عندما تأسست دولة
الإمارات في عام 1971 من إمارات متفرقة، كان الهدف من هذا
الاتحاد أن يقوم كيان يندمج مع بعضه البعض بحيث يصبح جسداً واحداً بعد سنوات من الصراع والضعف؛ عندما تذيب جهود التقارب وإزالة الحواجز أي معنى يبعد ولا يقرب بين أبناء الدولة الواحدة، فلا يعود هناك إمارات إنما هي دولة واحدة لها هدف واحد وسياسة واحدة واقتصاد واحد وتعليم وجيش وقضاء واحد وقيادة واحدة، وباختصار أن يتحول الاتحاد إلى كيان ينصهر فيه الجميع على أساس المصلحة العليا لهذا الوطن.
وتمر السنون ورغم أن البدايات كانت صعبة ولكن تيسرها الرغبة في أن يكون هناك كيان يجمع الرأي ويوحد الكلمة ويتقاسم الجميع فيه السراء والضراء والشدة والرخاء، فكانت السنوات الأولى والتي أُنجز فيها الكثير وأجلت أشياء أخرى لا تقل أهمية عن الأولى ولكن المصلحة كانت تقتضي أن نترك السفينة تسير بسلام لعل الأيام تصلح ما أفسده الدهر.
ولكن مع طول الزمن ومع ذهاب الأجيال الأولى قد يكون معنى الاتحاد الأول قد غاب عن بال البعض، بل قد يظن البعض أن هذا الاتحاد لم يكن له حاجة في يوم من الأيام - وإن لم يقلها باللفظ ولكنه يقولها بالفعل - وظن أن هذا الأمان وهذه الخيرات بجهده لوحده وبقوته وأنه لا يحتاج لمن يسنده، فصار كل واحد يغني على ليلاه؛ لأنه ينظر لمصلحته القريبة في إطار الفرقة القديمة تحكمه حدود واعتبارات يفترض أنه قد مسحها في يوم 2 ديسمبر 1971 عندما أصبح هذا الاتحاد هو الحضن الآمن لهذه الإمارات الضعيفة المتفرقة، فكان التحول من هذا الطريق الذي هو طريق الاتحاد الذي يحمل معاني القوة والمنعة وسد الثغرة والتعاون على الخير.
قد لا يدرك البعض هذه النعمة لأنه لم ير حال الفرقة والضعف التي كنا عليها من قبل، ولم يعش الفقر الذي عاشه الآباء قبل خروج نعمة النفط ولم يخالط الرجال أو حتى يقرأ بعضا من التاريخ القريب ؛ حتى يعرف كيف أن أبناء هذه المنطقة هم أحوج ما يكونون لهذا التقارب ليس فقط على صعيد الإمارات بل على مستوى الخليج والأمة العربية والإسلامية لأن الصديق واضح والعدو كذلك، ولا يحتاج منا إلى إعادة تعريف لذلك، ولكن الأمر يحتاج منا إلى وعي وسياسة حكيمة في التعامل مع الأمور ومعرفة البوصلة إلى أين تتجه.
نعيش اليوم ذكرى اليوم الوطني، يوم الاتحاد، فهل هو فعلاً ذلك الوطن الواحد كما حلمنا به جميعا حيث يتساوى أبناء الوطن دون النظر إلى إمارة أو قبيلة أو مكان إقامة، في وطن لا تستأثر الإمارة الغنية بالمقدرات دون الإمارات الأخرى لأن الوطن واحد في كل شئ في الأخذ والعطاء وفي الراحة وفي بذل الدماء، في دولة لا تمنعك الحدود التي وضعت قبل الاتحاد من الوصول لحق يستطيع الحصول عليه الأجنبي المقيم في تلك الإمارة، ولكن لا تحصل عليه أنت مع أنك إبن الاتحاد لأنك من أبناء الإمارة الأخرى.
ليست أيام لوم وعتاب إنما هي أيام استذكار النعمة، ومن حق النعمة التي نريد أن نشكر الله عليها أن نقوّم مسارها حتى لا نضل الطريق بعد حين ونبتعد عن الهدف المرسوم، بأن نكون أكثر قربا من بعض واندماجاً وانصهاراً ليس في محيط دولتنا بل من أمتنا، ونحافظ على هويتنا ونسارع في نجدة إخوتنا ونقيم العدل بيننا ونعطي الفقير حتى نسد حاجته ونغنيه ونفتح أبواب المشاركة في كل مؤسسات الوطن حتى تتطور ونرتقي، وأن نقيم الدولة على أساس ما كنا نريده كأمة وشعب وأن لا تكون رغبات أفراد وتوجهاتهم هي من توجه الطريق.
لذلك كانت التذكرة واجبة في هذا اليوم لأن من يسلك طريق لا بد أن يتأكد من صحة المسار بين فترة وأخرى، حتى لا يجد نفسه في مكان آخر بعد عدد من السنين الطوال فتضيع الأوقات والجهود بلا طائل، بل هو التناصح والتصحيح ولو جاء الخبر اليقين من صغير أو شخص غير مشهور، فالنصيحة غالية والحكمة ضالة المؤمن.