يبدي تتار القرم الذين تجمعوا في مسجد بخشسراي الكبير بشكل صريح قلقهم لفكرة عودة منطقتهم إلى فلك روسيا لكن ذلك "سيكون أقل فظاعة من نشوب حرب" على حد قول أحدهم.
وقال أختم تشويغوز المتحدث باسمهم في بخشسراي التي كانت فيما مضى عاصمة لدولة خانات القرم التترية القوية، إن الاستفتاء المقرر تنظيمه في 16 آذار/ مارس حول انضمام هذه الجمهورية الأوكرانية التي تتمتع بحكم ذاتي إلى روسيا بأنه "غير مشروع".
وبعد الصلاة مباشرة دعا تشويغوز في داخل هذا المسجد الذي يعود تاريخ بنائه إلى العام 1532، المصلين الحاضرين المقدر عددهم بنحو مئة إلى الحفاظ على هدوئهم وعدم "الرضوخ للاستفزازات".
وقال الإمام الشاب المعروف باسم "صبري بيه" قبل أن يغادر مسرعا إلى اجتماع، "أننا مع السلام، نقطة على السطر".
وأكد ديلافر "لا يوجد خطب متطرفة في طائفتنا". واعتبر هذا الرجل البالغ 33 عاما "أن الخطر الحقيقي الوحيد هو روسيا حيث لا يوجد حرية تعبير".
واستطرد اسكندر وهو مسن يبدو أنه يحظى بالاحترام وكلمته مسموعة "لن نشارك في الاستفتاء، أنه ينظم من قبل الانفصاليين الروس".
لكنه اعتبر أن الحاق القرم بروسيا "سيكون دوما أقل فظاعة من نشوب حرب". ووصف أيضا بـ"الشائعات" المعلومات التي تشير إلى رحيل جماعي للتتار بسبب الخوف إلى خارج هذه المنطقة التي ضمت إلى الامبراطورية الروسية في 1783، ثم إلى أوكرانيا في 1954 وعادت اليوم بحكم الأمر الواقع إلى السيطرة الروسية.
علما بأن التتار يمثلون ما بين 12 الى 15 % من التعداد السكاني لهذه المنطقة أي ما يقارب المليوني نسمة.
وأكد رستم محمدوف الذي تم ترحيل جده على غرار كل أفراد هذه الإتنية السنية الناطقة بالتركية في 1944 وتوفي في القطار الذي كان يقله إلى آسيا الوسطى، "إنه وطني، إن اجدادي ولدوا هنا. لن نرحل حتى وإن قتلونا".
وهو نفسه لم يعد من أوزبكستان إلا في سن الثامنة والأربعين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991. ورأت استريد ثورس المفوض الأعلى لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا المكلف شؤون الأقليات، أن أعمال العنف بين المجموعات التي تتعايش في القرم ليست مستبعدة.
وقالت "إن العلاقات بين المجموعات الإتنية في شبه الجزيرة تتميز بمناخ متنام من الخوف"، معبرة عن "قلقها من مخاطر نشوب نزاع عنيف".
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس في سيمفروبول العاصمة على بعد 30 كلم إلى شمال بخشسراي حذر من جهته نريمان جلالوف نائب رئيس المجلس الهيئة المنتخبة التي تمثل التتار في القرم من أن الروس قد "يتصرفون كمنتصرين تجاهنا".
ويريد معظم التتار الذين تم استطلاعهم أن تبقى منطقتهم ضمن حدود أوكرانيا ويحدوهم الأمل في أن تدخل يوما إلى الاتحاد الأوروبي. أما الروس في القرم فغالبا ما يكررون أن علاقاتهم طيبة معهم.
وقال فلاديمير وهو ضابط سابق وعضو في مجموعات الدفاع الذاتي الشهيرة المؤيدة لانضمام القرم إلى روسيا "أننا اصدقاء مع التتار، إنهم أشقاؤنا".
وأمام مقر الحكومة يقف عناصر بدون سلاح، يحمل بعضهم شعارات كتب عليها "روسيا"، يتولون حراسته، وتمر متقاعدة روسية تغطي شعرها بمنديل أبيض والخوف باد على محياها.
وقد روي لها أن التتار ينوون إنزال تمثال لينين المنتصب في المكان. وتطالب بـ"منع ذلك" بكل الوسائل، لكنها أصرت على عدم كشف اسمها "وإلا سيقتلونني" كما قالت.
وقد وصل الإسلام إلى القرم عن طريق التتار، وذلك في عهد القبيلة الذهبية، وهي أول قبائل المغول في اعتناق الإسلام، ويعتبر بركة خان أول من أسلم من أمراء المغول، وذلك عام 650هـ.
وظهرت الدولة العثمانية كقوة عظمى في الجنوب، ولمّا أصاب الدولة العثمانية الضعف في الجهة الشمالية، تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198هـ - 1783م، بعد أن قتلوا 350 ألف من مسلمي القرم.
وسيطر الروس الشيوعيون على بلاد القرم بعد الألمان، فلجأوا إلى حرب التجويع، فجمعوا الطعام والأقوات من البلاد، ليموت
المسلمون جوعا، وكان معدل موت المسلمين 300 إنسان يوميا.
وفي عام 1928م أراد ستالين إنشاء كيان يهودي في القرم، فثار عليه التتار المسلمون بقيادة أئمة المساجد والمثقفين فأعدم 3500 منهم، وجميع أعضاء الحكومة المحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية ولي إبراهيم، وقام عام 1929م بنفي أكثر من 40 ألف تتري إلى منطقة سفر دلوفسك في سيبيريا، كما أودت مجاعة أصابت القرم عام 1931م بحوالي 60 ألف شخص.
هبط عدد التتار من تسعة ملايين نسمة تقريبا عام 1883م إلى نحو 850 ألف نسمة عام 1941م وذلك بسبب سياسات التهجير والقتل والطرد التي اتبعتها الحكومات الروسية سواءً على عهود القياصرة أو خلفائهم البلاشفة، وتكفل ستالين بتجنيد حوالي 60 ألف تتري في ذلك العام لمحاربة ألمانيا النازية.
في الحرب العالمية الثانية، قرر المسلمن الاستسلام للألمان انتقاما من الروس، فما إن علم الألمان أن المستسلمين من التتار المسلمين حتى نزعوا منهم السلاح وساقوهم حفاة 150 كيلو مترا سيرا على الأقدام ودون طعام، وبدأ المسلمون يموتون جوعا، وبدأ الأحياء يأكلون لحم الأموات، فلما أدرك الألمان ذلك أخرجوهم من السجن وأبادوهم رميا بالرصاص.
وهزمت ألمانيا في الحرب، وعاد الشيوعيون إلى القرم، واتهم الروس التتار أنهم من أعوان الألمان، فدخل الشيوعيون العاصمة (باغجه- سراي)، ودكوا المساجد الأثرية، فكان مجموع ما هدمه السوفييت 1558 مسجدا في شبه جزيرة القرم.
وقتل من التتار ربع مليون مسلم. وأرغموا أهلها على الهجرة الإجبارية إلى سيبيريا وآسيا الوسطى، ولم يبق من خمسة ملايين مسلم من تتار القرم غير نصف مليون .
وعندما أعلنت أوكرانيا استقلالها رسميًّا عن الاتحاد السوفييتي في كانون ثاني/ ديسمبر من عام 1991م، أعطت شبه جزيرة القرم حكمًا ذاتيًّا ضمن أوكرانيا وذلك في يونيو 1992م. وعقد تتار القرم مؤتمرهم الأول في مدينة سيمفروبل عاصمة الإقليم وذلك في حزيران/ يونيو من العام نفسه، وأسسوا المجلس الأعلى لتتار القرم كممثل للشعب التتري المسلم.
ووفقًا للإحصائيات الأوكرانية لعام 2001م، بلغ عدد سكان القرم 2،033،700 نسمة. وتتكون التركيبة السكانية من عده مجموعات عرقية: روس: 58.32%، أوكرانيون: 24.32%، تتار القرم: 12.1%; بيلاروس: 1.44%، تتار: 0.54%، أرمن: 0.43%، يهود: 0.22%، يونانيون: 0.15% وآخرون.