الشارع
الخليجي لم يفق بعد من صدمة قيام الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين بسحب سفرائهم من قطر، فالحديث في كل الأروقة السياسية والملتقيات العامة، خاصة أن مجلس "التعاون" الخليجي يفترض أنه سيحتفل في مايو المقبل بالذكرى الـ 34 على إنشائه، ولكن يظهر أن احتفالية هذا العام مختلفة، فلن تجد صحفا تبشر بمشاريع وإنجازات تحققت، ولن تواصل شبكات التلفزة الحديث واستضافة الشخصيات الخليجية للحديث عن هذا الكيان، الذي بات التشاؤم يسيطر على أبنائه خوفا على مستقبله، بعد خطوة الأشقاء بسحب سفرائهم من دولة شقيقة ومؤسسة لهذا الكيان، ليس من أجل مصلحة خليجية، إنما من أجل "عيون" قضايا تخص أطرافا خارج مجلس التعاون، فهل بات المجلس "يضحي" بأبنائه من أجل تلك الأطراف ؟! .
مجلس التعاون الخليجي الذي كان يمثل "بصيص" أمل في عالم عربي مشتت ومشرذم، يظهر أن الدور جاء عليه، بعد أن صمد في ظروف قاسية، وعواصف شديدة مرت على المنطقة، تحمل أعضاؤه تلك الشدائد، ولكن اليوم لمجرد اختلاف في وجهات النظر حيال قضايا خارج الإقليم لم يصمد، ولم يقبل أعضاؤه قبول الاختلاف في وجهات النظر، ولو كانت حيال ملفات لا تخص المجلس.
المشكلة الرئيسية باعتقادي تكمن في غياب
المكاشفة والمصارحة بين القيادات السياسية أولا ثم مع الشعوب الخليجية، وربما قضية السفراء خير شاهد على ذلك، فالدول الشقيقة الثلاث التي أقدمت على خطوة السحب، كل الذي فعلته أنها أصدرت بيانا "هلاميا" فيه "التعميم" دون التحديد، وفيه "ادعاءات" دون وقائع حقيقية، فلماذا لم يعقد وزراء خارجية هذه الدول الثلاث مؤتمرا صحفيا عاما يدعون فيه كل وسائل الإعلام الخليجية لطرح كل ما لديهم من "تهم" و "ادعاءات" تجاه قطر؟ لماذا فضلوا ترك الأمور "عائمة" ولم يتحدثوا بـ "شفافية" و"مكاشفة" حقيقية؟
طالما يمتلكون " الأدلة " كما يقولون على تدخلات قطرية في مسائل خليجية، وشؤون دول مجلس التعاون، لماذا " عجزوا " عن مواجهة الرأي العام الخليجي لإطلاعه على كل "الحقائق" إن كانت "حقائق" كما يدّعون؟ هل عجز وزراء خارجية الدول الشقيقة عن مواجهة هذه القضية أم أن "الأمر كله قد بيّت بليل دامس"، ورتب لاستهداف دول شقيقة؟!
وللأسف فإن هناك من "يطبل" للاستمرار بسياسة "القرارات الغامضة"، وترديد ما يأتيه من تعليمات دون القدرة على رفضها، بل ترديدها تماما كما "الببغاوات"، دون تفكير بعقلانية، إنما همهم التفكير بما سيدخل إلى "حسابهم" من تحويل مالي، وأراض تجارية، واستثمارات متعددة، ولو كان ذلك على حساب "تجهيل" الرأي العام .
قرأت كثيرا خلال الأيام الثلاثة الماضية كتابات لمطبلين من رؤساء تحرير وزملاء صحفيين ـ للأسف الشديد ـ وإعلاميين يفترض أنهم "مهنيون" إلا أن المهنية والعقلانية قد غابت، أو غيبت "بفعل فاعل"، وباتوا يكيلون لدولة قطر تهما أقل ما يقال عنها إنها "فارغة"، يتحدثون بالعموم، وعندما تقول لهم قدموا شواهد وأدلة على ذلك، يستشهدون بقصاصات صحفية، وليتها من صحف محترمة، بل من صحف "صفراء" تقتات على "الموائد".
قرأت بالأمس مقالا لرئيس تحرير صحيفة خليجية، يهاجم فيه قطر، ويكيل لها تهما، ويفتري عليها بادعاء أحداث هي بعيدة عنها كل البعد، ولم يتوقف أبدا عند شيء اسمه "دليل" أو "مستند" ولا أعتقد أن هذا الزميل يعرف مثل هذه المستندات، لأن صحيفته قائمة أصلا على "الفبركات"، ومعظم موادها مصدرها "تمويل"، ومعروف على المستوى العربي، وليس الخليجي فحسب أنه أكبر "قباض" للمال من قبل الرؤساء والقيادات، وبالمناسبة جاء إلى قطر قبل نحو ثلاث سنوات "يطر" تحت "عباءة" الاستثمار، وأنه يرغب بدخول السوق القطري، وعندما لم يجد استجابة لرغباته بمنحه أموالا أو أراضيَ ليبني فيها فنادق ومنتجعات بتمويل مجاني من قطر، عاد إلى بلده الشقيق بخفي حنين.
هو نفسه يحصل على مخصصات مالية من دول خليجية، ولديه فنادق ومنتجعات في مجلس التعاون وفي المغرب بفضل "المتاجرة" بالصحيفة التي يمتلكها، وبالمناسبة لا يستطيع أن يكتب كلمة انتقاد واحدة عن الشقيقة السعودية أو الإمارات أو البحرين، لأنه لديه مصالح فندقية، وتأتيه التحويلات المالية منها.
يتحدث عن أن قطر تسعى لتقويض أمن الخليج وأنها تدعم خلايا نائمة.. دون أن يقدم واقعة واحدة، ودعني أسأل من الذي عمل على تقويض أمن الخليج عبر دعم أعمال عسكرية مباشرة، ودعم محاولات انقلاب وشبكات تجسس؟ والتاريخ القريب ـ وليس البعيد ـ يشهد على ذلك، بدءا من 1992 مرورا بـ 1996 وانتهاء بـ 2011.. اقرأ جيدا ماذا حدث في هذه الأعوام، ومن كانت الدولة الضحية.. إنها قطر، ولا أريد فتح تلك الملفات.
كلنا يذكر الخلية الإرهابية التي كشفتها قطر في نوفمبر 2011 والتي كانت تستهدف منشآت حيوية في مملكة البحرين الشقيقة وسفارة خادم الحرمين الشريفين بالمنامة، هذه الخلية المكونة من أربعة أفراد بحرينيين والتي خرجت من البحرين ودخلت السعودية وخرجت من السعودية دون أن يكتشفها أحد، وعندما وصلت للحدود البرية القطرية استطاعت الأجهزة الأمنية القطرية اكتشافها، وبعد التحقيق معها قامت بإبلاغ الأشقاء بالبحرين بالأمر، وسلموا إلى المنامة، ومن قام بالإعلان عن كشف هذه الشبكة الإرهابية ليس قطر، حتى لا يقال إنها تصنع دعاية لنفسها، إنما الأشقاء بالبحرين في مؤتمر صحفي عام عقد في 13 نوفمبر 2011 أشادوا خلاله بدولة قطر وقال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية البحرينية بالنص "نعرب عن خالص الشكر والتقدير للسلطات الأمنية القطرية الشقيقة على ما قامت به من جهود وما قدمته من تعاون بناء بشأن ضبط هذه الواقعة، حيث جسّد ذلك بالفعل التكامل القائم بين الأجهزة الأمنية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي".
ارجع عزيزي رئيس التحرير لهذه الواقعة، هل يا ترى قطر تتآمر أم تتعاون من أجل أمن واستقرار دول مجلس التعاون؟ هل يمثل هذا تورطا في أعمال إرهابية ـ كما جاء بمقالك غير الموضوعي تماما ـ أم أنه قضاء على الإرهاب، وإخلاص في تقديم كل الدعم والتعاون للأشقاء ؟
يتحدث عن دعم قطر للحوثيين، ولم يقدم دليلا واحدا على ذلك، إنما قصاصات من صحيفته "الصفراء"، وطالما يشكل ما ينشر في الصحف أدلة فهناك أخبار نشرت في صحف عالمية تشير إلى قيام المملكة العربية السعودية الشقيقة بدعم الحوثيين، فقد نشرت الجارديان على سبيل المثال في نوفمبر 2013 مقالا كتبه ديفيد هيرست يشير إلى أن القيادي الحوثي صالح الهبرة زار المملكة سرا والتقى فيها برئيس الاستخبارات الأمير بندر بن سلطان، الذي يقود ـ حسب الصحيفة ـ مشروعا لضرب الإسلام السياسي، فهل نحن نصدق ذلك؟ أبدا فنحن لم ننشر حتى هذا الخبر في حينه، ونرفض التعامل معها.
وليس فقط أن هذا الزميل لم يقدم دليلا، بل إن وقائع الأحداث تشير إلى أن قطر تدعم الحكومة اليمنية الشقيقة، فهي قبل نحو أربعة أشهر قدمت دعما ماليا للحكومة اليمنية للمساهمة في المشاريع التنموية بلغ 350 مليون دولار، وكان هذا في نوفمبر الماضي، وهذا أعلن رسميا، كما أن قطر تدعم المبادرة الخليجية، إضافة إلى ذلك فإن الجميع مطلع على الجهود التي تقوم بها الجمعيات الخيرية في دعم الأشقاء في اليمن، فكيف يستقيم هذا الدعم للحكومة والشعب اليمني، مع الادعاءات التي تثار بأن قطر تدعم الحوثيين؟
يتحدثون عن دعم جماعة الإخوان المسلمين، ونتحدى في قطر أي جهة كانت أن تقدم دليلا واحدا يثبت ذلك الدعم.
نعم قطر لديها علاقات مع جميع الأطراف بما فيهم الإخوان المسلمون، فهذه الجماعة موجودة على الساحة، ولا تخشى قطر من التعامل معها، فنحن لدينا الثقة بأنفسنا، ومنفتحون على الجميع إسلاميين كانوا أو ليبراليين أو شيوعيين.. أو غيرهم، ليس لدينا " فوبيا " من أي جهة كانت.
زميلي رئيس التحرير يحذر منهم، وهم على بعد أمتار قليلة منه في بلده، ولهم حضور مشرف في برلمان بلده، فلماذا لا يعمل على إبعادهم وإرسالهم إلى "المريخ" إن كان جادا في ذلك.
وبالمناسبة زميلي هذا أيضا "مطيح" في المغرب، ونسي أن حكومتها تتشكل من الإخوان المسلمين!
والمضحك المبكي أنه يتحدث أيضا عن أن قطر تسعى لتمكين إيران من الخليج، حتى تعود شرطي المنطقة كما كانت أيام الشاه، ليتك تقرأ أي بلد في الخليج تتصدر إيران قائمة الدول التي يتبادل معها تجاريا، وهذا ليس أمرا مخفيا، ولكن الفجور في الخصومة يدفع إلى عمل كل شيء.
قطر كما قلت لديها علاقات حسن جوار مع الجميع، لا تعادي أحدا أبدا، أياديها ممدودة، لا تخشى من التعامل مع الدول ومع الأفكار، لأن لديها ثقة كبيرة بنفسها، تدافع عما تؤمن به، وتعلن مواقفها على الملأ، دون خوف أو تردد، كما يفعل الكثير من الدول في عالمنا العربي.
قطر ليس لديها ما تخفيه، ولا تتعامل مع أحد من تحت الطاولة، فمن لديه اتهام فليطرحه بمصداقية بعيدا عن الابتذال، وليقدم الدليل الحقيقي عليه، بدلا من مجرد ادعاءات وأقاويل وقصاصات من نشرات تسمى "صحفا".
البينة على من ادعى.. هذا هو الفاصل في أي خلاف.. فأين هي البينة التي قدمتها الدول الشقيقة الثلاث عندما اتخذت خطوة سحب سفرائها من قطر؟
الشعوب الخليجية بحاجة إلى
مصارحة ومكاشفة، بحاجة إلى إشراكها في القرارات المصيرية التي تتخذ، وللأسف أنها هي التي تدفع ثمن هذه القرارات، التي تشكل مستقبل هذا الكيان الخليجي، إيجابا أو سلبا.
الرأي العام الخليجي مغيب عن قضاياه اليوم، أليس من حق المواطن الخليجي أن يعرف بالضبط لماذا قامت الدول الشقيقة الثلاث بسحب سفرائها، أليس من حقه أن يفهم هذه الخطوة غير المألوفة في التعامل بين أقطارنا الخليجية، أليس من حقه أن يعرف ما يدور حوله، هل من المعقول أن يظل المواطن الخليجي "يبصم" على القرارات التي تتخذ دون أن يكون له رأي فيها، بل دون أن يعرف حقيقتها؟
المواطن الخليجي اليوم لم يعد كما كان في ثمانينيات القرن الماضي، اليوم نحن نتحدث عن فضاء مفتوح.. نتحدث عن إعلام يجوب الفضاء.. نتحدث عن ثورات تقنية وتكنولوجية يعرف ويطلع الإنسان لحظة بلحظة على آخر ما يحدث في العالم، فكيف به لا يعرف ماذا يدور في بيته؟.. هل يعقل ذلك!
نتحدث عن مصير مشترك.. ووحدة خليجية.. وتعاون وتكامل.. في وقت لا يعرف فيه مواطنو هذا الكيان الخليجي شيئا عما يدور في "الغرف المغلقة".. كيف بنا ندعم الُّلحمة الوطنية الخليجية طالما أبناء هذه المنظومة لا يشاركون في صنع القرار؟ ولا يعرفون إلى أين يسير مركب مجلس التعاون في هذا البحر اللجي المتلاطم الأمواج!
أقولها.. قطر لن تنجر إلى اتخاذ خطوات مماثلة أو في غير مصلحة وحدة وأمن واستقرار مجلس التعاون، ومصلحة شعوبه ورفاهيتها، وستترفع عن أي إساءة قد تأتيها من أي جهة، وهي بالفعل ترفعت عن تلك الإساءات طوال السنوات الماضية، فلطالما رميت بسهام الظلم والبهتان، ولكن واصلت السير، ولم تلتفت، ولم ترد، هكذا كانت، وهكذا ستظل.
(بوابة الشرق)