تقارير

مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية- هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاداته.
لا شك أن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي لا يدور على مساحة جغرافية من الأرض فقط، إنما هو صراع على الهوية، ناتج من نقطة أساسية يقوم عليها مشروع الاحتلال القائم على جلب اليهود من أقطار العالم وتجميع شُذّاذ الآفاق في مكان جغرافي موحد (أرض فلسطين)، هذا المشروع كان يحتاج لقاسم مشترك مفقود يجب أن يُعمل عليه. إذ لا يوجد بينهم العلاقة الطبيعية بين أبناء الشعب الواحد، وليس بينهم سوى بعض الطقوس أو الانتماء الديني.

لا يوجد في هذه المجموعة الإحلالية من البشر أي صفة من صفات الشعب المتمتّع بالتاريخ والثقافة والتراث والعادات وغيرها من العناصر التي تشكل الشعوب وروحها، لذلك كان بحاجة أن يخترع هوية لهذه المكونات.

في المقابل، جاؤوا إلى بلادنا ليحلوا محل شعبنا الذي هو الآخرالذي لتفكيكه وطمس هويته وارتباطه مع الأرض، لكي يستطيعوا الحلول مكانه. مع علمهم أن هذا المشروع يحتاج أجيالاً من الزمن لكي يفكككوا أواصر ارتباط هذا الشعب مع الأرض، فعملوا على سرقة هذه الأواصر بشتى الوسائل.

لذلك كان العنوان الأساسي لهذا الصراع هو الصراع على الهوية وليس على الأرض.

ويلخص هذا المخطط؛ مخطط اختراع هوية جديدة وتفكيك هوية قائمة، المقولة الشهيرة التي أطلقتها الصهيونية: أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض.

وتتركز ميادين هذا الصراع على الآتي:

1 ـ اقتطاع مساحة من الأرض، بالاحتلال أو الشراء أو وضع اليد.

2 ـ  البحث عن هوية له بما يتعلق بالأرض، الآثار والحفريات التي فشلت كلها على أرض فلسطين.

3 ـ تغيير معالم الأماكن وأسمائها وكل ما يتعلق بجذورها العربية في المنطقة واستجلاب أسماء أخرى، كما يقول أحد كتّابهم "ومُنحت أسماء جديدة لكل شيء. حضارية أكثر، بالطبع. ومن التوراة أيضاً".

4 ـ اللباس والمطرزات وخصوصاً اللباس النسائي، كما فعلت مضيفات طيران شركة العال الإسرائيلية، وكذلك الكوفية حيث استخدمها الاحتلال ونقَشَها بالنجوم السداسية الزرقاء.. وتعدّى على المأكولات وحاول سرقتها وعلى رأسها الفلافل والحمص.

5 ـ  كما منع إحياء ذكرى النكبة، كي لا تستعيد الأجيال ما تعرض له أجدادهم على يد عصابات هذا الكيان.

6 ـ في المجال الثقافي: لم تتوان إدار الاحتلال عن محاربة اللغة العربية بأكثر من ميدان وفي الجامعات.

7 ـ  محاربة المناهج الفلسطينية ومضامينها. يكفي أن نعرف أنهم صادروا من القدس الغربية بين الأعوام 1947 و1949 أكثر من 30 ألف كتاب مدرسي جرى هرس 26 ألف نسخة منه..

8 ـ النسب والعائلة كان محل صراع، حيث حاول العمل على إيجاد أنساب بين اليهود القادمين ويهود المنطقة، وإقناع اليهود والعالم بوجود هذا النسب بين اليهود القادمين والمقيمين.

هذه النقطة (النسب وشجرات العائلات)، بذل الاحتلال فيها جهوداً كبيرة. وقد فضح هذه الجهود الباحث شلومو ساند، وذكر نصاً: "هناك جهود كبيرة لتزييف هذا النسب وشجرات العائلات"، وذكر تفاصيل كثيرة في هذا المجال في كتابه "اختراع الشعب اليهودي" لا يتسع المقام لذكرها هنا.

فضلاً عن هذه الجهود التزويرية، حاول الاحتلال أن يشكك بأسماء بعض العائلات الفلسطينية مثل (العراقي، البيروتي، الطرابلسي، المغربي..) بأن هذه العائلات لا تنتمي أصلا إلى فلسطين، بل جاءت من بلدان أخرى.

الرد على هذا التشكيك هو الآتي: الوجود العربي في فلسطين منذ ما قبل الكنعانيين أساسي، وشعوب المنطقة كلها تكونت من خلال الترحال والاستقرار، ما يتوافق مع مصالح وعلاقات وعادات هذه الجماعات، لذلك لا يمكن أن تُبنى حججُهم على هذا الأمر، بل إن هذا سياق طبيعي في تكوين الشعوب.

أما السياق غير الطبيعي فهو لملمة مجموعات بشرية مختلفة ومحاولة تشكيل شعب بمقابل اقتلاع شعب من أرضه وتشريده وسرقة تراثه وهويته المتجذرة منذ آلاف السنين.

في هذا المجال تنشط مؤسسة هوية، واسمها الكامل هو: المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية، وتحقق إنجازات هامة في مجالها، لذلك وجهنا بعض الأسئلة لمديرها العام الأستاذ ياسر قدورة، فكانت المقابلة القصيرة التالية:


                                                        ياسر قدورة.. المدير العام لمؤسسة هوية

ـ من هو مؤسسة هوية، وما هي أسباب تأسيسها؟

جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية ـ هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاداته.

ونحن في هذا السياق اخترنا جانبا واضحاً ومحدداً لتوثيق جذور العائلات وشجراتها..

فكانت ميزة هذا المشروع أنه طرق باب توثيق جذور العائلات، وهو باب لم يكن متناولاً سابقاً على مستوى الشعب الفلسطيني.. فجاء المشروع لينظم الشيء الموجود سابقاً على المستويات الفردية والعائلية ولم يكن مُمأسساً كغيره من المشاريع، وأيضا جاء ليستكمله ضمن برامج جديدة للمشروع الفلسطيني، والغاية الأساسية كانت أن تصل لمرحلة يكون فيها لكل عائلة، بل كل فرد فيها عنده روايته المتكاملة عن انتمائه لفلسطين، ابتداءً من تأسيس العائلة وأين كانت تعيش؟ وما الظروف التي عايشتها من العدوان الصهيوني؟ سواء من العصابات قبل النكبة عام 1948 أو خلالها، وما حل فيها من لجوء وتغيير المكان ومحاولات تغيير الهوية، وما قدمته العائلة في مجال نضال الشعب الفلسطيني من شهداء وجرحى وأين أصبحت العائلة وفروعها بعد النكبة.

لذلك نحن حريصون أن يكون لدى كل عائلة روايتها المكتملة متوفرة بين يديها وأن نعمل على تدعيم هذه الرواية بما تملكه من شواهد ووثائق علمية، لذلك ركزنا على جملة من العناوين التي نعمل فيها؛ وهي:

1 ـ شجرة العائلة الفلسطينية وفيها تعدد الأجيال، والذكور والإناث وكل فرد من العائلة، مع الاستفادة من كل التجارب السابقة.

2 ـ تسجيل الرواية الفلسطينية (برنامج الذاكرة الشفوية) حتى تتناقل العائلة روايتها من كبار السن.

3 ـ توثيق الصور العائلية وما ترتبط فيها من قصص كي لا يبقى الأشخاص أرقاماً، بل نحافظ عليهم كأسماء وقصص وصور، وأسسنا أرشيفاً وبنك صور من شهود النكبة.

4 ـ الوثائق العائلية والاجتماعية والعقارية، وثائق الزواج والطلاق، وكواشين الأراضي والبيوت.

5 ـ يوم القرية الفلسطيني الذي يجمع كل أهل البلد بمختلف الأجيال واقعياً لكي يسمعوا من بعض ويوثقوا ارتباطهم بقريتهم.

ـ  بالأرقام.. ماذا أنجز المشروع حتى الآن؟

 ـ قامت هوية خلال سنوات عملها بجمع أكثر من ٦٢٠٠ شجرة عائلة (تضم قرابة مليون فرد)، وقابلت قرابة ١١٠٠ شخص من شهود النكبة من مختلف مدن وبلدات فلسطين، جلهم من المقيمين في دول الشتات.

أما في مجال الصور الفلسطينية، فقد جمعت "هوية" أكثر من ٣٨ ألف صورة، منها ٣١ ألف صورة تتعلق بالعائلات وصور شهود النكبة والباقي متعلق بالمدن والقرى.

أما في مجال الوثائق فقد نشرت هوية أكثر من ٢٦ ألف وثيقة جمعتها من العائلات ومن أرشيفات متعددة.

يُشار إلى أن هذه البيانات والصور قد جمعتها هوية بالتواصل المباشر والزيارات الميدانية للعائلات ومن خلال التواصل عبر موقعها الالكتروني  www.howiyya.com.

وقد تجاوز عدد الذين تعاونوا في التوثيق ضمن هذا المشروع ٥٠ ألف شخص على مدى ١٤ عاماً.

ـ كيف ترى مستقبل المشروع، وما هي آفاق الحلم الذي تعملون له؟

 ـ عندما نتكلم عن عائلة فلسطينية وتفاصيلها، من الصعب أن تستطيع مؤسسة واحدة جمع ملايين الأسر الفلسطينية في شجرات العائلات، ولكن طموحنا كان أن نعمم هذه الثقافة بين أبناء الشعب الفلسطيني ليصبح الأمر اهتماماً شخصياً.. وكثيراً ما حصلنا على شجرات من أصحابها الذين بذلوا الجهود ليجمعوها بعد أن شاركوا في دورات تثقيفية كنا ننظمها لهم.

وقد دربنا نحو 500 شخص في أكثر من مكان لكي ينخرط الشباب الفلسطيني في هذا المشروع من الآن وحتى العودة وما بعد العودة.

* كاتب وشاعر فلسطيني