إلى اليوم، وعلى ما تعرض له
حزب الله من هزات، تظل له اليد العليا أمنيا وعسكريا في
لبنان. ومنذ اللحظة الأولى لاغتيال رئيس الوزراء رفيق
الحريري، في العام 2005، كان واضحا أن الحزب قادر على ضبط المجرمين؛ خصوصا أن الجهاز الأمني السوري الرهيب، بقيادة رستم غزالة، يعمل تحت إمرته، وكذلك استخبارات الجيش اللبناني. وقد بدا ذلك واضحا في تفجير السفارة الإيرانية في بيروت مؤخراً؛ إذ انكشف المنفذون خلال أيام.
في المحكمة الدولية التي انطلقت أمس، بدا أن حزب الله ليس لديه القدرة على نفي الاتهامات الدامغة. وهو في هذه المرحلة لم يعد يمتلك الصورة الزاهية التي كان يتحلى بها وقت ارتكاب جريمة الاغتيال. ولذلك، قد يكون واردا أن يسلك مسلك القذافي في التعامل مع انفجار "لوكيربي"؛ الاعتذار والتعويض، ومعاقبة "الأفراد" الذين قد يكونون اختفوا من المشهد.
كان المسؤول الأمني الأساسي للحزب هو عماد مغنية. وعلى ما يبدو، فإن السوريين قد تخلصوا منه أو ساعدوا على التخلص منه لهذا السبب. والمسؤول الأمني السوري في المخابرات العسكرية السورية، جامع جامع، قُتل في ظروف مريبة في دير الزور. وفي ظل انخراط حزب الله في الحرب على الشعب السوري، فمن الممكن أن يعلن عن "استشهاد المطلوبين أثناء واجبهم الجهادي".
يزاحم حزب الله اليوم النظام السوري في "الحرب على الإرهاب"، والتصدي للتكفيريين والوهابيين. وعلى وقع الاتفاق الإيراني مع أميركا والغرب، يمكن أن يتحول أمين عام حزب الله إلى معمر قذافي جديد. فلولا ثورة الشعب الليبي، لشهدنا القذافي ضيفا على البيت الأبيض.
أمين عام حزب الله يجد اليوم حلفاء عز على القذافي أن يجدهم. فهو يقدم مع بشار الأسد باعتبارهما حماة الأقليات في المنطقة، والتي تتعرض للإبادة والتهجير من الأكثرية السنية (مع أن هوية اللاجئين والمهجرين تظهر العكس تماما).
لن تمتلك المحكمة القدرة على إحضار المتهمين ولو أدينوا. وتبقى أهمية المحكمة أخلاقية. وتستدعي منا محاكمة مواقفنا من حزب الله. فهل مقاومة
إسرائيل تعطي رخصة لارتكاب جرائم بحق الأبرياء؟ وبنفس المنطق حاربت "
القاعدة" الجيش الأميركي في احتلاله أفغانستان والعراق، وقدمت تضحيات تفوق كثيرا ما قدمه حزب الله، فهل مقاومة الاحتلال تعطي شرعية لـ"الإرهاب"؟!
حاول حزب الله إلى اليوم اتهام "القاعدة" باغتيال الحريري. إلا أنه لم يفلح في تقديم دليل واحد. لكنه قدم أدلة على قدرته اختراق "القاعدة" والتنظيمات الجهادية. فقد قيل في لائحة الاتهام أن الانتحاري أبلغ أن إياد علاوي، خصم "القاعدة" في العراق، كان ضيفا على الحريري.
لم تتعفف "القاعدة" عن إعلان مسؤوليتها عن أي عملية نفذتها، بما فيها تفجير عرس في عمان. ولو نفذت العملية لتفاخرت بها، وقدمت وصية المنفذ، لا المسكين أبو عدس الذي ثبت أنه ليس الانتحاري، لكنه قد يكون صفي لاحقا.
للتذكير، المسؤول العسكري والأمني لحزب الله عماد مغنية، كان مطلوبا بتهمة خطف طائرة كويتية مدنية، وقتل اثنين من ركابها، للإفراج عن المتهمين بمحاولة اغتيال أمير الكويت الراحل بسيارة مفخخة. وكان المتهم الرئيس فيها مصطفى بدر الدين (الذي حمل اسما مسيحيا مستعارا إلياس صعب).
من يحاول اغتيال أمير الكويت ويختطف طائرة الجابرية، ويقتل كويتيين مدنيين للضغط من أجل التزود بالوقود، هل يغتال الحريري؟ الأفضل اتهام إسرائيل في الحالين، لسبب بسيط، وهو أن تنظيم القاعدة لم يكن قد تأسس بعد!