لا جدال بأن جماعة "أنصار بيت المقدس" باتت نجما ساطعا في سماء
مصر، وأصبحت تشكل قلقا كبيرا لقادة الانقلاب العسكري منذ تدشين الانقلاب في 3 تموز/ يوليو 2013، والذي اتخذ من شعار "مصر تحارب الإرهاب"، نهجا وبرنامجا لتصفية الخصوم والمناوئين والناشطين السياسيين الرافضين للانقلاب، وفي سياق تبرير فشله بتفكيك شيفرة جماعة "أنصار بيت المقدس" قرر مجلس وزراء الانقلاب في 25 كانون أول/ ديسمبر 2013 تصنيف جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة "إرهابية"، دون الإشارة إلى "أنصار
بيت المقدس" كجماعة إرهابية التي لم تدخل التصنيف الذي يتحكم في تصوير وتمثيل الهويات الإرهابوية.
إلا أن ذلك لا يشير إلى خطأ أو غفلة أو سهو من قادة الانقلاب الذي يؤسس لمرحلة جديدة تقطع مع مسارات الديمقراطية وتدشن لنوع جديد من الفاشية المركبة، فالجهاز التأويلي الإعلامي والقانوني والدعوي للانقلاب قد تكفل بتوفير حلول لمعضلة جماعة "أنصار بيت المقدس"، فهي لا تعدو كونها أحد أذرع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس في غزة، بدليل تصريحات الدكتور محمد البلتاجى القيادى في حزب الحرية والعدالة التي أدلى بها عقب الانقلاب في 8 تموز/ يوليو 2013، بأن العمليات التى تحدث فى سيناء ستتوقف فى نفس اللحظة التى يعلن فيها عبد الفتاح السيسى تراجعه عن الانقلاب وعودة الرئيس الشرعي محمد مرسي.
يكشف عقل الانقلاب عن تلبسه بحالة نكران بسبب خيبة رهاناته على عنف الإسلام السياسي وممثله الأبرز جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك فهو لا يريد الاعتراف بأن سياساته سوف تعود بالفائدة على الإسلام الجهادي وممثله الأبرز تنظيم القاعدة، وبما أن الانقلاب العسكري ماض في فرض سيناريوهات "الحرب على الإرهاب" وعازم على تثبيت الانقضاض على السلطة وإعادة بناء الدولة العسكرية البوليسية، فقد بدأت القاعدة بتثبيت أقدامها من خلال جماعات سلفية جهادية محلية، ومن أبرزها جماعة "أنصار بيت المقدس"، الأمر الذي يعد تطبيقا لاستراتيجية القاعدة الجديدة التي ترتكز على "اندماج الأبعاد" محليا وعالميا، فعلى الرغم من عدم وجود روابط تنظيمية بين أنصار بيت المقدس والقاعدة حتى الآن إلا أن المستقبل يؤشر على اندماجها على المدى القريب والمتوسط.
تنظيم القاعدة كان أكثر القوى سعادة بالانقلاب العسكري، فقد قدم الانقلاب برهانا ساطعا بعدم جدوى الدخول في اللعبة الديمقراطية وصواب إيديولوجيا القاعدة العنيفة في التغيير، فقد أكد التنظيم منذ البداية على لسان زعيمه أيمن الظواهري وبقية منظريه أمثال أنور العولقي وأبو يحيى الليبي على كون ربيع الديمقراطية سيكون قصيرا نظرا لصلابة الدولة العميقة ورسوخ التبعية وقوة الثورة المضادة التي سوف تتحالف دوليا وإقليميا لمنع تمكيين الإسلاميين من السلطة لخصه الظواهري بعنوان "صنم العجوة الديمقراطي" الذي ستأكله العلمانية الصلبة داخليا وخارجيا إذا جاء على غير أهوائها، وبعد عامين من ربيع لم يكتمل تم قطع مسارات سلمية الثورات وعسكرتها لاحقا كما حصل في ليبيا وسوريا واليمن بطرائق مختلفة، ودخلت مصر نفق الانقلابات العسكرية وميدان السلفية الجهادية.
فعلى الرغم من أن زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري مصري، إلا أن تنظيم القاعدة فشل في تأسيس فرع له في مصر رغم محاولاته الحثيثة، ومن أبرزها الإعلان عن تأسيس "القاعدة في أرض الكنانة" عام 2006 بزعامة محمد الحكايمة الذي قتل بعد عامين في باكستان.
أبرز الجماعات الجهادية المصرية الجديدة تنتمي إلى فضاء السلفية الجهادية دون الارتباط المباشر بتنظيم القاعدة تتواجد في سيناء، فقد قدمت الجغرافيا والديمغرافيا بيئة مثالية حاضة للنمو والتطور، فضلا عن سياسات التهميش والاهمال التي مارستها الدولة المصرية منذ أكثر من أربعة عقود، فقد شهدت سيناء في عهد مبارك ثلاث هجمات ضخمة، استهدفت مواقع سياحية في منتجعات طابا تشرين الأول/ أكتوبر 2004 ، وشرم الشيخ في 23 يوليو/تموز 2005، ودهب في نيسان/إبريل 2006، وقد اعلنت "جماعة التوحيد والجهاد" عن مسؤوليتها عن الهجومين الأول والثالث، كما أعلن "تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة- كتائب الشهيد عبد الله عزام" عن مسؤوليته عن الهجوم الثاني.
تعد جماعة "أنصار بيت المقدس" من أبرز الجماعات الجهادية في سيناء وهي تنتمي إلى "مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس" الذي تشكل من ائتلاف مجموعة من الحركات الجهادية عقب ثورة 25 يناير 2011، وقد استتهدفت إسرائيل خمسة من عناصرها بطائرة بدون طيار في 10آب/أغسطس 2013، لكن عسكر الانقلاب أصر على أنها قامت بالعملية بطائرة أباتشي، وبحسب ديفيد شينكر يشير ذلك الهجوم الإسرائيلي إلى وجود تعاون أمني واستخباراتي وثيق للغاية بين جيش الدفاع الإسرائيلي والجيش المصري، ولا يأتي هذا التعاون كمفاجأة كبيرة، فكلا الجانبين يقول بصورة غير علنية إن التعاون العسكري المتبادل لم يكن قط أفضل مما هو عليه الآن. فهناك ثقة كبيرة جداً بين الطرفين لدرجة أن إسرائيل سمحت لمصر بنشر كتيبتي مشاة إضافيتين في سيناء لمواجهة التهديد الإرهابي.
ظهرت جماعة "أنصار بيت المقدس" إلى العلن في 5 شباط/فبراير 2011 مع أول عملية لها بتفجير خطوط الغاز في سيناء ، وقد قامت باستهداف الخطوط 14مرة منذ الإعلان حتى لآن، وقد تنامت الجماعة بشكل لافت وأظهرت قدرتها على التكيّف والتطور وتنفيذ عمليات مركبة ومعقدة، فمنذ الانقلاب في 3 تموز/ يوليو 2013 تمكنت الجماعة من تنفيذ أكثر من (300) هجوما مسلحا على أهداف مختلفة وبأساليب متنوعة.
ومن أبرز العمليات التي تبنتها الجماعة وأعلنت عن مسؤوليتها عن تنفيذها داخل مصر:
محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري في 5 سبتمبر/أيلول عام 2013، التي أسفرت عن إصابات عديدة بينها عدد من أفراد الشرطة، وقتل 25 من مجندي الأمن المركزي في كمين نصبه لهم أفراد الجماعة في 19 أغسطس/آب 2013، والهجوم بسيارة مفخخة على مديرية أمن جنوب سيناء في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، وتفجير مبنى المخابرات العسكرية في الإسماعيلية في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، وتبنت الجماعة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني المسؤولية عن مقتل المقدم محمد مبروك، الذي كان مسؤولا عن ملف الإخوان المسلمين في جهاز الأمن الوطني، كما أعلنت مسؤوليتها عن إسقاط مروحية للجيش المصري في شمال سيناء، ما أدى إلى مقتل أفراد طاقمها في 25 كانون ثاني/يناير, 2014، كما تبنت الجماعةاستهداف منتجع إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر بصواريخ مرات عديده كان أخرها يوم السبت الماضي.
يبدو أن حالة الثقة المتبادلة بين إسرائيل وقادة الانقلاب العسكري لا يمكن أن تأتي بالحل في سيناء، فقد تحولت المنطقة منذ زمن بعيد بفعل سياسات الدولة إلى منطقة رخوة تتقاطع فيها الحركات الجهادية وشبكات التهريب والجريمة المنظمة برعاية الدولة العميقة المتورطة في ديمومة الوضع للاستثمار في اقتصاديات "الإرهاب"، وعلى المدى المنظور فإن الجماعات الجهادية التي قصرت أعمالها منذ ثورة 25يناير على استهداف إسرائيل وتواجه الآن بعمليات مزدوجة مصرية وإسرائيلية تعمل على توسيع عملياتها داخل مصر، وسوف تأتي عمليات استهدافها عقب الانقلاب بفوائد حيوية إيجابية في تجنيد أعضاء جدد للسلفية الجهادية ليس في سيناء وحدها وإنما في أماكن عديدة من مصر.
جماعة "أنصار بيت المقدس" باتت نجما ساطعا في مصر بفعل السياسات الانقلابية الفاشلة، وهي تشهد تطورا في تكتيكاتها القتالية، وصلابة في بنيتها التنظيمة، وانتشارا في نطاق عملياتها جغرافيا، وتزايدا مطردا في قاعدة تجنيد أعضاها، ووضوجا في أطروحاتها الإيديولوجية السلفية الجهادية، الأمر الذي يشير إلى غياب الاستقرار في مصر في عهد السيسي، ودخول مصر في أفق العجز وصولا إلى الفشل، وهي الوصفة التي طالما كانت حليفة لتنظيم القاعدة في ظل منظومة الفساد والاستبداد.