قال محمد
محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية السابق، وعميد كلية الحقوق، إنه واجه معارضة شديدة من
الدولة العميقة خلال تكوينه لجنة لاسترداد أموال
مصر المنهوبة، خاصة من مستشاري وزارة العدل المهيمنين على التشريع، والنيابة العامة والأجهزة المختصة بمكافحة غسيل الأموال.
وقال محسوب في تدوينة له الأحد على فيس بوك: "اليوم ذكرى إنشاء المجموعة المصرية الشعبية لاسترداد ثروة الشعب المصري المنهوبة 8 فبراير 2011، بميدان التحرير يوم مليونية الرحيل، ضمت المجموعة عقولا وقلوبا مصرية من أقصى اليمين لأقصى اليسار، الدكتور سمير الشرقاوي والدكتور حسام عيسى والدكتور جمال جبريل والأستاذ عصام سلطان، والدكتور سليم العوا والدكتور خالد محمد ومحمد محسوب، وشرفت بأن أعمل أمينا عاما للمجموعة، ثم التحق بها آخرون كثر.."
وأضاف "لم يكن استرداد ثروتنا المنهوبة ضمن أهداف
الثورة، فطرحناها بالتحرير وفي الإعلام حتى أصبحت ضمن أهداف الثورة، بعدما وعى الناس حجم الأموال المهربة من مصر، التي جاوزت 220 مليار دولار عبر عقدين من الزمان..حاربنا لتشكيل لجنة رسمية تعمل على استرداد تلك الأموال.. فمجموعتنا شعبية ثورية لا رسمية ولا تملك سلطة إنما اعتمدت على توعية الشعب بالقضية.."
دور المجلس العسكري عقب 25 يناير في تعطيل استعادة الثروات المنهوبة
وأشار محسوب إلى دور المجلس العسكري، المتولي زمام الحكم عقب ثورة 25 يناير، في وضع العوائق أمام تشكيل لجنة لاسترداد أموال مصر، من خلال تشكيل لجنة يشرف هو على اختيار أعضائها وأغلبهم من القضاء.
فقال محسوب: "شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لجنة رسمية من القضاة، يرأسها رئيس الكسب غير المشروع.. فرفضناها لأنها غير مؤهلة وغير قادرة على القيام بهذه المهمة.. فالمسألة ليست مسألة قضائية إنما سياسية ودبلوماسية وشعبية.. تواصلنا مع كل السلطات لنشرح وجهة نظرنا.. لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصر على لجنته القضائية.."
وأردف "جمعنا المعلومات وعملنا الدراسات، ونشرناها لمزيد من توعية الناس.. وسافر كثير منا على نفقته لشرح القضية للرأي العام بالخارج، للضغط على حكوماتهم.."
وأضاف "جهودنا الشعبية أسفرت عن قيام سويسرا بتجميد قريبا من المليار دولار لا يطالب الانقلاب باستردادها.. كما شكلنا ضغطا على الحكومة الانجليزية والاتحاد الأوربي حتى أصبحت القضية ضمن أجنداتهم التي يجهزون فيها الردود والتبريرات.."
وقال:"لكن اللجنة القضائية بقيت عائقا أمام استرداد المال المهرب.. فلم تكن تفعل سوى السفر على نفقة الدولة وطلب التعاون وعمليات التدريب من الأوربيين لتعليم شباب القضاء كيف يُسترد المال المهرب..صرخنا في وجهوهم.. كيف يساعد السارق الضحية على استرداد المال المسروق؟؟ لكن الكبر جعل الآذان مغلقة والقلوب في غلف.."
محاولات جديدة مع عهد جديد
وقال محسوب:"مع انتخاب أول رئيس منتخب.. زاد أملنا في استجابة الدولة للقيام بالمهمة التي نعرف كيف أنها صعبة.. فأصعب شئ على نفوس المؤسسات المالية الغربية أن ترد مليما إلى ضحية.. لكن الإصرار كفيل بتحقيق الأمل..قبلت العمل في وزارة د. قنديل بغرض تنظيم هذا الملف.. وكنت واضحا في أن قبولي للوزارة لإدارة هذا الملف... "
ويوضح محسوب بعض من الجهود التي بذلت لتكوين لجنة جديدة فقال "قدمت ملفا بلغ 300 ورقة اقترحت فيه تشكيل لجنة جديدة سياسية قضائية دبلوماسية شعبية تقودها شخصية عامة.. اقترحت لها المستشار محمد أمين المهدي على أن يكون نائبه الدكتور حسام عيسى.. بحيث لا يكون رئيسا للجنة أي شخصية حكومية أيا كان قدره.. على أن يكون بعضوية اللجنة كافة الجهات الحكومية التي تتصل بعملية استرداد الأموال المهربة.. وأن تصدر اللجنة تقريرا شهريا للشعب ويُرفع للرئيس تشرح فيها ما قامت به وما أنجزته وعوائق عملها.."
الدولة العميقة ومحاولات الإفشال
قوبل محسوب ورفاقه، بمعارضة شرسة من قبل الدولة العميقة بأذرعها الممتدة في كل مؤسسات الدولة، لمنعهم من محاولات إسترداد
الأموال المنهوبة، أواتخاذ إجراءات حازمة في سبيل ذلك.
فيقول محسوب: "لم أكن أتصور حجم المعارضة التي واجهتها من الدولة العميقة.. على رأسها مستشارو وزارة العدل المهيمنين على التشريع.. والنيابة العامة والأجهزة المختصة بمكافحة غسيل الأموال وغيرها.."
وأضاف"رفضت اللجنة القضائية أن تسلم أي مستندات بيدها.. ورُفض أن يَعمل أي قاضٍ مع لجنة تقودها شخصية عامة ولا يهيمن عليها القضاة بدعوى عجيبة غريبة.. وهي أن القاضي لا يعمل تحت رئاسة غير قاضٍ.. (وكأن آلاف القضاة لا يعملون بلجان وزارية يرأسها وزراء وإداريون..!!)"
وأردف "ظل الملف ينتقل من يد الحكومة إلى الرئاسة ومن القضاء إلى الحكومة دون توقف.. وفي كل مرة أُدعى لشرح وجهة نظري..وصلت لقناعة أنه لا يمكن استرداد قرش واحد من أموال مصر المهربة والمنهوبة إلا بإجراء إصلاح جراحي لمؤسسات الدولة التي تتصل بهذا الملف.. إذ كان واضحا أنها تعيق التقدم فيها لأسباب كثيرة.."
واستأنف "فاقترحت مجموعة من التشريعات الإصلاحية.. وفي الدستور اقترحت أن ينص على إنشاء مفوضية عليا لمكافحة الفساد تكون مسئولة أمام البرلمان وتهيمن على كافة أجهزة مكافحة الفساد وعلى عملية استرداد المال (تم إلغاء هذا النص في دستور الانقلاب).."
وقال"وبعد إقرار الدستور.. أعلنت أن الحكومة عليها أن تستقيل.. وأن يجري تشكيل حكومة أخرى تشمل قوى وطنية مختلفة لتكون قادرة على مواجهة الدولة العميقة التي رأيت تربصها وتغولها واستعدادها للدخول في معارك قاسية للدفاع عن مصالح النظام القديم وعلى رأسها عدم كشف شبكة الفساد أو حجم المال المهرب.. لأن ذلك سيكشف ببساطة الأدوات والشخصيات والمؤسسات التي ساهمت في التهريب وحجبت المعلومات.."
وقال"يبدو أن كثيرين لم يكونوا على قناعة بأنهم في مواجهة دولة كاملة تحاربهم.. فلم تؤخذ اقتراحاتي بجدية معقولة.. فظلت نفس اللجنة القضائية التي أنشأها المجلس العسكري قائمة لم يمسسها أحد.. تمسك بالملف وترفض أن يقترب منه أحد.."
وأضاف "وإذ لم أجد عزما على مواجهة الدولة العميقة التي ترفض أي إصلاح أو أي تغيير.. ولم أجد نية لحل هذه اللجنة القضائية وإنشاء غيرها يمكن أن تكون أكثر فاعلية ويمكن مراقبتها شعبيا وبرلمانيا.. وكان المبرر الذي يُقدم لي أنه بعد انتخاب البرلمان يمكن أن يصدر تشريع ينظم ذلك.. وكنت قلقا أن لا نصل أبدا لهذه الانتخابات.."
وأردف قائلا "وفي 27 ديسمبر 2012 (بعد أربعة أشهر ونصف تقريبا من قبولي الوزارة) علمت أن نفس الحكومة مستمرة مع تعديل في بعض أشخاصها بنفس الأداء الذي يميل إلى محاولة التصالح مع الدولة العميقة لا مواجهتها.. ومحاولة إصلاحها اعتمادا على حسن النوايا والمراهنة على الزمن.. لا إجراء جراحة ناجعة لها.."
المصادمة لا المهادنة
وفي محاولة منه للإنجاز وتحقيق أهداف الثورة في استرجاع أموال الشعب، لجأ محسوب إلى اتخاذ أسلوب آخر فيقول: "وإذ شعرت أن وجودي خارج الحكومة خير من وجودي داخلها.. حيث تُعتبر آرائي وكأنها قادمة من الفضاء أو وكأنها تميل إلى المصادمة لا إلى المهادنة.. فرفضت الحكومة ما اقترحته من قانون لحماية أهداف الثورة أو إنشاء نظام لمحامي عام الشعب للإفلات من دائرة القضاء الذي تهيمن عليه الدولة العميقة.. أو إصدار قانون يوجب على الدولة استرداد الأموال المهربة وينهي عمل اللجنة القضائية ويُنشئ واحدة جديدة أكثر شفافية وأكثر مرونة وأكثر ثورية..قدمت استقالتي.."
وقال"ومع ذلك لم أتوقف عن تقديم اقتراحاتي بشأن إصلاح السلطة القضائية وإصدار قانون استرداد الأموال.. واستمر النقاش المتأني (!!) فيهما بمجلس الشورى حتى داهمه الانقلاب.. وكأننا كنا نحتاج هذا الانقلاب ليتعلم الجميع أن الثورة تعني تغييرا شاملا لشرايين الدولة حتى يمكن أن تتدفق عبرها دماء جديدة.. لا محاولة التفاهم مع من انسدت شريانهم.."
وأضاف "وكان غريبا أن نجد ممانعة ومعارضة أيضا من ثوريين.. عارضوا إصلاح القضاء لمجرد أن الاقتراح محمول من فصيل يختلفون معه..وأنا شخصيا أفادني الانقلاب للتعرف أكثر على شخصيات وثقت فيها وفي رؤاها فإذا بها اليوم في صف الانقلاب.. غير منشغلة بشواغل الثورة.."
وأردف "ولاتزال اللجنة القضائية الرسمية التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة قائمة.. لا تسترد شيئا ولا تفعل شيئا .. سوى تنفيذ ما تمناه المجلس العسكري من إنشائها.. وهو منع فتح ملف استرداد أموالنا التي تقبع في بنوك غربية أو خليجية..
واختتم محسوب قائلا "لكن هذا الملف لن يُغلق.. فالأموال المهربة لا تسقط المطالبة بها بالتقادم.. لكن قناعتي التي خرجت بها.. أن انتصارا تاما للثورة هو شرط ضروري لاسترداد الثروة.."