وجدتني أهتف: ‘حبيبي يا أسمريكا’، وأنا أشاهد محمود سعد عبر قناة ‘النهار’، يقفز على الطعن في صحة الشريط الأخير المسرب لقائد الانقلاب في مصرالفريق عبد الفتاح السيسي، الذي يطلب فيه تحصين وضعه في الدستور الجديد.. وماذا بقي من قناة ‘النهار’ سوى برنامج محمود سعد، الذي تشاهده فيغشيك النعاس آمنة منه.
لقد كانت ليلة ليلاء، اذ تسرب تسجيل صوتي، يحمل حواراً ما بين الصحافي ياسر رزق، والفريق السيسي، وكان الأول قد اجرى مقابلة صحافية لجريدة ‘المصري اليوم’ مع الثاني، وفي هذا التسجيل الذي بثته شبكة ‘رصد’، يقترح فيه الثاني على الأول أن يطلب من المثقفين أن يطالبوا بتحصين وضعه الشخصي في الدستور، فإذا سقط في الانتخابات الرئاسية، يحق له العودة وزيراً للدفاع، ومعلوم أنه يجري الآن تحصين موقع وزير الدفاع في الدستور، فيصبح أمر تعيينه وعزله بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وليس من حق رئيس الجمهورية المختار بالإرادة الشعبية ان يعزله، كما أنه ليس من سلطة رئيس الحكومة، أو من سلطة الشعب المصري صاحب السيادة ذلك، وهو نص لا وجود له في أي دستور من الدساتير الموجودة في الدول المحترمة أو غير المحترمة!
سعد الدين إبراهيم الناشط الحقوقي، واحد رعاة الانقلاب العسكري في مصر، ظهر عبر فضائية ‘الجزيرة مباشر مصر’ ليقول كلاماً غريباً دفعني لان أهتف ثانية: ‘حبيبي يا أسمريكا’، إذ تحدث الرجل عن الحق والمستحق، فمن حق الفريق السيسي كانسان أن يسعى لتحصين نفسه، فهو بشر. مع أن قصة الحقوق هنا لا يجوز ان تطرح في إدارة الدول، ولكن ربما تكون مناسبة في عملية إدارة البيوت، التي يتربص فيها الورثة بالأب، على نحو يمنعه من نقل الميراث لهم في حياته، وأن ينتظر إلى حين الغرغرة.
المذكور، الذي هو سعد الدين إبراهيم، له واقعة قبل الثورة، كان اليأس دافعه اليها، وهو الذي قدم نفسه للرأي العام على أن أزمته مع نظام مبارك راجعة إلى مقال كتبه ضد التوريث ترتب عليه سجنه، مع ان المسألة وما فيها لها علاقة بأموال التمويل الأجنبي المخصصة لنشر الوعي السياسي بين المصريات، إذ كان قد أنشأ منظمة ‘دعم الناخبات’، في حين أن سوزان مبارك كانت قد قررت تأسيس ما يسمى بالمجلس القومي للمرأة، وكلاهما، سوزان، وسعد، كالفريك، وقد ورد في الأثر، أن الفريك لا يجب شريك. والفريك للسادة المستشرقين، ومن في حكمهم، هو محصول القمح الذي يستعمل قبل نضجه، في حشو الحمام، والذي يستبدل لغلو سعره بالأرز، وعبارة ‘أنا كالفريك’ تقولها مطلوبة للزواج الثاني، والمعنى اذهب وانسف حمامك القديم ثم تعال!
حق جمال مبارك
لم تقبل سوزان مبارك نظام الشراكة، ولم يقبله سعد الدين إبراهيم، فقيل يا داهية دقي، ودخل الرجل السجن، وخرج منه، وجرى حصاره، وفي مرحلة الحصار، انبعث مغامر وأسس تنظيماً لإجبار جمال مبارك على ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، وذهب الى المحافظات المختلفة طالباً توقيع الناس على عريضة الجبر والمطالبة، وذات يوم ذهب إلى سعد الدين إبراهيم فوقع، وعندما أذيع الخبر قال سعد مبرراً انه وقع على (حق) جمال مبارك في الترشح، كأن الحصول على هذا الحق بحاجة إلى موافقة سعد الدين ابراهيم. ها هو يتحدث الآن عن (حق) الفريق السيسي كانسان في أن يحصن نفسه.
وفي الأولى كتبت مقالاً حمل عنوان: ‘سعد الدين إبراهيم الذي يرى حسناً ما ليس بالحسن’، وفي الثانية، سحبني في اتجاه آخر، وانساني ما كنت أتكلم فيه، ورأيي القديم فيه أنه ذكي ذكاء مخيفاً.
في هذه الليلة الليلاء، جئت لأفتح لسعد الدين إبراهيم الدفاتر القديمة، وذكرت واقعة جمال مبارك، الذي يبدو انه لا يريد ان يتذكرها، فإذا به يقول: ‘نعم قل ما تريد، فأنت من اتهمتني بأنني أحمل الجنسية الأمريكية، وأنت من اتهمتني بأنني على علاقة بالمخابرات الأمريكية’. ولم يكن شيئاً من هذا ذكرته يوماً، فضلاً عن انه يحمل الجنسية الأمريكية، وهو أمر لا يعنيني، ولا أرى فيه ما يخدش وطنيته، فتركت الموضوع وانشغلت بنفي أن أكون قد ذكرت هذا، ولم انتبه الى هدفه إلا بعد أن غادرت الأستوديو!
لا أعرف لماذا هتفت هنا وهناك: ‘حبيبي يا أسمريكا’، كما لو كان الدافع للهتاف هنا وهناك هو عثمان آي فرح، فتى الجزيرة الأسمر، مع أن محمود سعد، وسعد الدين إبراهيم ليسا من الذين استهدفتهم سمراء الغناء العربي خالدة الذكر ‘جواهر’ بأغنيتها، ولا أعرف أين هي الآن، وأين أراضيها؟.. فمنذ فترة طويلة لم أعد أشاهد ‘جواهر’ على أي فضائية، وهي التي رفعت كثيراً من روحي المعنوية بغنائها لبني بشرتها!.
من وجهة نظري فان ما جرى تسريبه، مثل فضيحة مكتملة الأركان لقائد الانقلاب، الذي لم يعد مهتماً سوى بتحصين نفسه، فهو يريد اذا فشل في الانتخابات ان يعود وزيراً للدفاع، مع تحصين هذا الموقع، مع أن كل ما فعله الرئيس محمد مرسي في الإعلان الدستوري الأزمة، انه حصن قرارته من استهداف القضاء، ولولا ذلك لكان الانقلاب عليه تم بحكم قضائي، لكن هذا الإعلان حال دون ذلك، فلم يكن أمام خصومه من سبيل سوى انقلاب عسكري للإطاحة به، وعلى الرغم من أن الأصل في الأشياء ان الإعلان الدستوري حصن المحصن تاريخياً، فقرارات رؤساء الجمهورية هي من أعمال السيادة وغير خاضعة لرقابة القضاء، إلا ان خصومه تعاملوا على أنه دشن نفسه فرعوناً، وفي موجهة الانحراف الماثل أمامنا لا يجدون إلا تبرير ذلك على طريقة محمود سعد وسعد الدين إبراهيم.. (عاشت الاسامي)، فلم انتبه إلى ان اسم الثاني يبدأ بما انتهى به اسم الأخير، سوى الآن!
التسجيلات المفبركة
المخرج خالد يوسف، الذي لم يعد يخرج أعمالا سينمائية، فكل دوره الآن انه صار يخرج انقلابات، ولهذا منحه الفريق السيسي طائرة ليقوم بتصوير مظاهرات 30 يونيو بها، على طريقة ‘الفوتشوب’، وصور لنا أن الشعب المصري كله خرج ليطلب السيسي بالانقلاب على الرئيس المنتخب.
هذا المخرج ظهر مع خيري رمضان في الليلة الليلاء إياها، وفي برنامج ‘ممكن’ على ‘سي بي سي’ ليقول أن التسجيلات التي بثتها شبكة ‘رصد’ مفبركة، ولكن من يستمع لها بحياد، لا يمكنه أن يتصور ما روج له المخرج الكبير، لذا فقد ذكر ان الفبركة تمت ‘بحرفية كبيرة’، وعلى هذا النهج صارت الفضائيات الداعمة للانقلاب، والممهدة له، لستر العورات التي تبدت للناظرين!
بدا لي الفريق السيسي، كما لو كان معمولاً له عمل، وأنا مؤمن بالأعمال السفلية بالذات، فلا يكاد يخرج من حفرة حتى يهوي في دحديرة، وربما هي لعنة مرسي، فقبل أيام تم تسريب فيديو له، هو الخاص بالاجتماع الذي تم بينه وبين رجاله في ديسمبر الماضي، ومن خلاله أكد على فكرة ‘ الأذرع′، فهو يريد ان يكون له أذرع في الإعلام.
والتسجيل الأخير يأتي مع هذا السياق، ثم أنه أكد على أن الزمن الذي كان فيه يحال الضباط للمحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين قد انتهى، وأكد على أن مهارات المتحدث الإعلامي في أنه جاذب للنساء، وفي فيديو آخر، تحدث عن انه لا توجد خدمة مجاناً، ولو كان بيده الأمر لحاسب من يتصل عبر الهاتف، ومستقبل الاتصال، وحينئذ لم نعرف من المتحدث عبد الفتاح السيسي ام رجل الأعمال نجيب ساويرس؟!.. وهو خطاب ينسف فكرة تشبيهه بجمال عبد الناصر، الذي كان انحيازه للفقراء أهم ما يميزه، فكانوا درعه، ولولا هذا الدرع، لاستخدم وزير حربيته عبد الحكيم عامر الجيش في الانقلاب عليه.
إعدام السيسي
في ظل سياسة التشكيك في التسجيلات المسربة، قفز محمود سعد قفزة للأمام، وتحدث عن ضرورة تحصين اسم السيسي، وكل قيادات المجلس العسكري، لأن السيسي وبحسب كلامه ‘قدم روحه على طبق’، وأنه اذا فشل الانقلاب فهم كانوا سيدخلون السجون، أما السيسي فكان سيعدم؟!
لم يقل سعد ما هي الجريمة التي ارتكبها السيسي لكي يعدم، فهل يظن انه خالف القانون بما فعل، وهم يتحدثون عن ان ما جرى كان ثورة شعبية، استجاب لها السيسي، فضلا عن ان أمر محاكمتهم سيكون معقوداً بيد القضاء، وهم رأيهم أن القضاء المصري شامخ، فهل يا ترى لهم رأي آخر في شموخ القضاء يخفونه خوفاً عليه من الحسد؟!
ما علينا، فتبدو أزمة ما يتم تسريبه هذه الأيام للفريق السيسي، ليس فيما يقوله فقط، ويكشف حقيقة الموقف، ولكن في كيف تم تسريب ذلك؟!
عندما نقول أن خالد يوسف فبرك الانقلاب، فان هذا لا ينفي أن متظاهرين كثيرين خرجوا يوم 30 يونيو، فتعامل معهم على أنهم مادة خام، فأضاف وافتعل في إطار الموجود، وعندما يقول الآن إن التسجيلات الخاصة بحوار السيسي وياسر رزق مفبركة، فالمعنى أن هذه التسجيلات في قبضة هؤلاء الذين قاموا بالفبركة، فمن مدهم بها؟، إذا استبعدنا الكلام في الموضوع، فهو محرف بحسب قول خالد يوسف، فما يعنيني أن مادة التسجيلات بحوزة المزورين، وجرى العبث بها!.
لم ينف يوسف أن تكون الأصوات للسيسي وياسر رزق، والمعني أن التسجيلات جرى تسريبها، ولن نناقش قضية تحريفها الآن، فمن سربها؟.
في الفيديوهات السابقة قالوا ان الرئيس مرسي حصل عليها بحكم منصبه، وانه سربها لجماعته التي سربتها لشبكة ‘رصد’، لكن هذه تسجيلات حديثة وجرت وقائعها قبل أيام، وفي مرحلة الانقلاب، فمن سربها؟!
ليس لذلك من سبب سوى أن جبهة قائد الانقلاب مخترقة، فقد سقطت نظرية تماسك جبهة القوم، وهنا يكون من المناسب أن نغني معاً: ‘حبيبي يا أسمريكا’. مع أنه لا يوجد من بين القوم ‘أسمريكا’.. بسم الله ما شاء الله كلهم خواجات ومستشرقين!