لم يكن ينقص
اللبنانيين الذين اختبروا منذ الحرب الأهلية عام 1975 كل أشكال العنف والاقتتال والتفجيرات، الا دخول "الانتحاريين" على الخط، فعليهم اليوم التكيف مع واقع جديد وسط مخاوف من "عرقنة" لبنان في وقت فقدوا آخر خيط أمل كانوا يتعلقون به للبقاء في بلدهم.
فالتفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف السفارة الايرانية في بيروت الثلاثاء وأوقع 24 قتيلا و 147 جريحا، أفقد قسما كبيرا من اللبنانيين ثقته بدولته فسلم قدره لله، فيما قرر آخرون الهجرة وبشكل نهائي بعدما تحول البلد ساحة لتصفية الحسابات.
الصبيحة الاولى في بيروت بعد الانفجارين الانتحاريين لا تشبه سابقاتها، فعدد كبير من المحال التجارية أقفلت أبوابها حدادا أو تخوفا مما هو مقبل، أما حركة المارة فكانت خفيفة ومن خرج من منزله فلقضاء حاجات أساسية.
هيثم سقا (38 عاماً) سلّم قدره لله بعدما دخل الانتحاريون على خط التفجيرات، وقال:"لم يعد لدينا ثقة بالاجراءات الامنية التي تقيمها الدولة مهما بلغ حجمها لأنّها لم تعد مفيدة"، وأسف سقا عبر "الأناضول" من تحول الرسائل بين السياسيين إلى رسائل دموية، معتبرا ان الفكرة الانسب باتت الهجرة من هذا البلد.
وتحاول الأجهزة الأمنية اللبنانية ضبط الوضع الأمني منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في العام 2005 وما تلاه من عمليات اغتيال أخرى طالت شخصيات سياسية واعلامية لبنانية، والاشتباكات المتنقلة من مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في الـ2007 الى أحداث 7 أيار/ مايو في بيروت وصولا للمعارك المستمرة بشكل متقطع في طرابلس شمال لبنان.
وتوقع علاء الزين(28 عاماً) ان تتكرر الانفجارات طالما هناك صراع داخلي في لبنان، لافتا عبر وكالة "الأناضول"، الى انّه "حتى ولو تكثفت الاجراءات الامنية الا أنّها لن تقلل من الانفجارات". وأضاف الزين "ما يحصل اكبر من السياسيين انفسهم والدولة، والمطلوب ضبط الوضع على الحدود اللبنانية-السورية"، في اشارة الى تسلل مسلحين من سوريا الى لبنان على وقع الصراع الدموي الدائر هناك، أما سعد درويش (40 عاماً) فلم يعد لديه أمل بتحسن الوضع الأمني "مع انفجار هنا ومشكل أمني هناك"، وبدا مسلما للقدر، قائلا "هذا حال البلد"، واشتكى درويش عبر وكالة "الأناضول"، من شلل البلد وتدهور الوضع المعيشي، قائلا:"كل يوم يمر علينا أسوأ من الذي سبقه".
ويتخوف الكثير من اللبنانيين من إرسال أولادهم الى المدارس تحسبا من وقوع أي انفجارات أخرى قد يذهبون ضحيتها أثناء تنقلهم في شوارع بيروت، هبة شحادة (50 عاماً) زادها انفجار أمس خوفاً، هي تقول بحسرة: "أرسل أولادي الى المدرسة وأنا خائفة من ان يصيبهم اي مكروه حتى وانا امشي بالشارع اليوم لا ادري ما سيحدث لي"، واضافت لوكالة "الأناضول " لم نعد نستطيع التحمل، الخوف والرعب يلاحقاننا.. انا ولدت بالحرب وحتى اليوم لم يمر علينا أي يوم طبيعي"، أما هدى فرحات (35 عاماً) التي خرجت تشتري حاجيات أساسية لعائلتها في منطقة "مار الياس" في بيروت، فنعت الدولة اللبنانية، قائلة "العوض بسلامتك، فالدولة اللبنانية متوفاة". ولفتت فرحات الى ان "الانفجارات التي تقع لن تزيدنا الا بلاء وهم وحزن فأولادنا يعيشون في بلد خال من الأمان".
"حلم الهجرة" الذي يراود الكثير من الشبان اللبنانيين، لم يعد حكرا عليهم بل طال كبار السن الذين باتوا يفكرون بكيفية ترك البلد بصورة نهائية، الحاج رفيق عامر (70 عاماً) قال لـ"الأناضول" ان "الناس تفكر بالهجرة من لبنان، فلا احد يشعر بالشعب المسكين كل ما يهم السياسيين هو انفسهم فقط"، متسائلا: "كيف سيكون الوضع المعيشي في البلاد بعد الانفجارات اذا كان أصلا قبلها تحت الحضيض؟" وأضاف عامر متحسرا: "حتى الوضع في زنجبار(وهي منطقة يمنية فقيرة) أفضل من وضع الشعب اللبناني".
مخاوف اللبنانيين عكستها الرسوم الكاريكاتورية في الصحف الصادرة في بيروت صباح الأربعاء. ولعل الرسم الكاريكاتوري في جريدة "النهار" كان الاكثر تعبيرا، بتصويره الدخان المتصاعد من ساحة الانفجار على شكل شبح كُتب عليه "
شبح العرقنة"، باشارة الى المخاوف من تحول لبنان الى عراق ثان حيث التفجيرات الانتحارية المتنقلة التي تحصد ارواح الآلاف من الأبرياء.
في سياق متصل، شدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان، الأربعاء، على تكثيف الجهود والتحقيقات لكشف منفذي التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت، وأشار بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية إلى أن سليمان بحث مع مساعد وزير الخارجية الإيرانية لشؤون المنطقة العربية وأفريقيا، حسين أمير اللهيان، موضوع "التفجير الارهابي" و"المعطيات والمعلومات المتوافرة عن الجريمة".