن أرضهم، كما جرى قبل7 أكتوبر وما بعده، مما يؤكد أن حدة الصراع تسير إلى التصاعد لا التراجع، وأن حوافز الفلسطينيين في المقاومة تعاظمت، مقابل كيان يتجه للتشدد والتطرف وإنكار أي حقوق للفلسطينيين، فيما سقطت مقولة الوسيط النزيه وإلى غير رجعة، إذ تأكد أن واشنطن شريكة كاملة للعدوّ، ولا يمكن أن تمارس إلا دور المنحاز الداعم له.

في خاتمة الدراسة أكد الكاتب على:

ـ أن بروز الملامح الأولى للهوية الوطنية الفلسطينية كردة فعل عن المشروع الصهيوني في فلسطين، والساعي لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وتشكل الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني النقيض التاريخي والحضاري والثقافي والسياسي للهوية الإسرائيلية المصطنعة خارجيًا.

ـ تهدف خطة حسم الصراع إلى مزيد من السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، عبر الاستفادة من اللحظة التاريخية التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط، وتهجير الفلسطينيين منها بشكل ممنهج بمعدل 20 ألف شخص سنوياً حتى العام 2035، وإغراق الضفة الغربية بالمستوطنات والمستوطنين، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وفرض القانون الإسرائيلي على كل مناطق الضفة الغربية، ومضاعفة الاستيطان بمعدل ثلاث مرات، وشطب نموذج الدولة الفلسطينية من الوعي والأرض.

دعا أبو كريم "لأهمية تصعيد حالة الاشتباك السياسي والقانوني والدبلوماسي في المحافل الدولية، بما يعزز من مكانة فلسطين على الخارطة الدولية... ضرورة العمل على فضح الممارسات الإسرائيلية الإجرامية التي تهدف إلى حسم الصراع من خلال استغلال عملية السابع من أكتوبر لقتل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، عبر زيادة حدة إجرام الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، والذي يهدف إلى تصفيه الوجود المادي والمعنوي والثقافي للشعب الفلسطيني".

أفردت هذه الدراسة مساحة كبيرة للقارئ العربي لفهم جذور الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بكل موضوعية، استناداً لأساسيات البحث العلمي الموضوعي في تناول مظاهر تحول أحد أهم الصراعات السياسية في الوطن العربي.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع