كتب مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في القاهرة، ديفيد
كيركباتريك (DAVID KIRKPATRICK) تقريرا عن أحد أقوى الجنرالات المصريين في عهد السيسي مدير المخابرات العامة، محمد التهامي، بعد مرور عام على الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، يقول..
أن الرجل المسؤول عن اجتثاث الفساد الحكومي، الجنرال محمد فريد التهامي، واجه
وابلا من المزاعم والاتهامات العلنية بأنه غطى عمدا وتستر على سنوات من المحسوبية
والصفقات الشخصية. وعلى الفور، تحرك الرئيس محمد مرسي ضد الجنرال وفتح المدعي
العام وأعضاء النيابة تحقيقا عن فساد الجنرال، وهو الخبر الذي غطته أكثر الصحف، وبدا أن
حياته المهنية انتهت بفضيحة مدوية.
ويضيف كيركباتريك: ولكن الجنرال يعود اليوم أكثر قوة من أي وقت مضى. ذلك أن ربيبه
وصديقه، الجنرال عبد الفتاح السيسي، أطاح بالرئيس مرسي قبل نحو أربعة أشهر، وكان
أول تحرك تقريبا للحكومة الجديدة إعادة تأهيل الجنرال التهامى وتعيينه رئيسا
للمخابرات العامة، أحد أقوى الأجهزة في مصر. وينقل الكاتب عن دبلوماسيين غربيين
ومصريين مقربين من الحكومة، قولهم إن التهامى برز كأحد أكبر المحرضين على الحملة
القاتلة على الإسلاميين الرافضين للانقلاب وأنصار الرئيس مرسي، في محاولة لسحق
جماعة الإخوان. كما اختفت كل آثار اتهامات الفساد التي وُجهت له من قبل أحد محققي
النيابة العامة. "ماذا حدث لأدلة محققي النيابة العامة على فساده وعرقلته
لسير العدالة؟ تساءل "حسام بهجت"، وهو واحد من الحقوقيين القلة في مصر
الناقدين للجنرال التهامى في العلن. وأضاف: "لماذا عاد من التقاعد بقوة صبيحة
استيلاء الجيش على السلطة؟".
ويقول منتقدو التهامى إنه رجل مبارك الأساسي، الحارس المختار لنظام الفساد
والإفلات من العقاب. وعودته السريعة والصامتة، وفقا لنقاده، يشير إلى استعادة النظام
القديم للسيطرة بعد استيلاء الجيش على السلطة. ويتساءل "يزيد صايغ"،
الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "من بين جميع الأشخاص
المؤهلين في مصر، لماذا جُلب الجنرال التهامى، الذي تجاوز سن التقاعد وتحوم حوله
الشبهات؟ لماذا هو مطلوب على عجل إلى هذا الحد؟".
ويقول مسؤولون غربيون اجتمعوا مع الجنرال التهامى وغيره من كبار مسؤولي الحكومة
التي يقودها الجيش، حيث إنه ميز نفسه بسرعة كأكثر المدافعين عن الحملة القمعية
القاتلة تأثيرا. وكشف دبلوماسي غربي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته حول اجتماعاته
الخاصة مع التهامى، لكاتب التقرير، أنه "كان الأكثر تشددا وعدو الإصلاح
الأول"، وأضاف: "تحدث كما لو أن ثورة 2011 لم تحدث أبدا".
الجنرال السيسي ووزراء مدنيين حوله تعهدوا في البداية بمحاولة ضم أنصار المرسي
مرسي من الإسلاميين في العملية الديمقراطية الجديدة. ولأكثر من شهر، بدا أن
الجنرال سيسي كان ينظر في حجج نائب الرئيس السابق محمد البرادعي وقلة آخرين في
الحث على ضبط النفس وإجراء المصالحة مع الإسلاميين الذين كانوا قد نزلوا بعشرات
الآلاف في اعتصامات احتجاجا على الانقلاب. ولكن في غضون أيام من استيلاء الجيش على
الحكم، رفض الجنرال التهامى أي إدراج لجماعة الإخوان في العملية السياسية الجديدة.
"أعضاؤها إرهابيون يجب استبعادهم وسحقهم"، كما جادل الجنرال التهامى،
وفقا لمسؤولين غربيين التقوا به. وبحلول منتصف أغسطس، تغلب رأي الجنرال التهامى:
اقتحمت قوات الأمن الاعتصامات المناهضة للانقلاب، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من ألف
متظاهر في أكبر عمليات القتل الجماعي في التاريخ المصري الحديث. وقد اعتمدت جميع
الشبكات التلفزيونية المصرية الحكومية والخاصة المفردات نفسها التي اعتمدها
الجنرال التهامي: "مصر تحارب الإرهاب"، وقامت بتثبيتها على شاشاتها. واتهم
الإسلاميون الجنرال التهامى بالانتقام من الرئيس مرسي: "الانتقام حافز
قوي"، كما قال "وائل هدارة"، مستشار مرسي السابق، الذين يعيش الآن
في كندا. وجهاز التجسس المصري كان لا يثق بالرئيس مرسي، بخلاف ما كان عليه الوضع
أيام مبارك، وفقا لمصريين وغربيين اجتمعوا مع كبار مسؤولي المخابرات. في كانون
الثاني/ يونيو الماضي، دعا مسؤول كبير بالمخابرات علنا المصريين للانضمام إلى
مظاهرات تطالب بالإطاحة بالرئيس مرسي، ومنذ ذلك الحين ذكرت تقارير إخبارية ذات
مصداقية أن المخابرات تجسست على الرئيس مرسي لجمع المعلومات التي قد تُستخدم ضده،
ربما في محاكمة جنائية. في المقابل، كان للجنرال السيسي، الحاكم الفعلي الجديد في
مصر، علاقة طويلة مع الجنرال التهامى، إذ إنهما تدرجا معا من خلال صفوف المشاة
المصرية، حيث أصبح الجنرال التهامى (66 عاما) معلم ومرشد السيسي (58 عاما) وفقا
لمسؤولين مصريين وغربيين على معرفة بكلا الضابطين.
وكان الجنرال التهامى قد شغل منصب رئيس المخابرات الحربية، وساعد في اختيار
الجنرال السيسي خلفا له. وكان ذلك عندما تولى الجنرال التهامى سلطة الرقابة
الإدارية، وهي وكالة سرية يديرها الجيش المصري. وهي مزيج فريد من جهاز الأمن
الداخلي ومكتب التدقيق. ويقول المؤرخون إن الرئيس جمال عبد الناصر أنشأه في
السنوات التي تلت الانقلاب العسكري عام 1952، للحفاظ على التوسع البيروقراطي
المدني الأكبر للجيش. وعندما سلَم مبارك السلطة للجنرالات في عام 2011، قدم العقيد
فتحي، المحقق، ملفا مفصلا للنيابة العامة يتهم فيه الجنرال التهامى بالتواطؤ في
قضايا الفساد، كما قال العقيد في وقت لاحق. وأضاف: لكن القضية تم تحويلها بسرعة
إلى محكمة عسكرية واختفت. وبعد استيلاء الجنرالات على السلطة في آب/ أغسطس الماضي،
أعلن العقيد فتحي في مقابلة تلفزيونية أن الجنرال التهامي "هو أحد أسباب
الفساد الذي عانت منه مصر على مدى السنوات 30 الماضية". وأضاف: "كانت
مهمته حماية النظام السابق".
الفايننشال تايمز: الضحكة الأخيرة