الثابت أنّ ما يفعله وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في هذه اللحظة، هو إيجاد أسباب لاستمرار دوران عجلة
المفاوضات، وملء خزان وقودها بأفكار جديدة. والسؤال الذي يحتاج إجابة، أشبه بطلب وضع "دائرة حول الجواب الصحيح"، باختيار إحدى أربع إجابات: أولا، "ستدور العجلة مكانها"؛ ثانيا، "ستسير ولكن من دون خريطة واضحة"؛ ثالثا، "ستسير جزءا من الطريق فقط"؛ ورابعا، "ستصل أو تحدد الهدف النهائي"
.يقول كيري صراحة إنّ ما يسعى إليه الآن ليس اتفاقا نهائيا، بل اتفاق "إطار". والفلسطينيون موافقون من حيث المبدأ على استمرار التفاوض، إذا تم التوصل إلى هذا الاتفاق. فقد قال صائب عريقات، المُعيّن لإدارة المفاوضات، يوم الأربعاء الماضي، إنّه لن يتم التوصل إلى اتفاق نهاية نيسان (أبريل) المقبل؛ الموعد المحدد سلفا للانتهاء من المفاوضات. ولكنه يؤمن أنّ التوصل لاتفاق إطار ممكن.
وعلى عكس تصريحات قديمة له بأنّه لا يوجد شيء للتفاوض عليه، بل هناك نقاط لتطبيقها، فإنه يقول الآن: "حال التوصل لاتفاق إطار، يحتاج بين هذا اليوم ويوم التوصل لاتفاق شامل على جميع القضايا الأساسية، من ستة إلى اثني عشر شهرا". بهذا المعنى، يمكن نظريا القول إنّ هناك سيناريو لاستمرار المفاوضات ستة عشر شهرا، ربما أقل أو أكثر، كأن يجري التوصل "لاتفاق إطار" في نهاية نيسان (أبريل) المقبل، ثم تبدأ مفاوضات التفاصيل. ولكن ما الذي يعنيه اتفاق الإطار؟ قد يعني أحد أمرين: الأول، الاستجابة حاليا لما كان يطالب به
الفلسطينيون عند بدء هذه المفاوضات؛ من تحديد خطوط عريضة للاتفاق، أي مرجعيته.
كالقول إنّه ستكون هناك دولة على كامل الأراضي المحتلة العام 1967، مع تبادل محدود للأراضي. وأنّ هذه الدولة ستكون من دون تواجد إسرائيلي.الأمر الثاني، أننا أمام اتفاق انتقالي جديد، يحدد بعض المرجعيات، ويترك الباقي للتفاوض.
وقد يتم استخدام الغموض المقصود في بعض الملفات، للسماح بالقول إنّه تم التوصل لاتفاق على المرجعيات، وبقية التفاصيل. من مثل القول إنّ الهدف دولة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، مع ترتيبات أمنية للإسرائيليين.وافق الفلسطينيون من حيث المبدأ على الاقتراح الأميركي، لا بشأن التوصل إلى اتفاق إطار فقط، ولكن أيضاً بشأن التواجد الإسرائيلي في الأغوار لسنوات.
فالفلسطينيون يوافقون على جدولة عمليات الانسحاب، على غرار ما حصل في الاتفاقيات مع مصر. والأميركيون إذ يقترحون ما لا يقل عن تواجد لعشر سنوات، فإنه يمكن التفاوض على المدد الزمنية، والتكنولوجيا التي ستضمن وتقدم معلومات للإسرائيليين مستقبلا بدل الجنود، وربما تواجد طرف ثالث في المنطقة. وبالتالي، يريد الأميركيون تسويق اتفاق انسحاب تدريجي، لسنوات تكون بمثابة اختبار؛ فإذا أوفى الفلسطينيون خلالها بالتزامات معينة، سيُستأنف الانسحاب، أي سيخضع كل شيء للتقييم (التفاوض) مجدداً، ولكن مع إقرار إسرائيلي نظري بأنه يجب أن يتم الانسحاب، إلا إذا حال الأمن دون ذلك.
ومن هنا، من غير المستبعد أن يتم في اتفاق الإطار الحديث عن مبدأ الانسحاب والتفاوض على الجداول الزمنية والترتيبات و"الاختبارات" الأمنية. على أنّ عدة أسئلة ما تزال تنتظر الإجابة. أولها، هل تستطيع وتجرؤ أي قيادة فلسطينية على التوصل لنص واضح بشأن اللاجئين؟ والسؤال الثاني، ماذا عن مسألة دخول البشر والبضائع للأراضي المحتلة العام 1967، خلال فترة "جدولة الانسحاب"؛ هل سيبقى الإسرائيليون هم من يقرر من يدخل ومن يخرج؟ أضف إلى ذلك موضوع القدس، وهدم الجدار، وفتح الطرق القديمة المغلقة من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، والحصار على غزة وتواصلها مع الضفة.يبدو أنّ كيري يريد الآن تفكيك كل العُقَد، باتفاقيات مؤقتة وتدريجية وإطاريّة.
وهو مصرّ على أن لا تدور عجلة المفاوضات مكانها، أو أن تسير بغير هُدى؛ بمعنى آخر، لقد حذف كيري إجابتين (ولكنه ليس حذفا رسميّا نهائيا)، وأبقى إجابتين مما ورد أعلاه (الثالثة، أي اتفاق انتقالي جديد؛ والرابعة، تحديد هدف نهائي لتحقيقه في السنوات المقبلة). وطبعاً، ربما لا يوافق الإسرائيليون على استمرار اللعبة، ويقلصون الإجابات المقترحة؛ وربما تتكاثر عمليات مثل تفجير الباص قبل يومين جنوب يافا (بيت يام)، فتخلط الأوراق.
(الغد 24ديسمبر2013)